ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت زفير تيتشاوت وديفيد سيغال:
أوضح الرئيس باراك أوباما بأنه رشح نفسه لمنصب الرئاسة لأنه يعتقد “بأن أصوات الأمريكيين العاديين يتم قمعها لصالح صخب القلة النخبوية المتميزة في واشنطن”.
ترجع الشعبية التي حصل عليها أوباما بين القاعدة الديمقراطية في عامي 2008 و2012 في جزء كبير منها لوعوده، التي تبدو صادقة، بإصلاح النظام السياسي الفاسد، وفي الواقع، يشير خبير الاستطلاعات الديمقراطي ستان غرينبرغ بحجج مقنعة، بأن العمل من منصة الإصلاح الجذري لتحكم المال بالسياسة بغية إفساح المجال لعمل الحكومة لصالح الطبقة المتوسطة، يبدو اليوم أيضًا أفضل أمل لنجاح الديمقراطيين الانتخابي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
بالإضافة إلى ما تقدم، اشتهر أوباما أيضًا بنقده اللاذع لقرار المحكمة الأمريكية العليا في قضية اتحاد المواطنين في عام 2010، حيث قال في خطاب الأمة وبحضور أعضاء من المحكمة العليا: “لا أعتقد بأنه يجب السماح بتمويل الانتخابات الأمريكية من قِبل أصحاب المصالح الأكثر نفوذًا في أمريكا، أو ما هو أسوأ، من قِبل الجهات الأجنبية”.
ولكن إذا تمعّنا في الموضوع بشكل أعمق، سنلاحظ بأن أي سياسي يمكنه أن يستقطب تصفيق الجمهور من خلال تهكمه أو مهاجمته لتحكم المصالح الخاصة بالسياسة؛ فحتى تيد كروز، وهو مؤيد متعصب لرفع حدود التمويل المالي للانتخابات، كثيرًا ما يصف الحكومة الأمريكية بأنها “حكومة جماعات الضغط، التي عينتها جماعات الضغط، وتعمل لصالح جماعات الضغط”، ومن هذا المنطلق، ينبغي تقييم القادة المنتخبين بناء على أفعالهم، وليس فقط بناء على أقوالهم وتصريحاتهم.
لم تتخذ إدارة أوباما خلال الفترة التي قضاها في المنصب، أي إجراء يهدف لإعادة توازن النظام، ليصبح المرشحون مسؤولون أمام الشعب الأمريكي العادي، وليس فقط أمام الممولين والداعمين الأغنياء، ومع دخول أوباما في الـ14 شهرًا الأخيرة لحكمه، ينبغي عليه أن يقرر الطريقة التي سيذكره التاريخ بها فيما يخص مسألة المال السياسي، فهل يسعى ليتم تذكره كأسوأ رئيس عالج موضوع المال السياسي منذ عهد نيكسون، وفقًا لما يقوله الخبير القانوني ريك هاسن؟ أم أنه يرغب بأن يخلده التاريخ كزعيم سعى لصالح مواطني الولايات المتحدة، ومهد الطريق لترسيخ حلول محلية ووطنية أكثر جرأة؟
ليس سرًا بأن المانحين الأغنياء أنفقوا مبالغ غير مسبوقة من المال للتأثير على الانتخابات خلال ولاية الرئيس أوباما، ففي عام 2012، شهدت الانتخابات الاتحادية توظيف رقم تاريخي من الأموال السرية بلغت حوالي 308.7 مليون دولار، ويبدو أن انتخابات عام 2016 تتحضر لتكون أسوأ من سابقتها في هذا السياق، حيث شهدنا حتى الآن بالفعل تسخير أموال دعم سرية تنوف بعشرات الأضعاف مقدار المال الذي تم إنفاقه في هذه الفترة قبيل انتخابات عام 2012.
بعيدًا عن إعاقته من قِبل الكونغرس المخلخل والمنقسم، يمتلك أوباما العديد من الأدوات الموضوعة تحت تصرفه لمحاربة المال المظلم، (المال المظلم Dark Money هو تعبير مستخدم في السياسة الأمريكية يقصد فيه الأموال التي تنفقها المؤسسات والشركات الربحية للتأثير على الانتخابات بدون أن تكون ملزمة بالإفصاح عنه).
