ترجمة وتحرير نون بوست
كتب ماركوس بيكر وبيتر مولر
أثناء وقوفك أمام المبنى، وحتى تستطيع أن تتأكد بأنه في الواقع أحد أكبر المساجد في بروكسل، فأنت تحتاج لسؤال أحد المارة، المبنى لا ترتفع منه مأذنة، ولا يوجد أي علامة تشير إلى أن البناء الوقع في شارع Delaunoy 40 هو مكان هام لعبادة المسلمين، المصاريع الدوارة وأبواب الألومنيوم الكبيرة تجعله يبدو أكثر شبهًا بورشة لإصلاح السيارات، ولكن في يوم الجمعة الماضي، حضر ما لا يقل عن 600 مسلم للصلاة في مسجد الخليل، كما قال لنا البواب بفخر واضح.
يُعتقد بأن مسجد الخليل يتمتع بعلاقات مع الذراع السوري لجماعة الإخوان المسلمين، ويعد أحد أكثر المساجد تأثيرًا في مولينبيك، وهو الحي الذي يقع في بروكسل والذي يبزغ اسمه على الدوام في كل مرة تطفق فيها أعمال العنف الإسلامي في أوروبا، حيث ارتبط اسم هذا الحي بالمؤامرة الإرهابية التي تم إحباطها لتفجير قطار تاليس السريع المتجه من باريس إلى بروكسل في شهر أغسطس، كما ارتبط بمجزرة هيئة تحرير مجلة شارلي إيبدو في يناير من مطلع هذا العام، وبرز على ساحة الأخبار مرة أخرى بعد الهجمات الإرهابية المروعة التي حصلت مطلع هذا الأسبوع في باريس، حيث تقول السلطات بأن 7 من المشتبه بهم اُعتقلوا في مولينبيك، كما تم القيام بعمليات تفتيش لعدد كبير من الشقق في الحي.
في شوارع الحي، يعبّر القاطنون عن صدمتهم من الهجمات، “هذا لا يمثل الإسلام”، يقول رجل ذو لحية كثة يرتدي قبعة ومعطفًا بنيًا، أثناء وقوفه مع أصحابه أمام المسجد يوم الأحد، ومع استمراره بالحديث، تبدو عليه علامات التأثر، وفي نهاية المطاف، ذرف الدموع من عينيه وقال بصوت متحشرج، “أنا لا أفهم ما الذي يحدث”.
هذا الموقف يمثل أحد جوانب حي مولينبيك، الذي يبدو وكأنه حي يقع داخل أي مدينة من المدن الكبرى في ألمانيا وتقطنه الطبقة العاملة، فبالنسبة للغالبية الساحقة من سكان الحي، فكرة القتل باسم الله لا يمكن تصورها أو تقبلها.
نقطة محورية ضمن المشهد الإسلامي
ولكن مولينبيك يمتلك في طياته جانبًا آخر مختلف البتة عن ذاك الجانب المعتدل، حيث يعتبر هذا الحي كنقطة محورية ضمن مشهد الإسلاميين في أوروبا الغربية؛ ففي أعقاب الهجمات الإرهابية التي حدثت ليلة الجمعة في باريس، تم القبض على أحد المشتبه بهم بعد ظهر يوم السبت في محطة مترو أوسيغيم في مولينبيك، وبعد ذلك بوقت قصير، اعتقلت الشرطة المدججة بالسلاح رجلًا يقود سيارة فولكس فاجن رمادية، على بعد لا يتجاوز الـ100 متر من مكان الاعتقال الأول، وهو أحد المشتبه بهم الذين كانوا في باريس يوم وقوع الهجمات، وبالمجمل تم إلقاء القبض على 7 أشخاص حتى الآن في حي مولينبيك يشتبه بضلوعهم في تفجيرات باريس الأخيرة.
تشير التقديرات إلى أن المسلمين يشكلون 6% من سكان بلجيكا، ولكن هذا الرقم يرتفع ليصبح 25% ضمن بروكسل و40% في حي مولينبيك بالذات، كما أن معدل البطالة في المنطقة يبلغ حوالي 30%، ويُعتقد بأن نسبة البطالة بين المهاجرين تصل إلى مستويات أعلى، “معظم المسلمين هنا معتدلون، ولكن يوجد أيضًا جماعات متطرفة بشكل حاد تتمتع بصلات مع السلفيين، على سبيل المثال”، يقول الصحفي محمد كوكسال من بروكسل، الذي يعمل على تغطية مشهد الإسلاميين منذ سنوات، ويتابع موضحًا، “هؤلاء المتطرفون يقنعون الشباب بأنهم ليسوا أوروبيين وليسوا بلجيكيين، ويعملون وفق منطق (نحن بمواجهتهم، وهم بمواجهتنا)”.
