خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الاعتيادي يوم الأحد، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الطلب بأنه وكجزء من أي اتفاقية قادمة مع الفلسطينيين، سوف تحتفظ إسرائيل بمنطقة “حدودية آمنة” في وادي الأردن. في نفس اليوم، أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية خبراً مفاده أن نتنياهو أمر ببناء حاجز أمني على الحدود مع الأردن في تطور وصفه صحفي إسرائيلي بأنه “سيغلق الضفة الغربية بشكل نهائي”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يصر فيها نتنياهو على ادعاء إسرائيلي بحق الاحتفاظ بوادي الأردن على المدى البعيد. ففي عام ٢٠١٠ على سبيل المثال أخبر لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بأن “إسرائيل لا يمكن أن توافق على الانسحاب من وادي الأردن بموجب أي اتفاقية سلام توقع مع الفلسطينيين”. وفي خطابه أمام الكونغرس الأمريكي عام ٢٠١١ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن “تواجداً عسكرياً على المدى البعيد على امتداد نهر الأردن” سيكون “أمراً في غاية الأهمية”. وفي يناير (كانون الثاني) من عام ٢٠١٢ أخبر نتنياهو أعضاء حزب الليكود بأنه يمكن أن “يوقع اتفاقية دائمة فقط إذا ما اشتملت على بقاء إسرائيل في وادي الأردن”، وهو الأمر الذي فسره بعض المسؤولين فيما بعد على أنه إشارة إلى “وجود أمني” فقط لا غير.
يمتد مثل هذا المنطق الأمني ليشمل تبرير حرمان الفلسطينيين من تراخيص البناء في المنطقة، حتى أن مسؤولاً في الحكومة الإسرائيلية لم يكشف النقاب عن اسمه أخبر البي بي سي هذا الأسبوع بأن “وادي الأردن جزئياً منطقة أمنية حساسة”، الأمر الذي يجعل “مناطق معينة غير مناسبة للتعمير من قبل القطاع الخاص.” إلا أنه، وكما هو الحال مع سياسات إسرائيلية أخرى كتلك التي تتعلق بشبكة الاستيطان في الضفة الغربية وكذلك بجدار الفصل، تبدو دوافع إسرائيل فيما يتعلق بوادي الأردن ذات علاقة بالاستعمار وجني الأرباح الاقتصادية أكثر مما هي ذات علاقة بأي اعتبارات أمنية.
لقد بات استهداف السكان الفلسطينيين في وادي الأردن بالطرد وهدم المنازل أمراً معتاداً، وكل حين تشن عليهم حملة لإخراجهم من بيوتهم ولتدميرها، ومن ذلك “الموجة” التي حصلت في صيف عام ٢٠١٠ والتي استهدفت خلالها القرى القائمة في المنطقة منذ ما قبل احتلال عام ١٩٦٧ (بشكل يماثل الادعاء “القانوني” الذي تدمر بموجبه بيوت البدو في صحراء النقب). والذي يحدث أن الجنود الإسرائيليين معززين بالجرافات يهاجمون الرعاة والعائلات الفلسطينيية، بل تعمد قوات الاحتلال حتى إلى تدمير الملاجئ الإغاثية التي تقام لنجدة القرويين والعمال الذين باتوا في العراء بسبب تدمير مساكنهم.
في نفس الوقت يستمر بناء المستوطنات الإسرائيلية في وادي الأردن، كجزء مما كان قد وصف في عام ٢٠٠٦ بأنه “ضم الأمر الواقع”، وحيث تلعب مجالس المستوطنات دوراً في ضمان “منع الفلسطينيين من البناء في كل منطقة وادي الأردن تقريباً”. قامت إسرائيل حتى الآن، ومن خلال اللجوء إلى وسائل مختلفة، بمصادرة ٢٥ر١ مليون دونم من المساحة الإجمالية لوادي الأردن التي تقدر بـ ٦ر١ مليون دونم، أي ما نسبته ٥ر٧٧ بالمائة، وبات محرماً على الفلسطينيين الدخول إلى الأراضي التي صودرت.
وكما أشارت السلطة الفلسطينية في معرض ردها على تصريحات نتنياهو الأخيرة، تجني إسرائيل مئات الملايين من الدولارات من المستوطنات التي تقيمها في وادي الأردن، فما يقرب من ٤٠ بالمائة من التمور الإسرائيلية التي تصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي يتم إنتاجها داخل مستعمرات الوادي. وبينما يزرع المستوطنون حتى الأراضي المملوكة بشكل شخصي للفلسطينيين فإن الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال، يستغلون كعمالة رخيصة. وكمثال صارخ على هذا النظام من التمييز العنصري، تحصل مستوطنة واحدة على كمية من المياه لري محصولها من الموز تعادل ٢٥ إلى ٤٠ بالمائة من الحصة المقررة لقرية فلسطينية بأكملها ولسائر احتياجات سكانها من المياه.
ما يجري اليوم هو استمرار للتطهير العرقي الذي بدأ بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧. كثيراً ما ينسى الناس الأعداد الكبيرة من السكان الذين طردوا من ديارهم، فخلال فترة زمنية قصيرة جداً قطع النهر باتجاه الأردن ما يقرب من ربع مليون فلسطيني، لم يسمح إلا لما يقرب من ٧ بالمائة منهم بالعودة. بل لقد أفرغت من سكانها في حملة تطهير عرقي حتى تلك المخيمات المجاورة لأريحا والتي كانت تؤوي اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم أثناء النكبة (عام ١٩٤٨).
في أواخر شهر يونيو (حزيران) ١٩٦٧ أخبر المفوض العام للأنروا الجمعية العامة بأن منطقة أريحا شهدت انخفاضاً في السكان نسبته ٩٠ بالمائة. وفي تقرير نشر في النيويورك تايمز في سبتمبر (أيلول) ١٩٦٨ وردت الإشارة إلى أن إسرائيل فيما يبدو “أنهت عملية إخلاء العرب من المناطق التي تعتبرها حساسة من وجهة النظر الأمنية”. وبات وادي الأردن يعاني من “أكبر فقدان للسكان في الضفة الغربية بأسرها خلال الحرب وما بعدها”.
لقد تم توثيق الوضع الحالي الناجم عن استعمار إسرائيل لوادي الأردن وأثر ذلك على السكان الفلسطينيين الأصليين في المنطقة من قبل دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير وكذلك من قبل مجموعات مثل أكسفام وبيتسيليم ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة. أما ادعاءات نتنياهو بشأن الضرورات الأمنية لإسرائيل فهي بلا أدنى شك غير صادقة، وهي مؤشر آخر على أن الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها – هذا إذا ما قامت – سيكتب لها أن تكون عبارة عن بانتوستان محاط بسياج.
مترجم من ميدل ايست مونيتر