أعلنت الحكومة الإسرائيلية حظر الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر و17 مؤسسة أهلية تابعة لها، معتبرةً إياها مؤسسة محظورة وخارجة عن القانون، وذلك تزامنًا مع اقتحام قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة، فجر اليوم الثلاثاء، مؤسسات تابعة للحركة الإسلامية في الداخل الإسرائيلي.
كما اقتحمت القوات الإسرائيلية العديد من المؤسسات التابعة للحركة الإسلامية ومنها مركز كيوبرس الإعلامي، ومجمع ابن تيمية التعليمي، وأيضًا مقر صحيفة صوت الحق والحرية، وموقع فلسطيني 48، ومقر جمعية يافا، بالإضافة إلى اقتحامها مؤسسات في مدينة رهط، شملت تفتيش مكتبة اقرأ الشاملة ومسجد الهلال، ومدرسة حراء لتحفيظ القرآن، ومكتب جمعية اقرأ لدعم الطلاب العرب، ومكتب مؤسسة النقب للأرض والإنسان، في مدينة بئر السبع.
داهمت القوات الإسرائيلية كذلك منازل عدد من قادة الحركة في أم الفحم وكفر كنا ورهط ويافا، وقامت بتفتيشها وصادرت أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم وعدة ملفات، كما استدعت الشرطة الإسرائيلية الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة، ونائبه كمال الخطيب، ومسؤول ملف القدس والأقصى سليمان أحمد للتحقيق في مبنى (محوز حوف) الشرطي في حيفا، بينما قامت باعتقال مسؤول العلاقات الخارجية بالحركة يوسف عواودة من منزله في كفر كنا.
فيما قالت الشرطة الإسرائيلية أن قرار الحظر جاء استنادًا إلى قرار صدر عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) الليلة الماضية، وأوضحت في بيان لها أن هذا القرار الذي وقع عليه وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، اعتبر الجناح الشمالي للحركة الإسلامية مؤسسة ورابطة محظورة غير مشروعة وخارجة عن القانون.
كما أعلنت شرطة الاحتلال على لسان الناطقة باسمها، لوبا السمري، أن القاضي أمر بضبط أموال وممتلكات الجمعيات والمؤسسات التابعة للحركة، وأكدت أنه تم تسليم إخطارات بأوامر إغلاق 17 من مكاتب الجمعيات التابعة للحركة في أم الفحم ويافا والناصرة وكفر كنا، وطرعان وبئر السبع ورهط، بالإضافة إلى تفتيش 13 مؤسسة.
وبموجب قرار الحظر فإن أي طرف أو شخص ينتمي للحركة الإسلامية وأي شخص يقدم له الخدمات أو يعمل في صفوف من الآن فصاعدًا سيواجه عقوبة السجن لارتكابه مخالفة جنائية، كما أن بوسع السلطات مصادرة ممتلكاته.
كما يشمل قرار الحظر الإسرائيلي النشاطات الاجتماعية للحركة والمؤسسات الأهلية التابعة لها داخل الخط الأخضر، بما في ذلك الجمعيات التي تقدم الدعم الأكاديمي للطلاب الجامعيين من خلال المنح والكورسات التحضيرية التي توفرها للطلاب.
من جانبه، أعلن رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، الشيخ رائد صلاح عن رفضه القاطع لقرار سلطات الاحتلال بحظر الحركة التي يرأسها، كما استهجن قيام السلطات الإسرائيلية بمداهمة مكاتب الحركة ومصادرتها بعض الملفات والأجهزة منها، مؤكدًا أن هذه الإجراءات التعسفية الإسرائيلية ظالمة ومرفوضة، وأن الحركة ستبقى شوكة في حلق الاحتلال وستتصدى لهجماته دائمًا بكل صمود وثبات حتى تحرير الأقصى.
مشيرًا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل ضد الحركة الإسلامية لن تضعف عزيمتهم في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، وأوضح صلاح، فور خروجه من التحقيق الإسرائيلي أن الاحتلال يسعى لإعاقة أي حراك فلسطيني يساند الأقصى أو يتصدى لهجماته الإسرائيلية التي تحاك ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية، كما أضاف قوله: “ستبقى الحركة الإسلامية قائمة ودائمة برسالتها تنتصر لكل الثوابت التي قامت لأجلها، وفي مقدمتها القدس والأقصى المباركين”.
رئيس الحركة الإسلامية لفت إلى استغلال المؤسسات الإسرائيلية الأجواء المتوترة إثر تفجيرات باريس في إصدار هذا القرار، وقال:” في الوقت الذي أعلنت فيه الحركة الإسلامية عن رفضها لتفجيرات باريس، إلى جانب ذلك نحن لا زلنا نؤكد رفضنا للإرهاب الإسرائيلي”، مضيفًا:”من الواضح لدينا في نفس الوقت أنهم يحاولون من وراء تفاهمات كيري – نتنياهو، فرض أمر خطير جدًا على المسجد الأقصى، وهو اعتبار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى كأنها زيارات بريئة، ولذلك يحاولون إبعاد الحركة الإسلامية عن المسجد الأقصى، ظنًا منهم أنهم سينجحون بفرض هذه المقولة”
وتابع صلاح في بيان أصدره عقب تلك الخطوات الإسرائيلية: “يشرفني أن أبقى رئيسًا للحركة الإسلامية أنتصر لاسمها، وأنتصر لكل ثوابتها وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى المباركين، وأسعى بكل الوسائل المشروعة المحلية والدولية لرفع هذا الظلم الصارخ عنها”، وشدد على أن الاحتلال سيدفع ثمن اعتداءاته وقوانينه العنصرية.
الحركة الإسلامية التي أسسها الشيخ عبد الله نمر درويش عام 1971م تعد من أبرز الحركات السياسية التي تتولى الدفاع المسجد الأقصى، قسمت الحركة لقسمين شمالي يرأسه الشيخ رائد صلاح، وجنوبي يرأسه الشيخ إبراهيم صرصور، وذلك في العام 1996 بعد وقوع خلاف شديد داخلها بشأن الاعتراف باتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل من عدمه، وانتهى الخلاف بتقسيم الحركة، ودائمًا ما تعادي سلطات الاحتلال الجناح الشمالي بالحركة وتتهمه بالتحريض ضدها.
لقب رئيس الجناح الشمالي للحركة -الذي تم حظره مؤخرًا- الشيخ رائد صلاح بـ”شيخ الاقصى” بسبب نشاطه المعروف في الدفاع عن المسجد الأقصى، وهو ما تسبب له في معوقات ومشاكل كبيرة وكثيرة مع السلطات الإسرائيلية، آخرها في أكتوبر الماضي عندما أصدرت المحكمة المركزية للاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة حكمًا ضده بالسجن 11 شهرًا ومنعه من دخول مدينة القدس– تم تجميده بعد ذكر لإتمام الإجراءات القانونية-، بذات التهمة التي حظرت على أساسها الحركة التي يرأسها، ألا وهي التحريض، وكان الحكم الأخير بسبب خطبة ألقاها في صلاة الجمعة بمنطقة وادي الجوز في القدس المحتلة.
وما إن أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلية حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني حتى توالت ردود فعلٍ غاضبة على القرار، حيث أدانت فصائل مقاومة فلسطينية ونواب عرب في الكنيست الإسرائيلي قرارالاحتلال معتبرين أنه محاولة لإسكات كل صوت يدافع عن المقدسات ويتكفل بحماية الأقصى.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من جانبها، اعتبرت القرار بأنه “عمل عنصري”، وأنه يستهدف الوجود العربي في الداخل الفلسطيني ومعاقبة الحركة الإسلامية ومنعها من مواصلة دورها لحماية المسجد الأقصى، ودعت الحركة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه”الإجراءات العنصرية الإسرائيلية”.
وأكدت الحركة على لسان المتحدث الرسمي باسمها سامي أبو زهري أن الاحتلال الإسرائيلي “مجرد عصابة إرهابية”، بينما اعتبر عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر جزء أصيل من نسيج الشعب الفلسطيني لا يمكن حظرها أو تغييبها.
هذا وحذرت حركة الجهاد الإسلامي من أن يكون هذا القرار مقدمة لتوسيع “دائرة الإرهاب” الذي تمارسه المؤسسة الصهيونية، داعيةً إلى التصدي لهذه القرارات، وأضافت الحركة في بيانها: “القرار جاء كمحاولة من قبل حكومة الاحتلال لثني القوى الفلسطينية في الداخل المحتل وفي مقدمتها الحركة الإسلامية عن دورها في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وحماية مدينة القدس والوقف الإسلامي في فلسطين، وهو قرار يعبر عن فشل الاحتلال في مواجهة انتفاضة القدس التي تتسع وتتطور”.
فيما أكد نواب عرب في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي رفضهم قرار إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، مؤكدين أن الحكومة الإسرائيلية استغلت الهجمات الإرهابية في العاصمة الفرنسية باريس لتمرير هذا القرار دون اعتراض دولي، حيث اتهم النائب أحمد الطيبي -من القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الكنيست الحكومة الإسرائيلية بالبحث عن ضحية لإشباع “نزوات عنصرية”.
كما أوضح النائب العربي في الكنيست، مسعود غنايم، أن لجنة المتابعة للجماهير العربية داخل الخط الأخضر والتي تمثل كل الحركات والأحزاب العربية، اجتمعت اليوم وأعلنت عن تنفيذ إضراب الخميس القادم، مشيرًا إلى وجود خطوات أخرى تصعيدية ضد هذا القرار، الذي اعتبره تعسفيًا موجهًا ضد كل العرب الفلسطينيين في الداخل وكل الحركات والأحزاب السياسية، وليست الحركة الإسلامية وحدها.
على صعيدٍ آخر، فقد قلل رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي من أهمية هذا القرار مؤكدًا قناعته التامة بعودة فلسطين لأهلها، وتسائل في تدوينه نشرها على حسابه الشخصي على موقع تويتر قائلًا: “هل تحسب إسرائيل أنها ستخمد جذوة الأقصى في قلوب الفلسطينيين، بحظرها للحركة الإسلامية؟”، وأتبعها بتدوينة أخرى قال خلالها: “هيهات هيهات، لا أقول: سيعود الشيخ رائد صلاح وتعود الحركة الإسلامية. بل والله ليعودن المسجد الأقصى ولتعودن فلسطين إلى أهلها، وعد ربنا وإنا لوعده لمصدقون”.
وعن التهمة التي حظرت سلطات الاحتلال الحركة الإسلامية بها أي “التحريض”، قال القرضاوي أن الدفاع عن الأقصى لا يحتاج لتحريض، لأن الدفاع عن الأقصى مركوز في قلب كل فلسطيني وعربي ومسلم، بهذا تخطو الحكومة الإسرائيلية خطوات على تحذو بها نهج الحكومات العربية في حظر الحركات الإسلامية بلا أسباب واضحة عن طريق تمرير قوانين عنصرية في ظل تزايد الموجة العالمية التي تتحدث عن محاربة الإرهاب، فيما تستخدم إسرائيل والحكومات العربية هذه الموجة لتصفية حساباتها مع معارضيهم من الحركات الإسلامية.