نتائج التطرف تبدو واضحة وملموسة في الحي، حيث يوضح كوكسال ذلك بقوله “إذا تناول أحد الأشخاص الطعام علنًا في شهر رمضان، أو خرجت امرأة بدون حجاب، فقد يصبحون عرضة للمضايقات والتصرفات العدوانية”.
مكان مناسب للاختباء
قاطنو حي مولينبيك والسياسيون يبذلون قصارى جهدهم في محاولة نبذ الصورة النمطية المتشددة التي يتم وصم حيهم بها؛ ففي مساء يوم السبت، اجتمع عدد قليل من الشباب حول محطة المترو في أوسيغيم بعد خلو المنطقة من سيارات الشرطة، وذهاب فرق الصحفيين مع كاميراتهم لعدم وجود أي شيء آخر لتغطيته بعد حادثة الاعتقال، وحينئذ بدأت محادثات بين مجموعتين في المنطقة، وسرعان ما توضح بأن هؤلاء الأشخاص قد اكتفوا من آثار الصورة السلبية التي وصم بها الحي، “قطار تاليس؟ مولينبيك، شارلي إيبدو، مولينبيك”، صاح أحد الأشخاص ضمن الجمع بغضب، في إشارة إلى أنه مع كل هجوم إرهابي يبزغ اسم الحي كبؤرة تأوي المشتبه بهم في هذه العمليات.
من جهتها، قضت عمدة الحي، فرانسواز سكسبمانز، كامل يوم الأحد بالدفاع عن مولينبيك ضمن سلسلة من المقابلات التلفزيونية، “لا ينحدر جميعهم من هنا” قالت سكسبمانز تعليقًا على حادثة اعتقال مشتبه بهم ضمن الحي، وأضافت، “في معظم الوقت، يكون هؤلاء الأشخاص يقطعون طريقهم من هنا فقط”.
ولكن إذا كان الحال كما تصفه العمدة، فلا بد لنا من الاعتراف بعدئذ بأن المشتبه بهم يقطعون طريقهم داخل الحي في كثير من الأحيان، “المجتمع المسلم في مولينبيك مغلق للغاية”، يقول كوكسال، ويضيف، “أولئك الذين ليسوا جزءًا من المجتمع يتم اعتبارهم بسرعة على أنهم عملاء لقوات العدو”، وهذا الأمر يبدو بأنه يفسر أيضًا سبب القبض بسرعة على المشتبه بضلوعهم بعمليات الإرهاب ممن لا يعيشون ضمن مولينبيك، “إنه مكان جيد ومناسب للاختباء”، يقول كوكسال.
تنبهت الشرطة البلجيكية للمرة الأولى على مشاكل الحي، عندما علمت بأن الفرنسي الإسلامي مهدي نموشي، الذي قتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل بمايو 2014، قضى بعض الوقت أيضًا في مولينبيك، “لا أعرف ما الذي يتوجب على الشرطة أن تقوم به أكثر مما تفعله اليوم” قال كوكسال، وتابع، “الشرطة ترصد المحادثات الهاتفية لكبار المشتبه بهم المعروفين ضمن الساحة، كما تقوم الشرطة بمراقبتهم وتتبعهم بشكل لصيق، وذلك ضمن الحدود العليا التي يمكن أن تسمح بها الموارد المتاحة أمامهم”.
لهذا السبب لا تجري عمليات دفع الشبان للتطرف في الأماكن البارزة كمسجد الخليل، فبذور الكراهية تُزرع وتنمو في أماكن سرية، غالبًا ضمن المنازل الخاصة، حيث تقدر السلطات الأمنية بأن بلجيكا، البلد الأوروبي الصغير، صدّر ما لا يقل عن 500 جهادي للقتال في سورية، ووفقًا لتصريحات قائد الشرطة البلجيكية، كاترين دي بول، 130 شخصًا من هؤلاء عادوا للوطن خلال الفترة السابقة.
يبدو أن الأجهزة الأمنية البلجيكية عاجزة عن معالجة هذه المشكلة، حيث صرّح وزير الداخلية البلجيكي، جان جامبون، بقوله “بروكسل تضم 1.2 مليون نسمة، ولدينا 6 سلطات شرطية مختلفة في المدينة، لتضبط الأحياء الـ19 المختلفة ضمنها، بالمقارنة، نيويورك تضم 11 مليون نسمة، وسلطة شرطية واحدة فقط!”.
المصدر: دير شبيغل