يتوزع معتقلو التيار السلفي الجهادي على أكثر من سجن من سجون المملكة، وذلك بأعداد مختلفة، وإن كان أبرز سجن يتم احتجازهم فيه هو سجن “موقر 2” الذي يعتبر أكبر وأحدث السجون، ويبعد حوالي 45 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة عمان.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، صادرة عن قياديين بالتيار، إضافة إلى محامين ومراقبين لشؤون التيار، يصل عدد معتقلي التيار السلفي الجهادي في السجون إلى حوالي 200 معتقل ما بين محكوم وموقوف، بتهم كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر، “القتال بجانب تنظيمات عسكرية خارج البلاد”، أو “الترويج لفصائل عسكرية مسلحة عبر الإنترنت”، أو “الاعتداء على رجال الأمن”، كما في أحداث الزرقاء أو “القيام بأعمال إرهابية” وغيرها.
ولم تخل السجون على فترات متعددة، من أبرز معتقلي قيادات التيار، الذي كان منهم منظر التيار أبو محمد المقدسي، ومحمد فضيل الخلايلة أبو مصعب الزرقاوي، وعمر عثمان أبو قتادة، وعبد شحادة أبو محمد الطحاوي، وجراح الرحاحلة، ومحمد الشلبي أبو سياف، وسعد الحنيطي.
التيار يمثل للحكومة ملفًا أمنيًا بامتياز
ووفقًا للمحامي موسى العبداللات، فإن الحكومة تتعامل مع ملف التيار السلفي الجهادي باعتباره ملفًا أمنيًا بامتياز، وإن إستراتيجيتها تجاه التيار تقوم على المواجهة الأمنية” وفق قوله.
بيد أن العبداللات لا يرى أن هذه الإستراتيجية ستعمل على إنهاء ظاهرة السلفية الجهادية التي يغذيها غياب الإصلاح وسد الأبواب أمام القوى السياسية السلمية.
وفي تتبع لتاريخ بروز التيار السلفي الجهادي في الأردن، نجد أنه مع بداية التسعينيات، ظهر التيار على يد الأب الروحي عصام البرقاوي “أبو محمد المقدسي”، إضافة إلى أحمد فضيل الخلايلة “أبو مصعب الزرقاوي”.
فيما بينت دراسة غير منشورة للباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية مراد بطل الشيشاني أماكن توزع وانتشار عناصر التيار في المملكة، إذ كشفت الدراسة أن عمان الشرقية احتلت النسبة الأكبر بنسبة 32%، بينما احتلت عمان الغربية نسبة 27%، أما بالنسبة لمدينة الزرقاء جاءت نسبة وجود المجاهدين فيها 18%، تلاها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بنسبة 16%، وأخيرًا باقي المحافظات بنسبة 7%.
في حين يبرز من قيادات التيار في مدينة الرزقاء أبو محمد الطحاوي، والقياديان في مدينة السلط جراح الرحاحلة ولقمان الريالات، وفي عمان جواد الفقيه وفي معان محمد الشلبي “أبو سياف” وصخر المعاني.
إضراب واحتجاج لتحسين ظروف الاعتقال
طبقًا للمحامي العبداللات الذي يعتبر وكيل دفاع عن كثير من أنصار التيار، فإنه بين كل فترة وأخرى، يعلن عناصر وأنصار التيار الموقوفين والمحكومين في السجون، دخولهم في إضراب عن الطعام، وذلك لأسباب مختلفة، منها المطالبة بتحسين ظروف اعتقالهم، أو السماح لذويهم بزيارتهم لمدد أطول مما هو مسموح به، أو لسوء الطعام المقدم لهم من قِبل إدارة السجن، إضافة إلى المماطلة في توفير بعض الاحتياجات المهمة لشرائها على حسابهم الخاص، وفي أحيان أخرى، يحتج المعتقلون على طريقة إدارة السجون في التعامل معهم، إذ بحسبهم ترفض الإدارات في بعض الأحيان إرسال مرضاهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، يقول العبداللات.
وبين العبداللات جانب من أوضاع معتقلي التيار داخل السجون بقوله “في أحيان أخرى، يرى المعتقلون أنه لا يوجد عدالة من قِبل إدارة السجن في التعامل معهم، حيث تضعهم الإدارة في زنازين انفرادية، الأمر الذي يعتبروه مخالفًا لقانون السجون، وبناء عليه يدخلون في إضراب عن الطعام”.
من جهته، يؤكد القيادي في التيار محمد الشلبي “أبو سياف” تعرض عناصر التيار في السجون لمضايقات وسوء معاملة، داعيًا إدارة السجون إلى إنصافهم وتحسين أوضاعهم أسوة بباقي السجناء.
وقال أبو سياف:”إن التيار عمل على وضع بعض منظمات حقوق الإنسان في صورة ما يحدث مع عناصره داخل السجون، من سوء معاملة، وظروف غير لائقة”، لافتًا إلى أن “الإضراب الذي يقدم عليه سجناء التيار ما هو إلا وسيلة سلمية لتلبية طلباتهم وإنصافهم داخل معتقلاتهم”.
