ازدهار الكرة الجزائرية
تحتل كرة القدم الجزائرية في الوقت الحالي مركز الريادة بين نظيراتها، ليس فقط على الصعيد العربي، بل على الصعيد الأفريقي أيضًا، فليس من قبيل المصادفة أن يتزامن النجاح الباهر الذي حققه منتخب محاربي الصحراء الجزائري بوصوله إلى دور الـ16 في كأس العالم الأخيرة بالبرازيل العام الماضي، مع نجاح الأندية الجزائرية على الصعيد الأفريقي، والذي تجلى بفوز وفاق صطيف ببطولة دوري أبطال أفريقيا العام الماضي، وبلوغ اتحاد العاصمة نهائي النسخة الحالية من نفس البطولة حيث هُزم أمام مازيمبي الكونغولي.
هذا النجاح الذي يذكرنا بالعصر الذهبي للكرة الجزائرية، الذي عاشته خلال ثمانينات القرن الماضي، لم يأت من فراغ، بل له أسباب ومقومات، أبرزها – دون شك – التألق الملفت لعدد كبير من المحترفين الجزائريين في كبرى الدوريات الأوروبية، من رياض محرز ونبيل بن طالب في البريمير ليغ، إلى سفيان فيغولي ومهدي لحسن ونبيل غيلاس في الليغا الإسبانية، إلى فوزي غلام وجمال مصباح وسفير تايدر في الكالتشيو الإيطالي، إلى إسلام سليماني وياسين إبراهيمي في البرتغال، وهذا الأخير أضحى واحدًا من أبرز المنافسين على لقب أفضل لاعب أفريقي هذا العام مع فيغولي، هذه المواهب الفذة بخبراتها الأوروبية الواسعة، إضافةً إلى المنافسة القوية والصحية التي يشهدها الدوري الجزائري، كان لها اليد الطولى في النهضة الحالية التي تمر بها الكرة الجزائرية، ولا سيما المنتخب الوطني، الذي أنهى العام الماضي وهو في المركز الـ 18 عالميًا، والأول عربيًا وإفريقيًا في تصنيف الفيفا الدوري للمنتخبات.
أرشيف محاربي الصحراء
– تأسست الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عام 1962، ومعها تأسس أول منتخب جزائري مستقل لكرة القدم، حيث لعب أولى مبارياته الدولية أمام بلغاريا في يناير 1963، وحقق الفوز فيها بنتيجة 2-1 في صوفيا، قبل أن ينضم رسميًا إلى الاتحادين الدولي والأفريقي عام 1964، ويبدأ المشاركة بانتظام في تصفيات كؤوس العالم اعتبارًا من تصفيات مونديال 1966.
– أكبر فوز في تاريخ منتخب الخضر كان في 17 أغسطس 1973 على حساب اليمن الجنوبي بنتيجة 15-1 في ليبيا، أما أثقل هزيمة تعرضوا لها، فكانت في بودابست أمام المجر بنتيجة 9-2، وذلك في 16 أغسطس 1967.
– أفضل مركز بلغه محاربو الصحراء في جدول تصنيف الفيفا الشهري، كان في الـ 15 في أكتوبر 2014، أما أسوأ مركز فكان الـ 103 في يونيو 2008، بينما يحتلون حاليًا المركز الـ 26 عالميًا (الثاني أفريقيًا).
– أبرز إنجازات الكرة الجزائرية على صعيد المنتخب الوطني، كان الفوز بكأس أمم أفريقيا عام 1990، إضافةً إلى بلوغ دور الـ 16 في نهائيات كأس العالم عام 2014، أما على صعيد الأندية، فكان فوز أندية الجزائر بـ 5 ألقاب في دوري أبطال أفريقيا، عن طريق: شبيبة القبائل (عامي 1981 و1990)، وفاق صطيف (عامي 1988 و2014)، ومولودية الجزائر (عام 1976).
