ترجمة وتحرير نون بوست
بعد مشاهدتك لحلقات الفيلم الوثائقي “المرأة السورية الثائرة”، لا ينبغي أن تكون متفاجئًا من الحقيقة التي تسود على الأرض، والتي تتمثل بأن هنالك نساء يشاركن بنشاط ضمن الحرب الدائرة في سورية.
الفيلم الذي تم تصويره على مدى الأشهر الـ18 الماضية في مناطق حلب المحررة، شمالي سورية، يُظهر النساء اللواتي رابطن على الخطوط الأمامية جنبًا إلى جنب مع الرجال في هذه المدينة التي مزقتها الحرب، أو النساء المسؤولات عن تأمين الغذاء والإمدادات الحيوية، أو حتى تقطيب جروح المصابين في المستشفيات الميدانية، والتأكد من جاهزية المدارس وحضور الأطفال للفصول المدرسية.
عهد، هي إحدى النساء اللواتي صورهن الفيلم، والتي كانت في طليعة المظاهرات بحلب، ثاني أكبر المدن السورية، سواء ضد نظام بشار الأسد أو ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وواجهت الضرب والتنكيل من كلا الطرفين، وهي الآن تشارك في أعمال الإغاثة.
وفقًا لما تقوله عهد، فإن بعض الرجال في هذه المدينة المحافظة ينظرون إليها باستنكار، ولكنها لا تعرف لماذا، حيث تقول: “أجد أن عملي طبيعي جدًا”.
سلسلة الأفلام الوثائقية “المرأة السورية الثائرة”، هي نتاج تعاون ما بين الصحفية السورية زينة أرحيم مع معهد صحافة الحرب والسلام (IWPR)، وحاليًا يتم تصوير مشاهد الفيلم في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، بهدف إعادة توجيه التركيز الضال على النساء ضمن هذه الحرب الكابوسية، وبشكل أكثر تحديدًا، تهدف السلسلة بوضوح لمنعنا من تصور المرأة السورية على أنها ضحية – مستعبدة أو مغتصبة أو مجبرة على الفرار من البلاد – فحسب، دون التوقف للتفكير إن كانت هذه الصورة تمثل في الواقع كامل مجتمع الإناث السوريات.
من خلال الوثائقي تعرفنا أيضًا على زين، وهي واحدة من العديد من النساء اللواتي تم سجنهن وتعرضن للتعذيب في سجن عدرا بدمشق، المعروف بسمعته السيئة باعتباره المكان الرئيسي الذي يحتجز فيه النظام السوري سجنائه السياسيين، “إنه مقبرة للأحياء”، تصف زين سجن عدرا.
بعد 14 شهرًا من الاعتقال، تم الإفراج عن زين، التي تعمل الآن كمسعفة في مستشفى دار الشفاء المؤقت في حلب، وهو ذات المشفى الذي تعرض سابقًا للقصف والتدمير من قِبل مليشيات الجيش السوري.
يعرفنا الفيلم أيضًا بغالية، التي استطاعت، رغم القصف المتكرر ومحاولات إشعال الحرائق، تأسيس العديد من مراكز التدريب المهني للنساء في محافظة إدلب التي يسيطر عليها الثوار في شمال سورية.
في الوقت عينه، نلتقي بوعد، التي تركت عائلتها وراءها في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحكومة السورية، وهي الأنثى الصحافية الوحيدة العاملة في شمال سورية، وعملها هذا يضطرها لتغطية رأسها والسيطرة على كلماتها أثناء تغطيتها لأحداث مدينة حلب.
هؤلاء النساء، اللواتي يقاتلن ضد كل من نظام الأسد وداعش، لا يندرجن تحت أي تصنيف سياسي بسيط، فهن لسن جزءًا من المعارضة المسلحة المنقسمة والمشتتة، ولا يتشكلن من عناصر جهادية مختلفة، كما لا يتم دعمهن من قِبل أي لاعب دولي من أولئك اللاعبين الذين يضخون الأموال أو الأسلحة للجانب الذي يدعمونه في النزاع الذي أضحى حربًا كريهة بالوكالة، وبطبيعة الحال، لا تندرج هذه النساء أيضًا في إطار الصورة النمطية للمرأة العربية السلبية، والتي يُنظر لها عمومًا كضحية لا حول لها ولا قوة، ورغم ذلك، سهت عنهن الكاميرات الغربية التي تسعى لالتقاط صور المرأة الشرقية الساعية للتحرر.
المعضلة تكمن في أنه إذا لم يتم الاعتراف بالنساء كمكوّن جدي وحقيقي ضمن الحرب على الأرض، فلن يتم الاعتراف بهن باعتبارهن جزءًا من أي عملية سلام؛ فمثلًا عندما ظهرت مجموعة من النساء السوريات في محادثات السلام في جنيف والتي انعقدت في ديسمبر من عام 2013، مطالبات بأن يكن جزءًا من هذا الجهد الدولي للسلام، اعترف المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية حينها، الأخضر الإبراهيمي، إلى حد كبير بدور النساء على الأرض، ولكنه أوضح قائلًا: “للنساء دور مهم للغاية هنا، ويتوجب على النساء أن يضطلعن به، ولكن للأسف ليس من السهل أبدًا أن نرى النساء يلعبن دورهن هذا”.
محادثات السلام حول سورية التي عُقدت في فيينا قبل بضعة أسابيع، والتي واصلت انعقادها خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لم تتضمن أي طرف سوري فاعل على طاولة المفاوضات، ولكن التقصير الفادح الذي يتبين بفيينا يتمثل بخلوها من أي محاورات من النساء، وهو العور الذي كشفته صورة المؤتمر التي تضم المؤتمرين الذكور فقط حول طاولة المحادثات.
لكن المشكلة تتجاوز مجرد المحادثات أيضًا، فمن الصحيح والمؤلم بأن المرأة تشهد أقصى وأبشع أشكال العنف في سورية، حيث أصبح الاغتصاب والعنف الجنسي سلاحًا روتينيًا من أسلحة الحرب، ولكن من الصعب تأسيس تضامن دولي بين النساء طالما بقيت المرأة الغربية تنظر إلى النساء السوريات من منظور الضحايا فقط.
تقول مخرجة المسلسل الوثائقي، أرحيم، والتي تعمل أيضًا كمنسقة مشروع مع معهد صحافة الحرب والسلام، بأن “منظمات الإغاثة تصور جميع النساء في سورية على أنهن ضحايا فحسب، وهي الصورة التي ما زالت مستمرة حتى الآن”، وأضافت أرحيم بأنها تأمل أن تساعد سلسة الأفلام الوثائقية التي تعمل عليها على محاربة وتغيير مثل هذه الافتراضات.
بعد أن صورت فيلهما في حلب، معرضة جميع النساء اللواتي يظهرن به للخطر، تأمل أرحيم بأن تعيد أفلامها تعريف وثائقيات الحرب الكابوسية في سورية، حيث تقول لأنصارها من الإناث: “يمكن أن يغفلكن التاريخ عندما تتم كتابته، وإنني أسعى فقط لإثبات أن المرأة كانت موجودة على الأرض”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية