قامت السلطات في بنغلاديش بإعدام اثنين من قادة المعارضة في البلاد، أمس السبت، وذلك بتهمة ارتكاب “جرائم” خلال حرب الاستقلال عن باكستان بالعام 1971، من بينهم الزعيم الإسلامي علي أحسن مجاهد أمين الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، إذ تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا داخل سجن بوسط العاصمة دكا بعد ساعات قليلة من رفض الرئيس البنغلاديشي محمد عبد الحميد طلبيهما في الحصول على عفو، حيث لم يأخذ الالتماسان المقدمان ساعات على مكتبه، وذلك حسبما نقلت وكالة فرانس برس عن وزير داخلية بنغلاديش، أسد الزمان خان.
فيما صرح وزير العدل ببنغلاديش، أنيس الحق، أن حكم الإعدام بالشنق نُفذ في السادسة و45 دقيقة بتوقيت غرينتش من مساء السبت، بحق كلٍ من علي أحسن محمد مجاهد وصلاح الدين قادر تشودري، وكانت المحكمة العليا في بنغلاديش قد صدقت على حكم الإعدام في يونيو الماضي، بعدما رفضت الاستئناف المُقدم على حكم الإعدام الصادر عن محكمة جرائم الحرب الدولية البنغالية في يوليو 2013.
هذا وقامت الحكومة بنشر قواتها في العاصمة قبيل تنفيذ حكم الإعدام، كما نشرت مئات من رجال الشرطة أمام السجن المركزي في دكا، حيث جرت عمليتا الإعدام، كما عززت الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء البلاد ونشرت آلاف الشرطيين وأفراد حرس الحدود في دكا والمدن الرئيسية في البلاد، وأيضًا تم تعزيز الإجراءات الأمنية في مدينتي المعارضين اللتين ستشيعانهما، صباح اليوم الأحد، فيما دعت قيادة حزب الجماعة الإسلامية إلى تنظيم إضرابًا عامًا احتجاجًا على تنفيذ أحكام الإعدام.
يُذكر أنه في العام 2013 عقب صدور حكم الإعدام بحق الرجلين، أثار الحكم أعمال عنف تعتبر هي الأخطر في البلاد منذ حرب الاستقلال، حيث راح ضحيتها، خلال المواجهات التي نشبت بين ناشطين من الجماعة الإسلامية والشرطة البنغلاديشية، نحو 500 شخص، وهو ما يفسر الاستعدادات الأمنية الكبيرة التي اتخذتها السلطات مع تنفيذ الحكم، حيث تُثارمخاوف من احتمالية أن يفجر تنفيذ الحكم اضطرابات جديدة في البلاد.
من هما زعماء المعارضة اللذين أُعدما في بنغلاديش؟
علي أحسن محمد مجاهد هو ثاني أرفع عضو في حزب الجماعة الإسلامية، أكبر الأحزاب الإسلامية في بنغلاديش؛ حيث يشغل منصب أمين عام الجماعة الإسلامية، كما شغل منصب وزير الرفاه الاجتماعي بين عامي 2001 و2007، وذلك في الحكومة الائتلافية بين الجماعة الإسلامية وحزب بنغلاديش القومي، التي ترأستها خالدة ضياء.
أُعدم مجاهد عن عمر 67 عامًا بعدما اتهمته السلطات بارتكاب جرائم حرب للتخلص منه بطريقة قانونية، من بين هذه التهم التي وجهت له قتل كبار المثقفين في البلاد وإدانته في 5 من أصل 7 تهم وجهت إليه، بينها القتل والاختطاف والتعذيب، حيث يُتهم مجاهد أيضًا بأنه كان قائدًا بارزًا في ميليشيات البدر، التي كانت تُدعم من الجيش الباكستاني خلال حرب استقلال بنغلاديش.
أما صلاح الدين قويدر تشودري، الذي أُعدم في سن 66 عامًا، فكان المستشار المقرب من خالدة ضياء زعيمة الحزب الوطني، أكبر أحزاب المعارضة في بنغلادش، وهو أيضًا نائب سابق في البرلمان انتخب لـ6 دورات عن حزب بنغلاديش القومي، وكان قد حُكم عليه بالإعدام في اتهامه بالإبادة الجماعية أثناء حرب الاستقلال عام 1971، والتي انفصلت بعدها بنغلاديش عن باكستان.
الشيخة حسينة، رئيسة الوزراء البنغالية، نفت وجود دوافع سياسية وراء محاكمة وإعدام تشودري ومجاهد إلا أن الانطباع العام السائد في بنغلاديش يميل إلى عكس هذا تمامًا، حيث يُعتقد أن حسينة تكتسب شرعيتها من خلال تصفية كل من وقف في وجه الانفصال عن باكستان قبل 33 عامًا، أو من يُطلق عليهم ذيول حرب الاستقلال التي استمرت نحو 9 أشهر.
هذا الاعتقاد تتباه العديد من المنظمات الحقوقية، التي تؤكد أن أحكام الإعدام تلك وسابقتها تأتي في إطار تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين؛ حيث ترى الجمعيات الحقوقية أن الأحكام لم تطل أي ضابط بنغالي وقف مع الجيش الباكستاني خلال تلك الحرب، واقتصرت فقط على نشطاء المعارضة لا سيما من الإسلاميين، وهو ما يعتبره البعض ورقة يستخدمها النظام المدعوم دوليًا لإقناع الناخبين بفرصته في الانتخابات المقبلة.
إذ أُنشأت المحكمة الخاصة من قِبل الحكومة البنغالية في عام 2010 لمحاكمة من رفض الانفصال عن باكستان، والتي لا تجد تأييدًا من الأمم المتحدة رغم اسمها الذي يوحي بذلك، أثارت أحكامها احتجاجات أنصار حزب الجماعة الإسلامية، الذين يتهمون الحكومة بالسعي من خلال تلك المحكمة، التي أصدرت أحكامًا قاسية بحق قيادات في الجماعة الإسلامية، إلى الانتقام السياسي من معارضيها، حيث يُعد حزب الجماعة الإسلامية من أهم الشركاء في تحالف المعارضة الذي يقوده حزب بنغلاديش القومي، وسبق للحزبين أن شكلا ائتلافًا حكوميًا عام 2001.
اضطهاد الجماعة الإسلامية في بنغلاديش
الجماعة الإسلامية في بنغلاديش، التي تعتبر فرعًا للجماعة الأم في باكستان التي أسسها أبو الأعلى المودودي، سبق وأن أُعدم قادة منها، فكانت السلطات قد نفذت حكمًا بالإعدام في أبريل الماضي بحق الأمين العام للجماعة الإسلامية محمد قمر الزمان، حيث تم إعدامه وهو في سن الـ62 عامًا، رغم طلب الأمم الأمم المتحدة عدم تنفيذ عقوبة الإعدام لعدم استيفاء المحكمة للمعايير الدولية العادلة.
أعدم الرجل الذي يشغل المرتبة الثالثة في هرم قيادة الجماعة الإسلامية باستخدام مشنقة أقيمت بالقرب من زنزانته في سجن بالعاصمة البنغلاديشية دكا، بعدما أدانته محكمة محلية عام 2013 بتهمة القتل خلال حرب الاستقلال عن باكستان، وهو ما نفاه محاموه، فيما رفضت المحكمة العليا حينها طلبه للاستئناف، ورفض هو شخصيًا أن يتقدم بطلب للحصول على عفو رئاسي.
قمر الزمان كان الزعيم الإسلامي الثاني الذي يُعدم بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث أعدمت السلطات البنغالية مساعد الأمين العام لحزب الجماعة الإسلامية المعارض عبد القادر ملا (65 عامًا) بذات التهمة في ديسمبر 2013 داخل سجن دكا المركزي.
ملا الذي يُعد أبرز زعيم سياسي إسلامي مُعارض للنظام العلماني في بنغلاديش حكم عليه بالسجن مدى الحياة في البداية، وبعد قيام احتجاجات تطالب بإعدامه من مؤيدي النظام، عدل البرلمان البنغالي القانون بحيث يسمح للدولة باستئناف أي حكم تصدره محكمة جرائم الحرب.
رغم انتقادات من منظمة حقوق الإنسان التي وصفت محاكمة الملا بأنها تنتهك إجراءات المحاكمة العادلة، وكذلك المتحدث بالأمم المتحدة الذي طالب بإيقاف الحكم لافتقاده أبسط إجراءات التقاضي العادلة، وكذلك طعن ملا نفسه على الحكم وانكاره التهم الموجهة له، إلا أنه تم إعدامه يوم 12 ديسمبر عام 2013
مصر وبنغلاديش من على خطى من؟
النظام السياسي الموالي للهند والمعادي لباكستان يمارس سياسات ضد الحركات الإسلامية بدعم من رجال الأعمال المنتمين للتيار الحاكم، الذين يسيطرون بنفوذهم وأموالهم على وسائل الإعلام هناك، وذلك يصب في طرف خنق الحركات الإسلامية الذين كانوا يحظون بتأييد شعبي واسع نوعًا ما.
إلا أن مراقبين يرون أن ما يحدث في بنغلاديش هو حرب ضد الحركات الإسلامية، والتي تتبلور وتتخذ نمطًا خاصًا في كل منطقة حسب المناسب لها، فيرون أن الأسلوب المُتخذ ضد الحركات الإسلامية في بنغلاديش أشبه بمثيله في مصر في الاضطهاد التدريجي للحركات الإسلامية الذي انتهى في البلدين بالحظر والإعدام لقاداتها.
إذ إن فض قوات الأمن ساحة شابلا بحي موتيجيل بالعاصمة دكا في أبريل 2013، شابه أغسطس 2013 في مصر بفض ميداني رابعة العدوية والنهضة، اللذين أوقعا آلاف القتلى والجرحى من المعتصمين في كلا البلدين، وسبقت عمليات الفض في بنغلاديش ومصر حملات إعلامية ممنهجة لتشويه صورة الحركات الإسلامية التي حكمت فترات مختلفة في كل بلد، وتلا ذلك تصفيات ميدانية لقادات تلك الحركات وأحكام إعدام وأخرى بالسجن لفترات طويلة، وهو السبب لما يراه متابعون أن مثال بنغلاديش في مواجهة الحركات الإسلامية الأقرب لما تفعله مصر بجماعة الإخوان المسلمين.