كأس العالم والإنجاز الأخير
– مونديال إسبانيا 1982: في أول تواجد للخضر في النهائيات العالمية، نجحوا في إبهار المتابعين بفوزهم الافتتاحي على ألمانيا الغربية بهدفين لهدف في ملحمة خيخون الشهيرة، قبل أن يتعرضوا لخسارتهم الوحيدة أمام النمسا بهدفين نظيفين، ويستعيدوا نغمة الانتصار بفوزهم على تشيلي بنتيجة 3-2، ولكن مؤامرة ألمانيا والنمسا الشهيرة لترتيب نتيجة مباراتهما، ألقت بمحاربي الصحراء خارج المونديال، وسط استياء كبير من قبل الجمهور الإسباني وجميع المتابعين.
– مونديال المكسيك 1986: لم يذهب الأفناك (ثعالب الصحراء) بعيدًا في مشاركتهم الثانية على التوالي، فاكتفوا بالتعادل مع إيرلندا الشمالية بهدف لمثله، قبل أن يتعرضوا لخسارتين وضعتهما خارج المونديال، أمام البرازيل بهدف وحيد، وأمام إسبانيا بثلاثية بيضاء.
– مونديال جنوب أفريقيا 2010: بعد غياب دام 24 عامًا، عاد محاربو الصحراء للتواجد في كؤوس العالم، دون أن يتمكنوا من تجاوز حاجز الدور الأول، بعد خسارتهم أمام سلوفينيا بهدف وحيد، وتعادلهم مع إنجلترا بدون أهداف، قبل أن يتعرضوا لهزيمة متأخرة أمام الولايات المتحدة في آخر مبارياتهم.
– مونديال البرازيل 2014: على الأراضي البرازيلية تألق الأفناك، وحققوا أفضل إنجازاتهم في تاريخ كؤوس العالم، بنجاحهم في تجاوز دور المجموعات، بعد أن عوضوا خسارتهم الافتتاحية أم بلجيكا بنتيجة 2-1، بفوز كبير على كوريا الجنوبية بنتيجة 4-2، قبل أن ينتزعوا تعادلًا ثمينًا من روسيا بهدف لمثله، ليحتلوا المركز الثاني في مجموعتهم وراء بلجيكا، ويواجهوا منتخب المانشافت في ثمن النهائي بذكريات مونديال 1982، فينجحوا في الصمود طيلة 90 دقيقة، ليجروا المباراة إلى وقت إضافي، لم يسعفهم الحظ والخبرة فيه لاستكمال إنجازهم، لتنتهي المباراة الملحمية بخسارة المحاربين بنتيجة 2-1، ولكن مع وقوف وتصفيق كل من حضر وشاهد.
أمم إفريقيا وطموح نحو الأفضل
تواجد محاربو الصحراء في 15 نسخة من نهائيات أمم أفريقيا، نجحوا من خلالها في حمل لقب البطولة مرة واحدة، كانت على أراضيهم عام 1990، فيما حققوا المركز الثاني عام 1980 في نيجيريا، بعد خسارتهم النهائي أمام البلد المضيف، والمركز الثالث مرتين: عام 1984 في ساحل العاج، و1988 في المغرب، والمركز الرابع مرتين أيضًا: عام 1982 في ليبيا، و2010 في أنغولا، فيما بلغوا ربع النهائي 4 مرات أعوام: 1996، 2000، 2004، و2015، واكتفوا باللعب في الدور الأول 6 مرات أعوام: 1968، 1986، 1992، 1998، 2002، و2013.
– إنجاز عام 1990، تحقق بعد تصدرهم مجموعتهم بـ 3 انتصارات: على نيجيريا بنتيجة 5-1، وعلى ساحل العاج بثلاثية بيضاء، وعلى شقيقهم المصري بثنائية نظيفة، قبل أن يتجاوزوا السنغال في نصف بنتيجة 2-1، ليواجهوا نيجيريا في النهائي ويتفوقوا عليها بهدف ثمين، ويسعدوا 100 ألف من أنصارهم، جاءوا إلى ملعب (5يوليو 1962) في العاصمة الجزائر، لتشجيعهم والاحتفاء بإنجازهم القاري الأول.
