دعونا لا نؤمن بالقول الذي يُوحي بأن الحديث عن مصالحة الرئيس الفلسطيني أبومازن والقيادي محمد دحلان، والذي تم فصله من حركة فتح في أعقاب سوء التفاهم الكبير الذي حصل بينهما خلال السنوات الأخيرة، يهدف إلى تضليل الرأي العام الفلسطيني وإبقاء الساحة الفلسطينية، وحركة فتح تحديدًا، في حالة بلبلة وانشغال عن المواجهة الحقيقية مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى الإيحاء بأن دحلان مازال قادرًا على لعب دورًا كبيرًا في حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم.
أحاديث كثيرة حامت حول هذه المصالحة، وأهمها ما خرج من مصر خلال الأيام الماضية، والذي يقول بأن مبادرة تصالحية بدأتها مصر أثناء تواجد الرئيس أبومازن في ضيافة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويأتي الاهتمام المصري، الذي يتمتع بأثقال كبيرة على الرجلين، بسبب ما يبدو بأنه من باب الحرص على القضية الفلسطينية وبسبب تلاقي المصالح وتشابهها على أي حال، خاصةً وأن مصر تعتبرهما في كفة واحدة، وعلى مبدأ هذا أحبه وهذا أريده، فكثيرًا ما كان السيسي يطرح إطراءً متعادلًا باتجاههما.
وكانت حركة حماس قد أكدت، باعتبار أن لديها معلومات تفيد بوقوع مثل هذه المبادرة، وأعلنت بأنها لا تهتم كثيرًا بشأنها فيما لو أصبحت حقيقة، على الرغم من تواتر أنباء خلال فترة سابقة من أن هناك مشاريع مصالحة بين الحركة ودحلان بناءً على مشتركات خاصة، وأهمها ما هو متعلق بتخفيف سلطة أبومازن من جهة، وفيما هو متعلق بالحالة الاقتصادية التي يعانيها القطاع منذ أن تم فرض الحصار الإسرائيلي عليه منذ عام 2006، لكن لم نرَ ذلك متوفرًا حتى هذه الأثناء.
صحيح أن دحلان قد تم فصله من حركة فتح بقرار من لجنتها المركزية، واعتمده مجلسها الثوري، لأسباب – كما تقول الحركة – متعلقة بالمساس بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، إضافة إلى اتهامه بارتكاب جرائم قتل وملفات جنائية أخرى، منها الاعتداء على أموال الشعب الفلسطيني وتهريبها للخارج، لكن لدى دحلان ما يدحض ذلك كله، ويطالب بضمان حقوقه كي يمثل أمام القضاء الفلسطيني.
فبينما تقول جهات مقربة أو مؤيدة لـ “دحلان” بأن كل هذه التهم باطلة ولا أساس لها من الصحة، وأن الخلافات شخصية ومنحصرة مع الرئيس أبومازن وأولاده، ترتبت على اختلاف وجهات النظر في السياسة العامة للسلطة وسواء كانت داخلية وأهمها ما تم ذكره آنفًا، إضافة إلى التهمة الأكبر بأنه هو من قام بتقديم قطاع غزة إلى حركة حماس بدون ثمن، أو خارجية، متعلقة بمسارات الصراع العربي – الإسرائيلي، وهناك خارطة طويلة، ستؤدي خطوطها إلى اتهامات لا نهاية لها، إلا أن الرئاسة وجِهات مقربة منها تنفي ذلك كله نفيًا قاطعًا، باعتبار أن القضية ليست كذلك مطلقًا، وأن أبومازن أكبر من محاولات دحلان للإساءة إلى حكمته ونزاهته، الذي أفشل محاولة جره إلى متاعب لا حصر لها، لذا فإن المصالحة معه غير مسموح بها.
لقد مررنا بالكثير من مثل هذه القضايا والمشابهة لها، وما هي أكثر تعقيدًا، فالكل يعرف ما هي السياسة وما هي قضاياها، لاعتمادها المصالح وعلى أنواعها كحاجة رئيسية، وإذا ما تمترست لدى وصولها محطة ما فإنها تابعة دائمًا إلى سبب ما، قد يهدف إلى السيطرة على المزيد من المكاسب ضد الطرف الآخر، وسواء كان بتسكينه من المطالبة بشيء أو بإخضاعه للتنازل عن بعض مطالبه، اللهم إلا إذا كانت شخصية محضة، باعتبارها هي التي يمكن أن تطول وتمتد أكثر عبر الزمن، وقد يثبت لنا، وسواء في هذه الأثناء أو في المستقبل، فيما إذا كانت الخلافات شخصية أم سياسية، وإن كان في نظرنا أنها سياسية وشخصية في آن معًا.
وعلى أي حال، يمكن الإشارة إلى أن للمصالحة فضائل كثيرة يمكن للحركة الأم أن تنالها بسهولة، وقد تمتد إلى شرائح مختلفة من الشعب الفلسطيني، فبمجرد الوقوف على أعتاب فصلها الأول فسيُعتبر ذلك بمثابة انزلاق الحركة في خير كبير، وأن الدخول في أعماقها يعني تجدد الآمال في الحفاظ على جسمها ودمل جروحها، كما أن من شأن تحقيقها أو أجزاء مهمة منها يعني تقوية رصيدها المنهار أو غير المستقر في الشارع الفلسطيني، وأمام حركة حماس بشكل خاص، وربما تقوية الجانب الفلسطيني أمام المفاوض الإسرائيلي، فيما لو تم استئناف المفاوضات السياسية، سيما وأن إسرائيل تتحجج بأن أبومازن منفردًا لا يقوى على تفعيل أجزاءً منها في حال حصول تسوية.
يجب علينا الإيمان بأن كانت هناك جولة تصالحية، وإن لم نشاهدها بأم أعيننا، لكن لم تكن هناك تقدمات مهمة بشأنها، ويمكننا فهم أولًا: بأن المصالحة لا تأتي بين ليلة وضحاها، سيما وأن هناك أمورًا متراكمة يجب عزلها واحدًا عن الآخر، كما أن نُكرانها هو في عِداد المعتاد في مثل هذه الحالة، التي لا يتم فيها إحراز أي تقدم، أو لشروط متفق عليها تُلزم التكتم والسرية، ودعونا قبل أن نختم أن نفترض بأنه كانت هناك نقلة ما، في هذه الجولة التصالحية، لكان اختلف كل شيء، ولما شاهدنا لافتة المجندين التي تضرب في الأعالي ضدها، باعتبارها مثيرة للمتاعب، ولسمِعنا كلامًا مضادًا تمامًا، وأقله، بأن مصلحة فتح فوق كل اعتبار، وبأن مصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية تتسامى على كل الجراح.