الأمن ينفي
إلا أن مصدر أمني نفى وجود أي نوع من التمييز بين معتقلي التيار وبقية النزلاء، مؤكدًا أن إدارة السجون تعمل على تطبيق القانون بين النزلاء، وأن الجميع يحظون برعاية كاملة”.
وقال المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، تعليقًا على احتجاجات عناصر التيار داخل السجون: “إن إدارة السجون غير معنية بالتمييز أو التفريق بين النزلاء، مهما كانت التهمة سياسية أو جنائية، لافتًا إلى أن الإدارة تفتح المجال أم النزلاء لتقديم ملاحظاتهم أو شكواهم، ومن ثم تنظر فيها لتعمل على دراستها وتحقيقها إن أمكن”.
الزنازين الانفرادية ومعاناة الإضراب عن الطعام
وعودة إلى سجن “موقر2” الذي يعد السجن الأبرز الذي يتم فيه توقيف سجناء التيار، فإن زنازين السجن، قد صممت منذ البداية على شكل غرف انفرادية، لوضع كل سجين على حدا، وعدم اختلاطه بباقي السجناء، وذلك لاعتبارات أمنية وعقابية، علاوة على أن كل مهجع من مهاجع السجن، يحتوي على حمام وساحة للتشميس، وقد افتتح في نهاية عام 2007، وتبلغ طاقة استيعابه حوالي 1100 سجين.
وبحسب رائد خاطر، والد محمد المعتقل في سجن “موقر2” ضمن خلية 9/ 11، فإن نجله عانى كثيرًا في سجنه، بداية من طول فترة المحاكمة التي استمرت لسنة وثلاثة أشهر، إضافة إلى تأثره السلبي من خلال إضرابين خاضهما، كانت مدة الأول 8 أيام والثاني 3 أيام.
وقال خاطر: “من المعاناة التي واجهها محمد المحكوم بالسجن مدة 10 سنوات، نقله إلى المستشفى 7 مرات، وذلك للعلاج من آلام في أسفل ظهره، ومما زاد آلامه، تعصيب عينيه وتقييده في كل مرة يخرج فيها إلى المستشفى”، وأضاف خاطر الذي يعمل مدرسًا في إحدى المدارس الحكومية في الرصيفة، واصفًا معاناة ابنه التي رأى أنها ما زالت مستمرة في سجنه: “إدارة السجن لا تسمح لابني محمد ورفاقه في القضية نفسها، من ارتياد المكتبة للقراءة، ولا استخدام مرافق السجن كالملاعب والكافتيريا كبقية النزلاء، علاوة على حصر مدة التشميس في ساعة فقط طوال الأسبوع، بالرغم من خروج باقي النزلاء مدة ساعتين كل يوم”.
التفتيش العاري.. ومنع زيارة الأقارب
بينما وافق خاطر في حديثه، خالد أبو صعيليك، شقيق أحد معتقلي التيار السلفي الجهادي في سجن “موقر2” ويدعى أيمن، حيث شدد على استمرار المعاناة التي يلاقيها شقيقه في سجنه، وقال أبو صعيليك متسائلاً: “لماذا تصر إدارة السجون على منع ذوي شقيقي من زيارته؟”، مبينًا أن كثيرًا من الأقرباء كأبناء العم والخال وأبناء الأخ ممنوعون بأمر من إدارة السجن من زيارة شقيقي، ولفت أبو صعيليك إلى أن أكثر ما يعاني منه شقيقه المحكوم مدة 10 سنوات، هو “التفتيش العاري”، معتبرًا أن هذا السلوك انتقاص من إنسانية السجين وتعدي على خصوصياته، حسب تعبيره، داعيًا إلى السماح لشقيقه بالحصول على حقوقه كنزيل وفقًا لقانون السجون، ومواثيق حقوق الإنسان
إلى ذلك، مر وجود التيار السلفي الجهادي وعلاقته بالدولة، بعدد من المراحل، بدأت بمرحلة تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حين دشنت صفحة جديدة في العلاقة بين الطرفين، ثم الدخول في مواجهة مفتوحة مع تصاعد دور أبي مصعب الزرقاوي والقاعدة في العراق، ومن ثم مرحلة الربيع العربي، وأخيرا الأزمة السورية.
وتعتبر الفترة منذ عام 1990 -2001 مرحلة التأسيس للتيار السلفي الجهادي في الأردن، وتميزت هذه المرحلة بمحاولات نشر الفكر وتوتر العلاقة مع الدولة والأجهزة الأمنية بشكل محدود، حيث بدأ أفراد التيار في هذه المرحلة بالعودة من أفغانستان مدربين ومسلحين بأيديولوجيا السلفية الجهادية.
المصدر: أردن الإخبارية