– في بطولة أمم أفريقيا الأخيرة التي أقيمت مطلع عام 2015 في غينيا الاستوائية، نجح المحاربون في تجاوز مجموعتهم بعد أن حلوا ثانيًا بعد غانا، ليواجهوا ساحل العاج القوية في ربع النهائي، ويسقطوا أمامها بنتيجة 3-1، لتتأجل أحلامهم بإضافة لقب أفريقي ثان حتى حين.
إنجازات أخرى
صورة لأبرز نجوم الجيل الذهبي الأول: رابح مادجر – الأخضر بللومي – صالح عصاد
– حقق الخضر لقبًا وحيدًا في الكأس الأفروآسيوية التي كانت تقام بين بطلي قارتي أسيا وأفريقيا، وذلك عام 1991 على حساب منتخب إيران.
– على صعيد البطولات العربية: لم يتمكن المحاربون من تجاوز الدور الأول خلال مشاركتيهم الوحيدتين في كأس العرب عامي 1988 في الأردن، و1998 في قطر، فيما أحرزوا برونزية دورة الألعاب العربية عام 1985 في المغرب، إضافةً لإحرازهم المركز الثالث في كأس فلسطين عامي 1972 و1973.
– على الصعيد الأولمبي: بلغ الأفناك ربع نهائي أولمبياد الصين عام 1980، كما أحرزوا ذهبية دورة الألعاب الأفريقية عام 1978 على أرضهم، إضافةً إلى ذهبية دورة ألعاب المتوسط عام 1975 على أرضهم، وفضية عام 1993 في فرنسا، وبرونزية عام 1979 في يوغسلافيا.
أجيال من ذهب
صورة لنجوم الجيل الذهبي الحالي
يفخر أنصار محاربي الصحراء بجيل الثمانينات الذهبي، الذي حقق أول إنجازات الكرة الجزائرية في كأسي العالم وأفريقيا، بقيادة النجم الكبير رابح مادجر (أفضل لاعب أفريقي لعام 1987)، وشريكه الرائع الأخضر بللومي (أفضل لاعب أفريقي لعام 1981 وصاحب عدد المشاركات الأكبر في تاريخ المنتخب)، ومعهما ثلةٌ من النجوم الممتازين أمثال: جمال مناد (هداف أمم إفريقيا 1990)، شريف وجاني (صاحب هدف التتويج بأمم أفريقيا 1990)، صالح عصاد، سي الطاهر شريف الوزاني، علي بن شيخة، تاج بن سحاولة، علي فرقاني، مصطفى دحلب، جمال زيدان، فوزي المنصوري، نور الدين قريشي، محمود قندوز، فضيل مغارية، طارق العزيزي، مصطفى كويسي، محي الدين مفتاح وموسى صايب.
بعد اعتزال هذا الجيل، عاشت الكرة الجزائرية فترةً من الفراغ تخللها ظهور طفرات من المبدعين، أمثال: عبد الحفيظ تسفاوت (هداف المنتخب التاريخي برصيد 35 هدفًا)، بلال دزيري، علي مصابيح، ورفيق صايفي، وقد استمرت هذه الفترة حتى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، حيث ظهرت ملامح الجيل الذهبي الحالي، الذي نجح بإعادة منتخب الخضر إلى المحافل العالمية عام 2010، وبلغ ذروة تألقه خلال مونديال البرازيل الماضي، وهو يرتكز على مجموعة من النجوم أصحاب التجربة الواسعة في الملاعب الأوروبية أمثال: ياسين ابراهيمي، سفيان فيغولي، إسلام سليماني، فوزي غلام، رياض محرز، نبيل بن طالب، كارل مجاني، جمال مصباح، مهدي لحسن، العربي سوداني، سفير تايدر، نبيل غيلاس، والحارس رايس مبولحي، وانضمت إليهم بعد المونديال بعض الوجوه الصاعدة، كمهدي زيفان، اسحق بلفضيل، بغداد بونجاح، وسعيد بن رحمة، لتكتمل الحلة الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة لمنتخب محاربي الصحراء الحالي، الذي يتطلع للمضي قدمًا في طريق التألق، من أجل كتابة أسطر جديدة من الأمجاد الكروية والإنجازات التاريخية.