تقول المعلمات في مصر لطلابهن في بداية دخولهم المدرسة “الطفل المصري أذكى طفل في العالم”، هذا القول يجري عادة أمام فصل من 60 طفلًا لا يجيد أغلبهم القراءة والكتابة، برغم أنهم في مراحل دراسية متقدمة، فهل هذه المقولة المنتشرة بين العوام صحيحة أم إنها مجرد خرافة؟ وأيًا تكن، ما هو المعيار الذي نستطيع أن نحدد عليه تعريف “أذكى طفل في العالم”؟
لا يوجد إجابة بسيطة لما يعنيه “أن تكون ذكيًا”، وهذه الأيام يعتقد العلماء أن نتائج اختبارات مستوى الذكاء الشائعة (IQ) ليست كافية وحدها للحكم، لأن هذه الاختبارات تقيم المهارات العقلية بشكل منفصل، ولا تستطيع أن تتنبأ بالذكاء الكلي بشكل دقيق وكافي.
وأيضًا هناك طريقة أخرى للقياس أكثر دقة تسمى “الذكاء العام” أو g factor، وقد تم وضعها لأول مرة بفضل عالم النفس الإنجليزي تشارلز سبيرمان في 1904، وقد أشار فيها لظاهرة لاحظها عندما وجد أن الأطفال الذين يؤدون بشكل جيد في مادة واحدة يميلون عادة للتفوق على أقرانهم في المواد الأخرى، ويوجد علاقة إيجابية بين أداء الأطفال في المدرسة والاختبارات غير المتعلقة بالدراسة، وسمى هذه الظاهرة “التعدد الإيجابي”.
أما الآن، فإذا أردنا أن نبحث عن الاختبارات التي تطبق هذه الطريقة g factor، فهناك عدة اختبارات دولية متاحة تجمع البيانات عن أداء الأطفال في المدرسة، وهي تعتمد عادة على مواد الرياضيات والعلوم والقراءة والكتابة على وجه التحديد، الأشهر هما اختباران يسميان TIMSS وPIRLS، وكلاهما تم وضعه بواسطة المركز الوطني الأمريكي لإحصائيات التعليم لتقييم أداء طلاب الصف الرابع مقارنة بأقرانهم في 53 نظام تعليم آخر.
يوجد نظام مقارنة أخرى مرموق يستشهد به، وهو يسمى PISA، والذي يقيس كفاءات أطفال في الـ15 من أعمارهم، في مجالات القراءة والرياضيات والعلوم، مركزًا على الرياضيات بالذات، ويشمل 65 دولة، ممثلًا أكثر من 85% من دول العالم.
اتضح للباحثين أن هذه النظم في المقارنة جيدة جدًا لقياس الـg factor، ويمكن الاعتماد عليها، فما هي النتيجة التي وصل إليها الباحثون إذن؟
بحسب آخر اختبارات PISA، والتي تم إجراؤها في 2012، فإن تلاميذ شانغهاي في الصين قد حققوا الأداء الأعلى على الإطلاق، بمستويات أعلى من المتوسط في الرياضيات والقراءة والعلوم، كما إنك سوف تجد أطفالًا فائقي الذكاء في سنغافورة وهونج كونج في الصين، واليابان وكوريا وفنلندا.
في نفس الوقت، إذا قمت بإضافة نتائج الاختبارين الأمريكيين الشهيرين في العلوم والرياضيات والقراءة والكتابة، فإن سنغافورة تحل في المرتبة الأولى، تتبعها هونج كونج وتايبيه في الصين، ثم فنلندا.
نتائج الاختبار ليست الكلمة الفاصلة، وقد عزا الخبراء الفروقات في نتائج الاختبار الدولي إلى الاختلافات الثقافية في التعامل مع المدارس، ولا يوجد اختبار دولي واحد استطاع تغطية 100% من طلاب المدارس، ولسوء الحظ، فحتى في الدول التي تم إجراء مسح لها، ليس كل الأطفال يذهبون إلى المدرسة.
حتى لو وثقنا في اختبار g factor، فإن النظم التعليمية تتباين بشكل دراماتيكي بين دول العالم، فمثلًا، دولة فنلندا تعمل على التخلص من المواد الفردية تمامًا، لتركز بدلًا من ذلك على الظواهر الواسعة والمواضيع، ومن يدري؟ ربما نرى الأطفال الفنلنديين يتصدرون أطفال العالم في غضون سنوات قليلة بسبب نظام التعليم هذا.