كلمة الشيخوخة تعتبر مرادفة لاهتراء الجسد منذ أقدم العصور، وكان لدى الإغريق وجهة نظر قاسية بشكل خاص، فكثير منهم كانوا يعتبرون الشيخوخة على أنها مرض بحد ذاتها، ولكن تبعًا لأحدث الأبحاث العلمية فإن الشيخوخة ليست عبارة عن انحدار متتالي نحو النهاية، فذروة التمتع بالحياة قد تأتي في وقت متأخر، على عكس ما كنا نظن.
متى تبدأ الشيخوخة؟
تبعًا لاستطلاع الرأي العام في بريطانيا، فإن الشيخوخة تبدأ في سن الـ59، ولكن بالنسبة للأمم المتحدة ومعظم العلماء، فإن سن الشيخوخة يبدأ بعد سن الـ60.
انخفاض عدد نزلات البرد
قد لا يكون العقل هو الشيء الوحيد الذي يصبح أكثر حكمة مع تقدم العمر، فجهاز المناعة البشري الذي يواجه أيضًا الملايين من الأخطار المحتملة في كل يوم يصبح أكثر حكمة أيضًا، فعلى اعتبار أن هذا الجهاز هو قوة الدفاع في الجسم، فإنه بحاجة لتعلم كيف يكشف عن المخاطر بدقة.
بشكل عام تقوم أجسامنا بإنتاج خلايا دم بيضاء فريدة مصممة خصيصًا للتعرف على المظهر الجزيئي لملايين الغزاة المختلفين، وعندما تتعرف هذه الخلايا على العدو، فإنها تلتصق حوله، وتشكل ما يعرف باسم “الذاكرة المناعية”، وهذا ما يساعدها على إصدار استجابة سريعة في المرة التالية التي يحدث فيها هجوم مماثل على الجسم.
تبعًا لجون أبهام من جامعة كوينزلاند، فإن هذه الذاكرة يمكن أن تستمر لفترة طويلة، حيث إن أجهزة المناعة للأشخاص الذين أصيبوا بالعديد من الأوبئة المختلفة يمكن أن تتذكر الفيروس لمدة تتراوح بين 40 أو 50 سنة في بعض الحالات، وعلى الرغم من أن الجهاز المناعي يبدأ بالتراجع في سبعينات أو ثمانينات العمر، إلّا أنه هذ الجهاز يكون في أوج ذاكرته وحصانته خصوصًا في أوائل الأربعينيات وحتى أواخر الستينات وأوائل السبعينات، حيث يتذكر النظام المناعي خلال هذه الفترة جميع الفيروسات التي شهدها على مر السنين.
هذه الحماية التراكمية تترجم من خلال الإصابة بعدد أقل من نزلات البرد، ففي حين أن الأشخاص الذين تتراوح متوسطات أعمارهم في حوالي العشرينات، يمكن أن يصابوا بنزلتين أو ثلاثة في السنة، فإن الأشخاص الذين تتراوح متوسطات أعمارهم في الخمسينات لا يصابون سوى بنزلة واحدة أو اثنتين على الأكثر.
على الرغم من ذلك، فإن الدفاعات المناعية الأخرى تميل لأن تضعف مع التقدم في السن، حيث يبدأ الجسم بإنتاج عدد أقل من خلايا الدم البيضاء الجديدة، كما وتصبح هذه الخلايا بطيئة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن جهاز المناعة المسن ينتج نسبة أقل من الأجسام المضادة – البروتينات التي تلتصق بمسببات الأمراض للمساعدة في تحديدها والقضاء عليها – ولكن ماذا لو كان هذا الأمر منقذًا للحياة؟
معايشة التفشي
كان وباء الإنفلونزا الذي ضرب في عام 1918، الأكثر دموية في تاريخ البشرية، حيث إنه أسفر عن مقتل 50 مليون شخص، ولكنه كان أكثر فتكًا بالأشخاص الأكثر قوة وصحة، والذين كانت أعمارهم تتراوح بين 20 إلى 40 عامًا، والأمر نفسه ينطبق على تفشي إنفلونزا الخنازير الذي حدث في عام 2009 والذي اتبع النمط الغريب ذاته، والذي يقوم على حصد أكبر عدد من القتلى الذين تقل أعمارهم عن 65 عامًا.
يعتقد بأن الفيروسات تتسبب بجعل الجهاز المناعي لدى الضحايا يبالغ في ردود فعله، لذلك كان أولئك الذين يمتلكون جهاز مناعة قوي هم الأكثر احتمالًا للتعرض لردود فعل أكثر عدائية وضرارًا، وهي ظاهرة تعرف باسم “عاصفة السيتوكين”، حيث تعتمد الاستجابة المناعية الصحية على ردود الفعل الإيجابية، فعندما يتم العثور على المرض، تقوم الأنسجة المحيطة به بإطلاق رسائل كيميائية، تدعا السيتوكينات، طلبًا للمساعدة، ومع وصول الخلايا إلى الموقع، يتم تحفيزها لإفراز المواد الكيميائية أيضًا، وتحفيز المزيد من الخلايا للوصول إلى الموقع، ولكن في بعض الأحيان تخرج هذه الحلقة عن نطاق السيطرة، مما يسفر عن مقتل الخلايا السليمة ويؤدي إلى حدوث التهابات قاتلة، ومن غير المعروف حتى الآن ما هو الشيء الذي يسبب هذه العواصف، ولكن البحوث الجارية ألهمت العلماء لإيجاد علاج جديد لمرض الإنفلونزا يعمل على التأثير على عاصفة السيتوكين بدلًا من الفيروس نفسه.
انخفاض الحساسية
هناك بعض الأنباء السارة لأولئك الذين يعانون من الحساسية أيضًا، فعلى الرغم من أن الأسباب الأساسية للحساسية لا تزال محل نقاش ساخن، فإنه من المعروف بأن جميع أنواعها تتحفز بسبب الأجسام المضادة، وبشكل أكثر تحديدًا الجلوبيولينات المناعية (E)، ولكن مثل جميع الأجسام الأخرى، فإن إنتاجها يقل مع التقدم في السن.
تبعًا لميتشل غرايسون من مستشفى الأطفال في ولاية ويسكونسن فإنه كلما تقدمت بالعمر كلما قلت حدة أعراض الحساسية التي تعاني منها، حيث إن قمة أمراض الحساسية تكون في فترة الطفولة ومن ثم يبدأ تأثيرها بالانخفاض خلال مرحلة المراهقة المتأخرة وحتى فترة العشرينات، ولكن عندما يصل الشخص إلى الثلاثينات، تعود هذه الأعراض بالظهور مجددًا حتى يصل إلى عمر الـ50 أو الـ60، عندها تميل الأعراض لأن تصبح أقل ظهورًا.
الذكاء
ليس هناك ما يكفي من الكلمات لوصف الآثار المدمرة التي تسببها الشيخوخة على الدماغ، ولكن هناك قدرات ذات أهمية حيوية، عادة ما تكون العقول الأكبر سنًا أكثر ذكاءً فيها.
بحسب مايكل رامسكار من جامعة توبنجن، فإن هناك سوء فهم لعملية تقدم الدماغ بالعمر، حيث إن عدد الخلايا العصبية في الدماغ البشري تكون في ذروتها في حوالي الأسبوع الـ28 بعد الولادة، ولكن حوالي نصف هذه الخلايا العصبية تموت قبل انتهاء فترة المراهقة، وطالما أننا لا نعتبر موت الخلايا الذي يحدث في المرحلة الممتدة من فترة الولادة وحتى سن الـ18 كانتكاس عصبي بشع، فإنه من الإنصاف أن نقول بأن أعداد الخلايا العصبية التي يحتويها الدماغ ليست مؤشرًا يمكن أن يدل على أي شيء مهم.
