يواصل سكان قطاع غزة، الذين اقترب عددهم من 2 مليون نسمة، دفع ثمن الخلافات السياسية الداخلية تارة والعربية تارة أخرى غاليًا، بتطبيق حصارًا مشددًا، فُرض عليهم منذ لأكثر من 8 أعوام ومستمر حتى اللحظة، جعل خلالها القطاع كأكبر سجن جماعي في العالم.
طموحات وأحلام وآمال الغزيين تعلو عاليًا نحو سماء الحرية، ولكن لا يُسمح لها بأن تطير أبعد من حدود الحصار، فبوابة معبر رفح المغلقة طوال أيام العام، والتي لا تُفتح إلا للحالات الإنسانية فقط لساعات قليلة، تقف حائلًا وسدًا منيعًا أمام انطلاق تلك الأحلام نحو الخارج، وتركنها بجانب”البوابة السوداء”.
وسائل الإعلام لعبت دورًا كبيرًا في تشتيت أهل غزة، فتجد من يتهم حماس بالمسؤولية من خلال رفضها لتسيلم المعابر الحدودية للحكومة، فيما تتجه وسائل إعلام مقربة من حماس لإتهام الرئيس الفلسطيني محمود عباس برفض فتح معبر رفح لتضييق الخناق على حركة حماس للحصول على تنازلات سياسية، في حين تجد وسائل إعلام تصب كل غضبها على مصر؛ كونها الرافض الأساسي لفتح المعبر بصورة طبيعية، والتذرع بالوضع الأمني بسيناء كشماعة لمحاصرة غزة وسكانها.
وهنا، يبقى سكان غزة المحاصرين، والذين يدفعون ثمن إغلاق المعبر أرواحهم وتعطل مصالحهم وتجمد طموحهم، يبحثون عن إجابة واضحة لسؤالين أساسيين وهما؛ من المسؤول عن إغلاق معبر رفح؟ ومتى ستُحل الأزمة؟
حركة فتح وعلى لسان عضو اللجنة المركزية فيها، عزام الأحمد، يقول لـ”نون بوست”، إن “حركته تسعى جاهدة من أجل إعادة فتح معبر رفح البري من جديد، لإنهاء أزمة آلاف العالقين في قطاع غزة”.
ويضيف الأحمد، “نجري الآن لقاءات مكثفة في العاصمة المصرية القاهرة، مع المسؤولين المصريين للبحث عن حلول مؤقتة تساعد في فتح معبر رفح ضمن آلية واضحة ومُتفق عليها، لضمان خروج عدد كبير من المسافرين من القطاع عبر معبر رفح”، وهنا يتهم الأحمد، حركة حماس بالمسؤولية الكاملة عن إغلاق معبر رفح، ويقول، “حماس هي المسؤولة عن كل أوضاع غزة، كونها لا تسمح لحكومة التوافق بممارسة مهامها، وتسلم كافة معابرها الحدودية بما فيهم معبر رفح”، ويتابع، “إصرار حماس المتشدد على عدم تسليم معبر رفح فاقم من أزمة العالقين الذين تخطى عددهم بحسب إحصاءات رسمية، الـ50 ألف عالق، من مرضى وطلبة وأصحاب إقامات خارجية”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطاع غزة تحيط به 7 معابر، تخضع 6 منها لسيطرة إسرائيل، والمعبر الوحيد الخارج عن سيطرتها معبر رفح الذي يربط القطاع بمصر، وهو مخصص للأفراد فقط، والمنفذ الوحيد لسكان القطاع على الخارج، وتغلقه السلطات المصرية بشكل شبه كامل، منذ يوليو 2013، وتفتحه لسفر الحالات الإنسانية.
حركة حماس بدورها رفضت كل الإتهامات التي وُجهت لها من قِبل حركة فتح، بأنها تعطل فتح معبر رفح البري، وأرادت أن تلقي بالكرة نحو مصر، ويؤكد إسماعيل رضوان، القيادي في حماس لـ”نون بوست”، أن “حركته توافق وترحب بكل جهد فلسطيني وعربي يُبذل من أجل إعادة فتح معبر رفح البري، والمغلق منذ شهور طويلة بأمر مباشر من السلطات المصرية”.
ويشير القيادي في حركة حماس إلى أن “المسؤولية الكاملة تقع في هذا الجانب على مصر، كونها المتحكمة بالمعبر وهي من تقرر فتحه وإغلاقه، موضحًا أن، “التعامل المصري بملف معبر رفح سيء للغاية وفاقم من معاناة آلاف العالقين على جانبي المعبر، والمنفذ الوحيد لسكان غزة نحو العالم الخارجي”.
دعا رضوان الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم معاقبة غزة وسكانها، والتعامل مع القطاع بمنطلق إنساني بحت، وفتح معبر رفح بصورة دائمة لحل الأزمات الكبيرة التي يعاني منها سكان القطاع بسبب الحصار المفروض عليه منذ سنوات طويلة.
وهنا أطلق السيسي تصريحًا صريحًا وواضحًا يدلل على استمرار حصار غزة وإغلاق معبر رفح، حيث أكد، خلال لقاءه بالأمس بالرئيس عباس في القاهرة، أن “عودة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة، وتوليها الإشراف على المعابر، سيكون له نتائج إيجابية على انتظام فتح المعابر مع القطاع”.
ومع كل تلك الإتهامات وضياع الحقيقية، يبقى أهل غزة يدفعون الثمن غاليًا، وينتظررون أي بريق أمل يخرج من وحل الحصار لحل أزماتهم التي تتفاقم يومًا بعد يوم، بفعل حصار ظالم شارك فيه القريب والغريب.