النجم الخلوق
“نحن أمام لحظة وداع أحد أروع اللاعبين في أسطورتنا، لاعب شكل عاملًا لا غنى عنه في تقييم التاريخ الحديث لريال مدريد، ومثل قيمًا ومبادئ أساسية في الأخلاق المقدسة، لقد دافع عن ألوان النادي في 741 مباراة، أظهر خلالها تحمله للمسؤولية كقائد كبير، بالتزامه وسلوكه واحترامه البالغ لزملائه والجماهير والمنافسين، إنه مثال يحتذى للأجيال من بعده”، بهذه الكلمات التي وجهها “فلورنتينو بيريز)” باسم النادي الملكي الذي يرأسه، إلى نجمه السابق راؤول غونزاليس، بعيد إعلانه اعتزال الكرة منذ أيام، نختصر الأسباب التي جعلت راؤول أسطورة خالدة في تاريخ النادي الملكي.
إنها أخلاقه العالية وسلوكه المثالي كرياضي وكإنسان، والتي جعلت كل من زامله أو أشرف على تدريبه، أو حتى خاض مباراة أمامه، ينحني أمام روعة تواضعه الجم واحترامه لنفسه ولجميع من حوله، والتي أضافها إلى موهبته الفذة، واجتهاده والتزامه، وتفانيه في خدمة القميص الذي يرتديه، إضافة إلى شغفه المتجدد وولعه بلعب الكرة، الذي جعله يعمر في الملاعب حتى بلغ سن الـ38، ذلك الشغف الذي شبهه راؤول، في المؤتمر الصحفي الذي عقده عشية اعتزاله، بشغف الطفل الصغير العاشق للكرة، بقوله “أشعر كأنني طفل في الحي يلعب على الحشائش والتراب، كرة القدم لا تزال كما هي بالنسبة لي”.
إرهاصات النجومية المبكرة
في منطقة سان كريستوبال، إحدى ضواحي العاصمة مدريد، ولد راؤول غونزاليس بلانكو يوم 27 يونيو عام 1977، وبدأ مداعبة الكرة وهو ابن 10 سنوات في نادي حيه (سان كريستوبال)، حيث قضى 3 أعوام من عمره قبل أن ينتقل إلى العاصمة مدريد، ليلتحق بأكاديمية الناشئين الخاصة بنادي أتليتكو، حيث لبث عامين، قبل أن تلعب الأقدار دورها في توجيهه نحو النادي الملكي، بعد أن قرر رئيس أتلتيكو مدريد إغلاق أكاديمية الشبان في النادي، ليجد الفتى المدريدي نفسه مرغمًا على الانتقال للنادي الغريم، حيث التحق بفريق ناشئي ريال مدريد عام 1992، ولعب هناك عامين استطاع خلالهما لفت أنظار القيمين على تدريبه، من خلال موهبته الفطرية في التحكم بالكرة واصطياد الأهداف، والتي دعمها بالكد والاجتهاد، ليتم تصعيده اعتبارًا من مطلع يوليو عام 1994 للعب ضمن صفوف الفريق الرديف “ريال مدريد كاستيا”، حيث أذهل كل من دربه وشاهده عندما نجح في تسجيل 16 هدفًا خلال 7 مباريات فقط!
أسطورة النادي الملكي
راؤول بجانب الكؤوس التي أحرزها مع ريال مدريد
بداية الأسطورة كانت في 29 أكتوبر 1994، حين قرر المدرب الأرجنتيني خورخي فالدانو منح ابن الـ17 عامًا فرصة المشاركة مع الفريق الأول للريال، وذلك عندما حل بديلًا لبوتراغينيو في المباراة أمام ريال ساراغوسا، ليسجل التاريخ اسمه كأصغر من لعب للنادي الملكي في تاريخ الليغا، وفي مباراته الثانية سجل أول أهدافه مع الريال، وكان – للصدفة – في مباراة الديربي المدريدي أمام نادي أتلتيكو الذي لفظه عندما كان ناشئًا، وتابع راؤول تألقه فوصل عدد مبارياته خلال موسمه الأول إلى 30، وعدد أهدافه إلى 10، وتوج بأول ألقابه مع الفريق الملكي، بعد أن حققوا لقب الدوري الإسباني، الذي اختير كأفضل نجم صاعد فيه.
