ساد شعور إيجابي كبير جو العلاقات التركية السعودية خلال قمة العشرين، التي نظمتها تركيا قبل عدة أيام في مدينة أنطاليا في 16 من الشهر الجاري، وقد شهدت القمة مشاركة عدد كبير من قادة الدول الأقوى اقتصادًا في العالم، ومن منطقة الشرق الأوسط كانت السعودية، التي مثلها الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، من أكثر من حظي بالاهتمام من قِبل القيادة التركية.
كما أن الصورة التي اُلتقطت خلال القمة وكان يمسك فيها أردوغان بيد الرئيس الأمريكي بينما بدا وكأنه يقدم الملك سلمان للمرور قبل الجميع، قد حظيت باهتمام واسع وانتشار كبير على صفحات المواقع الإخبارية والاجتماعية، وقد تناولها كثيرون في إطار المزيد من التقارب بين البلدين.
لقد توقع أغلب المتابعين منذ الإعلان عن مشاركة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان أن تكون القمة فرصة كبيرة للبلدين لتمتين علاقاتهما الثنائية، رفع حجم التنسيق إلى مستويات أكبر، وتوقيع مزيد من اتفاقيات الشراكة في كافة المجالات.
وكان حزب العدالة والتنمية في تركيا قد نجح لتوه في الحصول على أغلبية الرأي العام التركي واستطاع الوصول لخيار تشكيل الحكومة بمفرده؛ مما أعطى أريحية كبيرة لقيادته في هوامش التحرك في العلاقات مع الدول الأخرى ومزيدًا من الثقة نحو المضي في تنفيذ السياسات الأكثر استقلالًا، ولهذا كان من نافلة القول الحديث عن تمتين العلاقة مع السعودية التي تولتها قيادة جديدة مطلع العام 2015.
وبما أن سياق قمة العشرين هو سياق اقتصادي بالأساس، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين يعطينا فكرة عن طبيعة العلاقات؛ حيث وصل التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 5 مليار دولار مع نهاية العام 2014، وكلا البلدين ينظران إلى هذا الرقم على أنه رقم صغير لابد من الارتقاء به إلى مستويات أعلى، ولكل من البلدين إستراتيجية طموحة من أجل الصعود الاقتصادي، فتركيا لديها خطة عام 2023 وتريد أن يصل الناتج القومي في 2023 إلى 2 تريليون دولار، بينما تطمح السعودية إلى تقليل اعتمادها الاقتصادي على عائدات النفط وتريد التنويع في مجالات أخرى، ومع التقارب السياسي بين البلدين فإن الفرصة مؤهلة للتعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والاستثمار.
ومن المهم الإشارة في السياق الاقتصادي أيضًا إلى أن تركيا تستورد 200 ألف برميل نفط يوميًا من إيران وتقدم إيران ذلك بأسعار مغرية، وهذا فضلًا عن الغاز الذي تعتمد فيه تركيا على روسيا وإيران؛ ولهذا فإنه من الممكن أن يكون التحول أو التقليل من الاعتماد على روسيا وإيران كهدف تركي عبر التعاون مع كل من السعودية وقطر، وفي هذا السياق علينا أن نشير أن السعودية هي صاحبة المخزون الاحتياطي الأكبر في العالم على مستوى النفط بينما تعد قطر صاحبة المخزون الأكبر في قطاع الغاز.
وبالعودة إلى قمة العشرين فقد جرت العادة ألا تقتصر مباحثات القادة في قمة العشرين على الاقتصاد بل تشكل أيضًا نقاشًا سياسيًا وأمنيًا من أجل معالجة الأزمات الدولية والقضايا الإنسانية، وأيضًا فرصة لتمتين العلاقات الثنائية على المستوى السياسي والعمل على زيادة التأثير عبر التعاون والتفاهم مع أكثر عدد من الدول، ومن هنا فإن تركيا والسعودية على المستوى السياسي حاولتا الوصول لمزيد من التقارب في حين يجتمع البلدان في عدة نقاط هي:
– رفض التوغل الإيراني في المنطقة.
– الدعوة لحل سياسي في سوريا لا يشمل وجود بشار الأسد.
– دعم البلدين كل منهما للآخر في سوريا واليمن.
– زيادة دعم المعارضة السورية.
لقد كان جو القمة كما يشير بعض المراقبين عاملًا محفزًا لزيادة تقارب البلدين؛ خاصة أن البلدين بتعاونهما من الممكن أن يكرسا مصلحة المنطقة على حساب المصالح الأجنبية فيها، ولعل هذه النقاط تم التأكيد عليها والقيام بمزيد من التنسيق حولها خلال اللقاء المباشر الذي جمع الرئيس التركي والملك السعودي في قمة العشرين.
ومما تسرب من بعض المصادر أن اللقاءات التي جمعت المسؤولين الأتراك بالمسؤولين السعوديين كانت حميمية، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أن أمن السعودية وأمن الخليج جزء من أمن تركيا ولن تسمح بالعبث به، فيما عُلم أنه قد تم الاتفاق على اقامة خطًا ساخنًا بين البلدين للتنسيق السياسي.
وفي ذات السياق تمت الإشارة إلى زيارة محتملة للرئيس التركي قبل انتهاء العام الحالي، وسوف يصحبه خلالها وفد ضخم من رجال الأعمال الأتراك، وهذه الزيارة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة حجم التبادل التجاري وربما إلى استيعاب الرياض لعدد أكبر من العاملين الأتراك، الذين بلغ عددهم أكثر من 100 ألف، وتحتاج تركيا إلى هذا خاصة بعد تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وليبيا.
ومن زاوية أخرى فإن حصول تفجيرات باريس قبل القمة مباشرة أدى إلى تكريس هذا الموضوع الذي كان مطروحًا على أجندة القمة ضمن موضوع الإرهاب، إضافة إلى تناول القمة لموضوع اللاجئين، وفي هذا السياق فإنه من المرجح أن التعاون الأمني بين الرياض وأنقرة سيزداد بشكل كبير خاصة أن البلدين تعرضا لهجمات انتحارية من قِبل تنظيم الدولة، كما أن وجود البلدين في هذا الإطار الاقتصادي كدولتين مسلمتين كبيرتين له دور مهم في الحفاظ على نوع من التوازن تجاه العالم الإسلامي.
أما في ملف اللاجئين فإنه من المتوقع أن تساهم السعودية بشكل أكبر في تخفيف الحمل عن تركيا؛ عبر استيعاب أعداد أكبر من اللاجئين أو المساهمة بشكل أكبر في تكاليف رعاية اللاجئين في سوريا.
على أية حال كانت قمة العشرين منصة مهمة سلطت الضوء على عدة قضايا وملفات وقد أخذت العلاقات السعودية التركية حظها من هذا الاهتمام، وبالرغم من وجود بعض الملفات الخلافية إلا أن الطريق يبدو ممهدًا أكثر من قبل نحو الشراكة بين الرياض وأنقرة.