استلم المبعوث الألماني مارتن كوبلر ولاية البعثة الأممية في ليبيا في ظروف استثنائية تمثلت في خروج سابقه برناردينو ليون بما يشبه الفضيحة، وذلك بعد أن أعلنت الخارجية الإماراتية تنصيب الأخير مديرا لمعهد دبلوماسي بأبوظبي، وتسريب صحيفة ذي جارديان لمراسلات بين ليون ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد متعلقة بإدارة ملف الحوار الليبي، ثم أخيرا ما نشرته النيويورك تايمز عن تورط الإمارات في دعم خليفة حفتر بأسلحة وذخائر.
مقربون من كوبلر قالوا إنه ليس في نيته إجراء أية تعديلات على مسودة الاتفاق السياسي السابع، فيما يتعلق بالتوازن التشريعي الذي ينادي به بعض أعضاء المؤتمر الوطني العام، أو العودة إلى المسودة الرابعة الموقعة بالأحرف الأولى بالصخيرات المغربية مطلع يونيو الماضي. مع احتمال إضافة نائبين لرئيس الحكومة أحدهما من جنوب ليبيا، والآخر من شرقها، ووزير دولة، وهو المقترح الذي دعا إليه نواب من جنوب ليبيا بمجلس النواب في طبرق، والإبقاء على حق الفيتو لنواب رئيس حكومة التوافق.
من البداية أعلن كوبلر اهتمامه بالملف الأمني ومناقشة معالجته مع كافة الأطراف الليبية، وهي مهمة لا تقل صعوبة عن مهمة توقيع الاتفاق السياسي بين الأطراف المتنازعة، بسبب تنوع توجهات وتعدد الفاعلين في الملف الأمني في مختلف مناطق ليبيا الثلاث “برقة، فزان، طرابلس”.
إيطاليا حصلت على حصتها في الملف الليبي، -وهي البلد الذي سعى من بداية الأزمة الليبية لئن يكون لها مبعوث أممي إيطالي في ليبيا-وذلك بعد تعيين الجنرال باولو سيرا مسؤولا عن إرساء الأمن والاستقرار في ليبيا، حسب تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي.
مرحليا من المفترض أن ينطلق كوبلر وسيرا إجراء مشاورات مع مختلف الكتائب والمليشيات بالعاصمة طرابلس والتي ستكون مقرا لحكومة التوافق الوطني، حيث يجب أن تحظى بتأمين يساعدها على ممارسة مهامها.
طرابلس
أغلب هذه الكتائب والمليشيات تدعي وصلا بالشرعية وتبعيتها لرئاسة الأركان العامة أو وزارتي الدفاع والداخلية، إلا أنها على الصعيد العملي تقوض من شرعية المؤسسات التابعة لها، ولعل حادثة اختطاف وزير التخطيط بحكومة إنقاذ طرابلس محمد القدار في شهر نوفمبر الجاري لشاهد على ذلك من قبل مليشيا تنضوي نظريا تحت إمرة وزارة الداخلية.
كذلك ما شهدته العاصمة طرابلس في الأيام الماضية من توتر أمني على خلفية خطف كتائب من طرابلس لمواطنين من مصراتة، بسبب تحرير كتيبة من مصراتة لمختطفين بينهم تركي الجنسية.
تحاول كتائب طرابلس التنسيق فيما بينها لتحتل مكانة رفيعة في تأمين الحكومة التوافقية، ومن ثم تتغلغل في جسم الدولة وتحصل على المكتسبات المادية التي مصادرها إما عملية الخطف والابتزاز أو التمويل المباشر بالضغط على الحكومة والمؤتمر الوطني.
تحاول أيضا كتائب العاصمة طرابلس استبعاد كتائب مصراتة التي تتمركز بعدة مناطق بالعاصمة من المشهد الجديد الذي ستبدأ البعثة الجديدة الأممية برسمه، وتلك الأخيرة لن تسمح بذلك، وهي التي أُوكل إليها تحرير العاصمة من سيطرة كتائب القعقاع والصواعق والمدني الموالية لعملية الكرامة بقيادة خليفة حفتر في يوليو من العام الماضي.
في هذه الحالة ليس ثمة إلا طريق التسوية بين هذه الكتائب على توزيع على توزيع المغانم فيما بينها، وإما الصدام المسلح حتى يكسر أخدها عصا الأخر، وهي طريق محفوفة بتحويل العاصمة إلى بؤرة حرب أهلية تقضي على ما تبقت من آمال في صناعة استقرار ولو مؤقت.