أولًا وقبل كل شيء، يمكن ويجب على الرئيس أن يصدر عاجلًا أمرًا تنفيذيًا يوجب فيه أن يكشف كبار المتعاقدين الاتحاديين عن مقدار إنفاقهم للمال السياسي، وهو إجراء من شأنه أن يغطي 70% من نسبة إنفاق الشركات الـ100 الأغنى، كما أنه قد يلعب دورًا مهمًا في الحماية من استشراء سياسة “ادفع لتنجح” الفاسدة.
العديد من الوكالات داخل الإدارة الأمريكية تحوز أيضًا السلطة اللازمة لطلب الكشف عن الإنفاق السياسي، بما في ذلك هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، هيئة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، مصلحة الضرائب (IRS)، وهيئة الانتخابات الفيدرالية (FEC)، ورغم ذلك لم يعمد المسؤولون المعينون من قِبل أوباما لقيادة تلك الهيئات، لاتخاذ أي إجراء حتى الآن لإغلاق ثغرات المال المظلم.
تشير الإحصائيات بأن 71% من الأمريكيين، بما في ذلك 66% من الجمهوريين، يدعمون إصدار أوباما لأمر تنفيذي لمحاربة المال السري، كما حثت مجموعة واسعة من القادة في الكونغرس، بما في ذلك زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ هاري ريد، أوباما الأسبوع الماضي للتوقيع على أمر إصدار هذا القرار، وفضلًا عن ذلك دعا 44 عضوًا من أصل 46 عضوًا من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) للمضي قدمًا في إجراءات الكشف السياسي، ولكن مع ذلك، لم يقم الرئيس أو معاونوه بأي تحرك حيال ذلك.
على مدى السنوات الست الماضية التي أعقبت قرار المحكمة العليا بخصوص قضية اتحاد المواطنين، طلبت البلاد من الرئيس أوباما مرارًا وتكرارًا اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة موضوع المال المظلم السياسي.
لقد شكلنا ائتلافًا جديدًا، يضم جماعات ناشطة كجماعة روت سترايكرز (Rootstrikers)، كريدو أكشن (CREDO Action)، ديلي كوس (Daily Kos)، وميداي باك (MayDay PAC)، لنفتتح حملة على موقع إلكتروني مخصص (PresidentObamasLegacy.org) نطالب من خلاله الرئيس أوباما بإنهاء حقبة تقاعسه اليوم وبأسرع وقت ممكن، كما أننا اندمجنا مع حملة نحن الشعب (We the People) التي قدمت عريضة للبيت الأبيض، وبمجرد وصول عدد التوقيعات على العريضة إلى 100.000 توقيع، سيضطر البيت الأبيض للرد عليها علنًا.
ائتلافنا يطالب بأن يعمد أوباما، قبل ظهوره في خطاب الأمة، لإصدار أمر تنفيذي يوجب فيه على المتعاقدين الفيدراليين بالإفصاح عن الأموال التي يتم ضخها ضمن مجال الدعم السياسي، بحيث يصبح الأمر نافذًا قبل تاريخ 4 يوليو من عام 2016، كما أن الائتلاف يطالب بتحرك معاوني أوباما في هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، هيئة الاتصالات الفيدرالية، ومصلحة الضرائب لمحاربة المال المظلم، فضلًا عن استبدال مفوضي هيئة الانتخابات الفيدرلية الذين انتهت ولايتهم بمرشحين مستعدين لفرض وتنفيذ القانون.
لقد رأينا أوباما يتخذ سابقًا إجراءات تنفيذية جريئة بغية ملاقاة وتنفيذ المبادئ السامية التي بنى عليها حملته الانتخابية، كعرقلة تنمر خط أنابيب كيستون، والدعم الحقيقي لمبدأ حياد الإنترنت.
اليوم، يقف الرئيس أمام خيارين واضحين ولا لبس فيهما، فهو قادر على اتخاذ إجراءات جريئة للوفاء بوعوده بإضعاف النفوذ الكبير للمال السياسي، وعلى النقيض، يمكن له أن ينأى بنفسه عن ذلك كأي سياسي آخر أسس حملته الانتخابية على وعود فارغة لتطهير النظام الفاسد.
أخيرا،ً نأمل أن يتخذ الرئيس أوباما الخيار الصحيح، ليعمل على تنظيف وصمة العار التي تلوث إرثه السياسي قبل فوات الأوان.
المصدر: هافينغتون بوست