قبل استعراض فكرة هذه المقالة، أود بداية التأكيد على مفهوم العمل الفردي ومعناه حتى نقف على حقيقة المراد، فالدور الفردي هو ذلك الفعل المنبثق عن توجه فرد أو مجموعة أفراد للتحرك باتجاه ما لتحقيق غاية توافقوا عليها، دون أن يكون هناك تأثير أو قرار من منظومات أخرى على هذا القرار، كالحكومات، التيارات السياسية، المؤسسات الأهلية، العشيرة، ونحوها.
على مدار التاريخ، كانت هناك شواهد واسعة الدلالة أرشفت في الذاكرة النوعية للبشرية عن إنسان فرد استطاع أن ينجز ما لم تنجزه دول أو تيارات أو مؤسسات أو جيوش كبرى، فالبعض أبدع في الفن، وآخر أبدع في التخطيط الابتكاري، وثالث صنع جهازًا، ورابع أدى عمله لنصر أو هزيمة.
إبان الحرب الألمانية الروسية في سياق الحرب الكونية، قام شخص روسي بافتتاح إذاعة ناطفة باللغة الألمانية، وبدأ ببث الأغنيات التي تمجد العرق الآري وألمانيا العظمى، وبعد عدة شهور من تأقلم الجيش الألماني على الاستماع لإذاعته، بدأ بتشتيت الجبهة الألمانية وبدأ حربًا إعلامية تكاد توازي جبهات الحرب المشتعلة كلها.
في تاريخنا الإسلامي كان دور نُعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب يعادل دور الجيش المسلم برمته، فقد فتن الجيوش المتلاحمة ضد المسلمين، وفرق شملهم بحكمته وذكائه وكتمه لإسلامه واستثماره لعلاقاته الوثيقة بكل الأطراف.
وإذا نظرنا إلى الاكتشافات العلمية والمخترعات، نجد أن عالمًا واحدًا قد أسهم في متابعتها وميلاد فكرتها النظرية والتطبيقية، ونجد أن لكل اكتشاف تداعيات تغير شكل العالم، فمخترع الآلة البخارية فجّر الثورة الصناعية في أوروبا، ومخترع البارود غير طبيعة الحروب الإقطاعية والحرب بين ملوك الغرب والكنيسة، ومكتشف البوصلة أوصل العالم لقارة عظمى، ومكتشف الورق أسس ثورة المعرفة وتكنولوجيا تعميم الحروف.
نحن نتحدث عن فرد واحد غير معادلات كبرى، وغير موازين قوى، وزعزع منظومات فكرية وحكومية وسياسية وتجارية راسخة، فالفرد في التاريخ بإمكانه تغيير أممًا.
عظماء المشرق هم أفراد، نحن نتحدث عن ابن النفيس، ابن الهيثم، الرازي، ابن رشد، ابن خلدون، الفارابي، الخوارزمي، والمعماري سنان، ونحوهم مئات من الأفراد المبدعين الذين غيروا قيمًا وعلموا أممًا.
ولذلك، فإن كارثتنا في أنظمة الاستبداد وعالم الكبت الذي نعيش فيه، هو منع الإبداع الفردي للسيطرة على ميلاد رموز التميز، حتى لا تحدث منافسة في مجال صناعة الإنجاز، ونبقى رهائن الغرب بتكنولوجيا العصر وبمنهجيات إدارة الدول والأفراد وفق نظريات فُرضت علينا ولا يسمح لنا حتى بمناقشتها أو مناقشة جدواها.
في سوريا، في فلسطين، في مصر، وفي سائر عالمنا العربي والإسلامي لمعت نجوم فردية حديثة، طمسها الإعلام العربي قبل الغربي، وشوهها الزعماء والإعلاميون وتجاهلها المجتمع تبعًا لذلك.
إننا اليوم بحاجة للعمل الفردي بكل المجالات، وأن ينطلق الفرد الواعي بعيدًا عن كل المعادلات والتوجهات والأفكار الطائشة، لينطلق من عمق إيمانه بنفسه وعلمه، ويبدع في مجاله، ولعل قطاع غزة المُحاصر منذ عقد من الزمان، وما ابتكر فيه من إنجازات عسكرية برغم كل ما يعيشه مثال لكل عربي ومسلم على ما يمكن إنجازه في البيئات الأقل حصارًا وضغطًا.
وهنا، الكلمة للشباب، لطلبة الجامعات، لمن يمكن للأمة أن تثق بهم كقيادة واعية وواعدة لها، لا تقبلوا أبدًا بأن يحجمكم أحد، أو أن يحجر أحد على فكركم، انطلقوا مفعمين بالأمل، متسلحين بالعزيمة، واتركوا ما قيل وما يقال، وسيروا في طريقكم الفردي، فكلنا رهن بكم وبهممكم، والشمس تنتظر ميلادكم لتولد في فجرها الجديد الذي سينسخ ظلام الجهل، الاحتراب، المصالح الفردية، الكبت السياسي، الارتهان للغرب، والسطو على الحريات، وهي الأمور التي ظهرت لغيابكم أنتم.