وفي الموسم التالي أصبح راؤول لاعبًا أساسيا لا غنى عنه في تشكيلة فالدانو، حيث شارك في 52 مباراة وسجل 26 هدفًا في مختلف المسابقات، منها 19 في الدوري، توجته بلقب زارا كأفضل هداف إسباني في الليغا.
وفي موسمه الثالث، نجح في التتويج بلقب الليغا مجددًا، بعد أن سجل 21 هدفًا، رشحه للفوز بلقب أفضل لاعب إسباني في الليغا لعام 1997، الذي فاز فيه أيضًا بلقب كأس السوبر الإسباني.
موسم 1997 – 1998 شهد حدثًا بارزًا في حياة أسطورة النادي الملكي، تمثل بنجاحه في تحقيق لقب دوري أبطال أوروبا مع ناديه الملكي، ذلك اللقب الذي كان غائبًا عن خزائن النادي لمدة 32 عامًا، وفي نفس العام نجح راؤول بقيادة الريال للتويج بلقب كأس أندية العالم (إنتركونتيننتال)، بعد تسجيله هدفًا رائعًا وتتويجه رجل المباراة.
أما موسم 1998 – 1999، فرغم عدم تحقيقه ألقابًا جماعية مع فريقه، إلا أنه توج بلقب هداف الدوري الإسباني (البيشيشي) برصيد 25 هدفًا، كما أُعيد اختياره كأفضل لاعب إسباني لعام 1999.
موسم 1999 – 2000 حمل معه النجاح الأوروبي الثاني لراؤول ورفاقه، بعدما جددوا فوزهم بدوري الأبطال، الذي توج بلقب هدافه، بعد تسجيله ثالث أهداف المباراة النهائية أمام فالنسيا.
وعانق راؤول لقب الليغا للمرة الثالثة مع الميرينغي موسم 2000 – 2001، كما حمل معهم كأس السوبر الإسباني، بفضل تألقه التهديفي منقطع النظير، الذي تمثل بإحرازه لقب هداف الليغا برصيد 24 هدفًا، إضافة إلى لقب هداف دوري الأبطال في نفس الموسم، الذي تم اختياره في نهايته كثالث أفضل لاعب في العالم.
وعاد فتى مدريد الذهبي لقيادة ناديه إلى الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا موسم 2001 – 2002، بعد تألقه وافتتاحه التسجيل في المباراة النهائية، كما فاز رفقة فريق المجرة (الجالاكتيكوس) بلقبي كأس إسبانيا والسوبر الأوروبي في نفس العام.
وفي الموسم التالي، حقق راؤول لقب الليغا وكأس السوبر الإسباني مع فريقه، قبل أن تشهد نهاية الموسم خبرًا حزينًا له ولجماهير الملكي، تمثل برحيل صانع إنجازاتها في السنوات الأربع الأخيرة المدرب فيسنتي ديل بوسكي.
ومع رحيل المدرب الإسباني بدأ عقد فريق المجرة المدريدي بالانفراط، فشحت الانتصارات ونضبت الألقاب، وعاش راؤول ورفاقه 3 مواسم عجاف، انتهت مع نجاح فابيو كابيلو بقيادتهم لحمل لقب الليغا مجددًا موسم 2006 – 2007، وهو الموسم ذاته الذي شهد اختيار راؤول كأفضل رياضي على الإطلاق في المملكة الإسبانية.
