ترجمة وتحرير نون بوست
تخويل السلطات بامتيازات أكبر لإجراء عمليات تفتيش دون إذن قضائي، منحها سلطة واسعة لوضع المشتبه بهم تحت الإقامة الجبرية، والسماح لها بالوصول إلى أجهزة الكمبيوتر التي تصادفها أثناء حملات المداهمة، هي بعض الامتيازات التي ستتمتع بها السلطات الفرنسية بعد تعديل قانون الطوارئ الفرنسي.
في أعقاب هجمات باريس الأسبوع الماضي، تبنت السلطات الفرنسية نهجًا لقمع الحريات المدنية مماثلًا لنهج الولايات المتحدة عقب حوادث الحادي عشر من سبتمبر، حيث وقع مجلس النواب الفرنسي يوم الجمعة قرارًا ينص على تمديد حالة الطوارئ الوطنية لمدة ثلاثة أشهر، ولكن النواب لم يكتفوا بتعليق الحريات المدنية وتوسيع سلطات الشرطة، بل تجاوزوا ذلك من خلال إجراء إصلاحات على قانون عام 1955 الذي يحكم حالات الطوارئ، مانحين من خلاله سلطة استثنائية للحكومة الفرنسية بغية محاربة تهديدات المتطرفين المحلية، كتهديدات الدولة الإسلامية، التي أعلنت مسؤوليتها عن المجزرة التي أودت بحياة 130 شخصًا في 13 نوفمبر الجاري.
أعلن الرئيس فرانسوا هولاند حالة الطوارئ الوطنية مباشرة بعد هجمات 13 نوفمبر، وهذه الوضع القانوني يخول الشرطة الفرنسية كسر الأبواب وتفتيش المنازل دون أمر قضائي، تفريق التجمعات والاجتماعات، وتطبيق حظر التجول، كما أن إعلان حالة الطوارئ يمهد الطريق أيضًا لنشر القوات العسكرية في الشوارع الفرنسية، علمًا أنه ومنذ صدور هذا القرار، داهمت فرق الأمن الفرنسية الشقق والمنازل بعنف شديد لاعتقال المشتبه بهم أو لمصادرة الأسلحة.
السلطات الفرنسية لم تفرض حالة الطوارئ على الصعيد الوطني منذ عام 1961، وهو عام حرب التحرير الجزائرية، والتدابير التي وافق عليها البرلمان الفرنسي يوم الجمعة يوسّع شمولية قانون الطوارئ الذي تمت صياغته لأول مرة لتمكين باريس من إخماد الانتفاضة الجزائرية، ومع هذه الإصلاحات الجديدة التي تم الموافقة عليها، سيتمتع هولاند خلال الأشهر الثلاثة المقبلة بسلطة تنفيذية هائلة تقبع تحت تصرفه.
في يوم الأربعاء الماضي، داهمت الشرطة الفرنسية شقة في ضاحية سانت دينيس في باريس، واشتبكت في معركة طاحنة مع قاطنيها، حتى أن أحد الأشخاص فجر سترة ناسفة خلال الهجوم، ومن بين القتلى كان عبد الحميد أبو العود، الإرهابي البلجيكي الذي يُعتقد بأنه العقل المدبر لهجمات باريس، ووفقًا للأرقام الصادرة يوم الجمعة من قِبل وزارة الداخلية الفرنسية، والتي نقلتها وكالة الأسوشيتد برس، أجرت الشرطة الفرنسية 793 مداهمة في الأسبوع الماضي، واعتقلت 90 شخصًا، وصادرت 174 سلاحًا، من بينها عدة بنادق عسكرية هجومية، وقاذف صواريخ واحد على الأقل، كما وضعت السلطات الفرنسية 164 شخصًا تحت الإقامة الجبرية.
التنقيحات التي تم إدخالها لقانون الطوارئ، والتي اقترحتها حكومة هولاند، تشمل العديد من التغييرات الرئيسية التي يشير مؤيدوها إلى أنها تهدف إلى التكيّف مع واقع حملة مكافحة الإرهاب، وبموجب هذه الخطة، التي ستنفذ لمدة ثلاثة أشهر ابتداءً من 26 نوفمبر، ستتمكن الشرطة من وضع المشتبه بهم تحت الإقامة الجبرية لمجرد أنهم يشكلون تهديدًا للنظام العام.
“المشكلة في فرنسا هي وجود الكثير من الإسلاميين الذين يشتبه بضلوعهم بسلوك غير مشروع، والشرطة تمتلك معلومات عنهم، ولكن تبعًا لعدم ارتكابهم لأي جريمة محددة، لا يمكن للشرطة أن تعتقلهم”، قال بيرتراند ماتيو، أستاذ القانون في جامعة السوربون، وتابع موضحًا: “الآن، إذا تم الاشتباه بعلاقة شخص، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مع الإرهابيين، فيمكن أن يُوضع تحت الإقامة الجبرية”.