فزان
المشهد الأمني لا يقل صعوبة في جنوب ليبيا عن باقي الإقليمين الأخرين، فالاشتباكات تتجدد كل حين بين التبو والطوارق مازال مستمرا في مدن أوباري وحي الطيوري في جنوب شرق مدينة سبها، وهما طرفان يحظى أحدهما بدعم برلمان طبرق “التبو” والآخر بدعم مؤتمر طرابلس “الطوارق”. إضافة إلى الاشتباكات بين التبو وقبائل عربية بالكفرة جنوب شرق ليبيا.
هذه الاشتباكات والمعارك ليست ليبية خالصة، فلدول تشاد والنيجر والسودان والجزائر الحدودية مع جنوب ليبيا تدخلات فيها بسبب طبيعة الامتداد العرقي لهذه المجموعات المتناحرة في تلك الدول، ومحاولة بعضها تصير أزماتها الداخلية إلى ليبيا، فبدل أن تشكل هذه المجموعات خطرا على عواصم وأنظمة تلك الدول سياسيا، يتم توجيهها للداخل الليبي من ناحية الجنوب.
برقة
لعل التحدي الأمني الأبرز في شرق ليبيا يكمن في النزاع الذي أججه اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مدينة بنغازي بدعوى محاربة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم أنصار الشريعة، وهي تنظيمات قويت شوكتها بعد عملية الكرامة وجذبت أنصارا جددا لصفوفها، إذ أن إعلان الحرب عليها في مايو 2014 جعلها تتماسك للدفاع عن نفسها.
خليفة حفتر في أكثر من مناسبة يعلن إما رفضه للحوار السياسي، أو أنه على رأس مؤسسة عسكرية لا علاقة لها بالاتفاق السياسي، إذ أنه يخشى أو يعلم أنه بعد توقيع الاتفاق السياسي لن يكون له دور في أي عملية سياسية أو أمنية أو عسكرية في ليبيا، وإلا لما كان للاتفاق السياسي أصلا من قيمة، إذ أنه من أكثر الشخصيات الجدلية في ليبيا.
إلا أن مراقبين يدعون أن إخراج حفتر من ليبيا وتقليص دوره إلا لم يكن إنهاؤه لا يمثل إشكالية كبيرة، باعتبار أنه بموجب الاتفاق السياسي سيُضغط على الدول الإقليمية لرفع يدها عنه وعدم دعمه سياسيا أو عسكريا، مثل مصر والإمارات ووزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون”.
تنظيم الدولة الإسلامية
يمثل تنظيم الدولة الإسلامية أحد التهديدات الأمنية في ليبيا لاستقرار أي حكومة، خاصة وأنه يتواجد بقوة في سرت وسط ليبيا، وببنغازي شرقها، وبعض الجيوب في مدينة درنة في أقصى الشرق الليبي، وبعض طرق العبور إلى الجنوب.
كما أنه على أي حكومة توافق وطني تريد أن تحظى بالدعم الدولي أن تبرهن على جديتها في تقليم أظافر التنظيم وتجفيف منابعه، والسيطرة على الحدود الليبية لمنع تدفق مقاتلين من إفريقيا والمغرب العربي خاصة تونس إلى قواعده بليبيا.
وهذا بدوره يتطلب تدريب قوات من الجيش والشرطة على أساليب مواجهة عناصر التنظيم غير التقليدية في المعارك، وتزويد الدولة الليبية بطائرات قتالية حديثة قادرة على إصابة أهداف حيوية لعناصر التنظيم.
ويتطلب كذلك مشاركة واسعة من كتائب غرب وشرق وجنوب ليبيا المؤيدة لحكومة التوافق الوطني في هذه الحرب التي قد تكون طويلة الأمد، ولعل تجربة درنة توحي بإمكاني القضاء على التنظيم، إلا أنها تعطي مؤشرات كذلك بأن الحرب على التنظيم ليست كأي حرب أخرى.
من المهم الإشارة أن مهمة كوبلر ستكون أكثر وعورة من سابقه ليون، كون هذا الأخير عزز من عدم ثقة الأطراف الليبية فيه بعد تورطه في فضائح مع الإمارات.
المصدر: ليبيا الخبر