في دراسة طويلة الأمد، تتبع فيها الباحثون القدرات العقلية لحوالي 6000 شخصًا منذ عام 1956، وقاموا من خلالها بإجراء الاختبارات على ذات المتطوعين كل سبع سنوات، تبين بأنه على الرغم من أن المتطوعين من كبار السن كانوا غير جيدين في حل المعادلات الرياضية وأبطأ في الاستجابة للأوامر، إلّا أنه تبين أيضًا بأن المشاركين الذين كانت أعمارهم تتراوح بين الأربعين والخمسين عامًا، كانوا أفضل في اختيار المفردات، والتوجه المكاني، والذاكرة اللفظية، وحل مشكلة قدراتهم، مما كانوا عليه عندما كانوا في العشرينات.
يشير غاري سمول، وهو طالب يدرس الطب النفسي للشيخوخة في جامعة معهد أبحاث الدماغ بكاليفورنيا، بأن هؤلاء الأشخاص وصلوا إلى هذا التراكم المعرفي بفضل كل تلك السنوات الإضافية التي قضوها في هذا العالم، فالأشخاص عادة ما يطورون منظورًا أكثر خبرة للأشياء المهمة، كما أن القدرة على حل المشاكل تصبح أكبر وأبسط بعد سنوات من الممارسة، وبالإضافة إلى ذلك فإن التقدم بالسن يساعد على تراكم أنواع معينة من المعرفة، أو ما يسمى بالذكاء المتبلور.
بطريقة أكثر علمية، فإن الإشارات العصبية تكون معزولة عن بعضها بمواد دهنية تدعى المايلين، هذه المواد تغلف النهايات السلكية للخلايا العصبية، وهي مواد هامة، فهي تزيد من سرعة انتقال الإشارات الكهربائية، و كان يُعتقد سابقًا بأن هذه المواد تقل مع تقدم الأشخاص في العمر، ولكن تبين فيما بعد بأن العكس هو الصحيح، ففي الواقع، ومع تقدم الأشخاص بالسن، تزداد سماكة هذه المادة العازلة حول تلك الأسلاك الطويلة، لذلك فإن سرعة الرسائل عبر المحاور تكون أكبر لدى الأشخاص في منتصف العمر منها عند الشباب.
حياة جنسية أفضل
أظهرت العديد من الدراسات بأن الأشخاص الكبار بالسن يحصلون على حياة جنسية أفضل مما كان يعتقد سابقًا، حيث وجدت إحدى الدراسات التي تم إجراؤها حول النشاط الجنسي والرضا لدى النساء اللواتي يبلغن من العمر 80 عامًا، بأن نصف المشاركات كن لا يزلن يحصلن على هزات الجماع “دائمًا” أو “معظم الوقت” أثناء ممارسة الجنس، في حين توصلت دراسات أخرى إلى نتائج مذهلة أيضًا حيث وجدت دراسة استقصائية حول الحياة الجنسية للأشخاص فوق سن الـ60، بأن 74% من الرجال و70% من النساء كانوا يحصلون على إشباع جنسي أكبر أثناء ممارستهم للجنس مما كانوا عليه عندما كانوا في الأربعينات.
توضح تارا ساجليو، وهي معالجة علاقات من لندن، بأن النساء المسنات لا يشعرن بانعدام الثقة والأمان، فالنساء الأكبر سنًا يكن أكثر ثقة في التعبير عن حياتهن الجنسية، وهذه الثقة هي التي تجعل ممارسة الجنس أفضل بالنسبة لهن.
نوبات أقل من الصداع النصفي
يمكن للصداع النصفي أن يصبح أقرب إلى الصداع العادي مع تقدمنا في العمر، فتبعًا لما وجدته دراسة سويدية تم إجراؤها على مرضى الصداع النصفي من كبار السن والأشخاص الذين تبلغ أعمارهم الـ18 عامًا، فإن الهجمات تصبح أقصر وأقل إيلامًا وأقل تواترًا مع التقدم بالسن، فمن بين 374 شخصًا شاركوا في الدراسة، لم يكن هناك سوى أربعة أشخاص فقط أصيبوا بالصداع المزمن مع التقدم بالسن.
تعرق أقل
مع التقدم بالعمر، تتقلص الغدد العرقية وتصبح أقل عددًا، حيث تبين البحوث بأن الأشخاص في عمر الـ20 يتعرقون بشكل أكبر عمومًا من الأشخاص بعمر الـ50 أو الـ60 .