وشهد الموسم التالي استمرار الانتعاشة الملكية، بنجاحهم في حمل لقب الليغا مجددًا، إضافة إلى كأس السوبر الإسباني عام 2008، والذي كان آخر لقب يحرزه راؤول مع الميرينغي، حيث عاد النادي لمجافاة البطولات في الموسمين التاليين، الذين أحس الكابتن راؤول خلالهما بتضائل أهميته في صفوف الفريق، فلم يتأخر في اتخاذ قراره الصعب بالرحيل عن النادي الذي قضى معه زهاء 16 عامًا، لعب خلالها 741 مباراة توجته على رأس اللاعبين الأكثر ظهورًا في تاريخ الملكي، وسجل 323 هدفًا ساعدت ناديه على الفوز بـ16 لقبًا في مختلف المسابقات.
رحلة بين القارات
راؤول بقميص نادي شالكة الألماني
في 28 يوليو 2010، وقع النجم الإسباني ذو الـ33 عامًا عقدًا حرًا لمدة عامين مع نادي شالكة الألماني، حيث نجح في قيادته للفوز بكأس ألمانيا في أول مواسمه معهم، كما قاده في الموسم ذاته إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، بتسجيله 5 أهداف، رفعت رصيده إلى 73 هدفًا وضعته في صدارة هدافي المسابقة الأوروبية حتى تاريخه، وافتتح موسمه الثاني مع شالكة بالفوز بلقب كأس السوبر الألماني، قبل أن يقرر الرحيل عنه تاركًا في سجله 40 هدفًا، نجح في تسجيلها من خلال 98 مباراة لعبها للنادي الملكي الألماني في مختلف البطولات.
في 1 يوليو 2012، انتقل راؤول إلى قارة آسيا، وتحديدًا إلى دولة قطر، ليخوض تجربة جديدة مع نادي السد القطري، حيث لعب هناك 61 مباراة خلال موسمين، نجح خلالهما في تسجيل 16 هدفًا، ساعدت فريقه على التتويج بلقب دوري النجوم القطري لعام 2013، ومن ثم كأس أمير قطر عام 2014.
في 30 يوليو 2014، حط النجم الإسباني العجوز رحاله في القارة الأمريكية، للعب مع فريق نيويورك كوزموس الأمريكي، حيث استطاع التألق هناك متحديًا سنوات عمره الـ37، التي لم تمنعه من خوض 29 مباراة وتسجيل 8 أهداف، قاد بها فريقه للتويج مؤخرًا بلقب دوري أمريكا الشمالية، ليعلن على إثرها تعليق حذائه، بعد مشوار كروي حافل دام 21 عامًا، حصد خلاله من الألقاب ما لذ وطاب.
غصة لاروخا
راؤول بقميص منتخب إسبانيا
رغم خوضه 102 مباراة على مدى 10 أعوام مع منتخب إسبانيا الأول، ونجاحه في تسجيل 44 هدفًا دوليًا وضعته على رأس هدافي لاروخا عبر تاريخه، قبل أن يتجاوزه دافيد فيا، إلا أن ذكرى المنتخب تبقى الغصة الأكبر في حلق راؤول عبر مسيرته الرياضية، فمشواره الدولي الذي بدأ في 9 أكتوبر 1996 أمام منتخب التشيك، وتخللته 3 بطولات كأس عالم أعوام: 1998، 2002، و2006، إضافة إلى بطولتي أمم أوروبا عامي 2000 و2004، لم يحمل في طياته أي إنجاز يُذكر لأسطورة الميرينغي، الذي كان يمني النفس بأن يكون أحد أعضاء الجيل الذهبي لمنتخب لاروخا، الذي حصد الأخضر واليابس بين عامي 2008 و2012، ولكن استبعاده من صفوف المنتخب اعتبارًا من 6 سبتمبر 2006 بداعي تجديد دماء الفريق، وعدم استدعائه مجددًا، فوت عليه فرصة ترصيع عقد إنجازاته بجوهرة كأس العالم.