الشرطة الفرنسية تمتلك حاليًا القدرة على تفتيش المنازل بدون إذن قضائي بتغطية من حالة الطوارئ التي أُعلنت في 13 نوفمبر، ولكن بموجب الإصلاحات الجديدة على قانون الطوارئ، سيتم تخويل الشرطة لمداهمة مجموعة متنوعة من المواقع، أكبر من أي وقت مضى، بما في ذلك تحميل المعلومات من أجهزة الكمبيوتر التي يُعثر عليها أثناء عمليات المداهمة والبحث.
“قد تطلب الشرطة صلاحية استخدام كلمات السر وغيرها من المعلومات للولوج إلى خوادم الإنترنت، وخوادم البريد الإلكتروني، وغيرها من البيانات التي لا يتم تخزينها على القرص الصلب”، قال فيليكس تريغور، أحد الأعضاء المؤسسين لمجموعة الحقوق الرقمية (La Quadrature du Net).
وبموجب الإصلاحات الجديدة سيُسمح أيضًا للحكومة الفرنسية بحل الجماعات، بما في ذلك المساجد المتشددة، التي يتم اعتبارها على أنها خطر يقوض النظام العام في فرنسا.
في إشارة تدلل على تطوير التدابير القانونية التي ترجع جذورها إلى التاريخ الاستعماري الوحشي الفرنسي، ألغت حكومة هولاند بندًا من قانون الطوارئ كان يسمح بممارسة رقابة واسعة النطاق على وسائل الإعلام في أوقات الأزمات، كما أصبح القانون يحظر الآن تفتيش منازل النواب والمحامين والصحفيين بدون إذن قضائي.
بعد تواجهه بأشد هجوم يقع على التراب الفرنسي منذ الحرب العالمية الثانية، تحول هولاند ومستشاروه بسرعة لتركيز القوة بيد السلطة التنفيذية، منعًا لأي هجمات أخرى على البلاد، وفق زعمهم، وفضلًا عن ذلك، اقترح هولاند إجراء تعديل على الدستور الفرنسي يستبطن انتقال فرنسا لما يسمى بعلم السياسية بـ”الدولة الأمنية”، وهو تعديل يخول الدولة تعليق بعض الحقوق والحريات المدنية بشكل مستمر، ولكن هذا التعليق لا يرقى لتدابير مصادرة الحريات والحقوق التي يتم اتخاذها عند إعلان حالة الطوارئ الكاملة وفقًا لأحكام الدستور.
“لا يمكننا أن نتصور صدور مثل هذه التدابير تحت قيادة حكومة اشتراكية” قال باسكال بوفيه، أستاذ القانون في جامعة باريس الغربية نانتير لاديفانس.
يشير مراقبو قانون الأمن القومي الفرنسي بأن ردة فعل الحكومة الفرنسية على هجمات الأسبوع الماضي تقف في تناقض صارخ مع ردة فعلها في أعقاب مذبحة شارلي إيبدو في مطلع العام الجاري، فحينها أوصت حكومة هولاند بالحذر وحثت على الهدوء؛ كما يقول بوفيه، ولكن الآن، صرّح الرئيس الفرنسي بأن الجمهورية في حالة حرب مع الإرهاب الإسلامي، ويضيف بوفيه بأن التحركات القانونية لهولاند تعوّل على المفاهيم التي ينص عليها دستور شارل ديغول، كما تنبع من الاعتقاد بأن السلطة التنفيذية يجب أن تكون قادرة على التصرف بشكل حاسم في ظل الأزمات.
بالتوزاي مع تبني المسؤولين الفرنسيين لعقلية العسكرة، حذّر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس يوم الخميس بأن الهجمات على استاد كرة القدم، والمطاعم، والحانات، وقاعة الحفلات الموسيقية، قد تبدو هينة إذا ما قورنت بالتهديدات المستقبلية التي تنتظر فرنسا، “نحن نعرف، ونضع في اعتبارنا، أن هناك أيضًا خطر الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية” قال فالس في خطاب له أمام البرلمان الفرنسي، علمًا أن الخبراء يشككون بشدة وقوع أي هجوم من هذا النمط.
في سياق متصل، ظهر في مقطع فيديو انتشر على الإنترنت يوم الجمعة، لمقاتلين تابعين للدولة الإسلامية يتحدثان الفرنسية، وأكدا بأن الهجمات على فرنسا ستستمر، “لن تنعموا بالأمان، حتى ضمن منازلكم”، قال أحد المقاتلين في مقطع الفيديو، وتابع: “الحمد لله رب العالمين، سوف نعود بعمليات أخرى إن شاء الله، وطالما بقيتم تعتدون علينا في بلادنا، سنضربكم في عقر داركم”.
مع اقتراب الانتخابات الإقليمية والرئاسية في الداخل الفرنسي، يشير الخبراء إلى أن هولاند مدفوع بسياساته الحالية بشكل جزئي على الأقل بالاعتبارات السياسية المحلية؛ فهولاند هو أقل الرؤساء شعبية في تاريخ فرنسا، وحزب الاشتراكيين التابع له يبدو خائر القوى وفقًا لاستطلاعات الرأي التي تظهر بأن منافسيه المحافظين، سواء من أحزاب اليمين المتطرف أو أحزاب الوسط، يستقطبون دعمًا متزايدًا، ويتضح ذلك من خلال مواقف مارين لوبان، رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف المعادي للأجانب، والتي استغلت هجمات في باريس للقول بوجوب إغلاق فرنسا لحدودها أمام المهاجرين، وإعادة النظر في موقفها داخل النظام السياسي المفتوح في أوروبا؛ لذا فإن رد فعل هولاند العدواني، والذي يتناقض تمامًا مع سلوكه الهادئ بالعادة، يشير إلى أنه يتصرف، جزئيًا على الأقل، بغية حشد الدعم السياسي.
في يوم الجمعة المنصرم، وافق الوزراء الأوروبيون المجتمعون في بروكسل على تطبيق تدابير تهدف إلى تضييق الخناق على أمن الحدود والتحقق من صلات المسافرين مع أي جماعة إرهابية.
من جهة أخرى، أشار مارك هيكر، وهو زميل أبحاث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أن السلطات الفرنسية تتمتع مسبقًا بسلطات واسعة للغاية لمكافحة الإرهاب، حتى لو استمرت هذه الهجمات الإرهابية؛ فوسط موجة العنف التي طفقت بالبلاد في تسعينيات القرن المنصرم، أصدرت فرنسا قانون عام 1996 لمكافحة الإرهاب والذي منح الحكومة المزيد من السلطة للتدخل بشكل استباقي ضد الهجمات الإرهابية، وقبل عام من الآن تقريبًا، أصدرت فرنسا قانون آخر لمكافحة الإرهاب لمواجهة المهاجمين المنفردين الذي تلقوا التدريب في الخارج، وفي مايو الماضي، أقر المشرعون الفرنسيون مشروع قانون مخابرات يمكّن الجواسيس في البلاد من جمع كميات هائلة من البيانات والمعلومات من أجهزة الكمبيوتر.
فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تشن حملة أمنية شرسة، فحكومات جميع أنحاء أوروبا تتحرك بقوة لتوسيع صلاحيات الشرطة؛ ففي بلجيكا، على سبيل المثال، وهو المكان الذي تم ضمنه التخطيط لهجمات باريس وفق التقارير الواردة، طلبت الحكومة من المشرعين الموافقة على مجموعة من التدابير والإجراءات العدائية الساعية لمكافحة الإرهاب، حيث اقترح رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل يوم الخميس، بأن يتم وضع أساور تتبع على الكاحل لجميع الأفراد الموضوعين على قوائم مراقبة الإرهاب لتتبع تحركاتهم، فضلًا عن اعتقال وحبس المقاتلين العائدين من سورية فور وصولهم، كما اقترح تخويل الحكومة سلطات إضافية للاستفادة من خطوط الهاتف واعتقال المشتبه بهم، وبالمثل، يدرس المشرعون في بريطانيا اقتراحًا حكوميًا لتشديد سلطات المراقبة.
وكذلك الأمر في الولايات المتحدة، حيث استغل المسؤولون الحكوميون هجمات باريس لتجديد مطالبهم لإجبار شركات التكنولوجيا لفتح ثغرات خلفية لكشف تشفير وسائل الاتصال، حيث أشار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، في مؤتمر بنيويورك يوم الأربعاء، بأن الدولة الاسلامية تستخدم الرسائل المشفرة للتخطيط للهجمات الإرهابية، وأضاف قائلًا “إن وجدوا شخصًا من المحتمل أن يقوم بالقتل نيابة عنهم، أو من المحتمل أن يحضر إلى الخلافة للقتال، فيعمدون إلى التراسل معه عبر تطبيقات المراسلة ضمن الهواتف الذكية، التي تستخدم نظام تشفير النهاية للنهاية”.
ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجه المخابرات الفرنسية وسلطات إنفاذ القانون قد لا تكون مشكلة شمولية السلطات، بل قد تتمثل بضعف المقدرات لوضع هذه السلطات موضع التنفيذ.
في مقابلة أجراها قبل حدوث هجمات باريس بفترة صغيرة، توقع مارك تريفيدتش، وهو قاض فرنسي سابق في محاكم مكافحة الإرهاب، حصول هجمات فرنسا بشكل واضح، حيث جاء في حديثه لباريس ماتش: “فرنسا هي الهدف الرئيسي لجيش الإرهابيين الذي يحوز وسائلًا غير محدودة، ونحن، القضاة ورجال الشرطة والميدان، غارقون تمامًا، نحن في خطر الاصطدام بحائط هائل”، وأضاف: “لا يجب على الفرنسيين أن يعتادوا على تهديد الهجمات، بل أن يتعايشوا مع واقع الهجمات، يجب علينا ألّا نغمض أعيننا، نحن الآن في عين الإعصار، والأسوأ ما زال ينتظرنا”.
المصدر: فورين بوليسي