ترجمة وتحرير نون بوست
في غرفة تم نهبها في الطابق الثالث، كان التلفاز يبث ما تعرضه قناة فرانس 24 الإخبارية، حول صور الهجوم الإرهابي في فرنسا، وفي غرفة في الطابق الرابع، كانت نصف ساندويتش الدجاج موضوعة بمواجهة جواز سفر رجل تركي على الطاولة بجانب السرير، وفي الرواق المجاور، كانت القوات الفرنسية العاملة ضمن بعثة الأمم المتحدة، تلج داخل الغرفة التي غرقت ستائرها بلون الدماء الأحمر.
عندما اقتحم مسلحون فندق راديسون بلو في عاصمة مالي، باماكو، صباح يوم الجمعة وقتلوا 19 شخصًا على الأقل، وجهوا ضربتهم إلى صميم المنشأة التي تربط غرب أفريقيا مع بقية العالم؛ ففندق راديسون هو أفضل فندق في باماكو، وهويات وجنسيات ضحايا هذا الهجوم تعطينا لمحة عن الدول التي تتشاطر الحصص في المعركة التي تخوضها ضد الإرهاب في المنطقة.
ثلاثة مسؤولين تنفيذيين من الصين كانوا برحلة عمل بخصوص خطة، تبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، لتطوير السكك الحديدية القائمة منذ الحقبة الاستعمارية لربط دولة مالي غير الساحلية بميناء داكار البحري في دولة السنغال المجاورة، لقوا مصرعهم جرّاء الهجوم، ومن بين القتلى أيضًا، 6 موظفين روسيين ضمن شركة شحن بالطيران تخدم الجيش الفرنسي وبعثة الأمم المتحدة في مالي، مستشارة التنمية في أمريكا، أنيتا داتار، المسؤول البرلماني البلجيكي، جيفري ديودونيه، بالإضافة إلى مواطنين من إسرائيل ومالي والسنغال.
خلال أحداث راديسون، تم احتجاز رجال أعمال من الهند، جنبًا إلى جنب مع موظفي الخطوط الجوية التركية والخطوط الجوية الفرنسية لساعات ضمن الفندق، قبل أن تأتي القوات الخاصة المالية لنجدتهم، كما اضطر أغنى رجل في أفريقيا، أليكو دانجوتي، لنشر تغريدة على تويتر لنفي التقارير الأولية التي كانت تشير إلى أنه كان أيضًا من بين الرهائن.
مالي، التي تتعافى لتوها من سنوات الصدمة السابقة التي شهدت خلالها انقلابًا، احتلالًا جهاديًا، تدخلًا عسكريًا فرنسيًا، ومهمة ضخمة للأمم المتحدة، لديها الكثير لتخسره إن أحجم المستثمرون والدبلوماسيون الدوليون عن الاستمثار ضمنها؛ ففندق راديسون كان يعتبر مكانًا آمنًا للسكن، ولكن الآن، لم يعد يوجد ملاذات آمنة.
“صفقة السكك الحديدية مع الصينيين ستتوقف وستوضع على لائحة الانتظار، ومن المحتمل أن يحجم المستثمرون عن العمل في مالي”، قال مامادو كوليبالي، الذي يرأس منظمة أصحاب العمل في مالي.
الطابع الدولي للهجوم استقطب إدانات سريعة ومتلاحقة، سواء من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكذلك من رؤساء فرنسا، فرانسوا هولاند، وروسيا، فلاديمير بوتين، والصين، شي جين بينغ، وعلى الرغم من أن مالي ليس غريبة عن مشهد التشدد الجهادي، ولكن هذه المرة الأولى التي تضرب فيها الهجمات الجهادية مركز السلطة في البلاد بصورة مباشرة.
احتلت فروع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي شمال البلاد لمدة 9 أشهر في عام 2012، حيث فرضوا أنفسهم ضمن المجتمعات المحلية وخلقوا علاقات لم تنقطع أو تنتهي حتى الآن، وفي عام 2013، طردت القوات الفرنسية الجهاديين من المناطق التي احتلوها، ولكن منذ ذلك الحين تدهورت الأوضاع الأمنية، وباشرت الهجمات الإرهابية بالظهور جنوبي البلاد، في المناطق التي كانت، غير ما مرة، تعتبر آمنة ومستقرة.
على الحدود الشمالية لمالي، أفضى فراغ السلطة الذي أعقب تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” في ليبيا، إلى انفلات أمني سمح بحرية تنقل وانتقال الأسلحة، مما أدى إلى ظفر الجماعات الجهادية بتأثير أكبر ضمن المنطقة.
أعلنت مجموعة إرهابية تدعى باسم المرابطون، بقيادة الجهادي المخضرم الجزائري مختار بلمختار، مسؤوليتها عن الهجوم الأخير في فندق راديسون، علمًا أنه وفي أغسطس المنصرم، هاجمت الجماعة المتحالفة مع تنظيم القاعدة فندقًا في مدينة سيفيري وسط مالي، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا، ويشير محلل أمني تابع للأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالتحدث إلى الصحافة، بأن الذخائر والتكتيكات كانت مماثلة في كلا الاعتدائين.
وفقًا للمحلل الأمني، الجهاديون الذين شاركوا سابقًا في احتلال مالي عام 2012، والذين اختفوا عندما تدخلت القوات الفرنسية، “ظهروا اليوم، ولكن مع مجندين جدد”، ويضيف الخبير موضحًا بأن هذا الهجوم على المدنيين في أفخم فندق في باماكو، قد يكون ردًا على هجمات الدولة الإسلامية الأخيرة، في محاولة من الموالين لتنظيم القاعدة لإثبات وجودهم ضمن الساحة الجهادية العالمية، التي شهدت أحداثًا متسارعة مؤخرًا.
هذا النوع من الاعتداءات، الذي تنفذه مجموعة صغيرة مستعدة للموت ومسلحة ببضع بنادق كلاشنكوف وبعض القنابل اليدوية، أصبحت بالتأكيد الطريقة المثلى المستحدثة لعمل الإرهاب العالمي، حيث أجبر خطر وقوع هجمات مماثلة في بلجيكا الحكومة هناك لإغلاق بروكسل، في قلب أوروبا، بشكل فعلي.
ولكن في مالي، حيث تعد قبضة الحكومة الأمنية أكثر ضعفًا، مثل هذا الخيار لا يكاد يكون ممكنًا، فسهولة الحصول على الأسلحة الهجومية في مالي يعني أنه “طالما يوجد أناس على استعداد للانخراط في مهمات انتحارية، فإن هذا النوع من الهجمات سيستمر بالحدوث وسيكون من الصعب للغاية أن يتم إيقافه”، وفقًا لما قاله المحلل الأمني.
بحلول نهاية يوم الجمعة، تجمعت الجماهير الفضولية على طول الشارع الموصل إلى فندق راديسون، وباشروا بتصوير حركة الجنود وعمال الإنقاذ عبر هواتفهم الذكية، وعندما ظهرت وحدة القوات المالية الخاصة بعد انتهائها من مهمة الإنقاذ في وقت متأخر من اليوم، هتف الحشد فرحًا، وانخرطوا بهتاف جماعي “مالي! مالي! مالي!”.
بين دقيقة وأخرى تغيّر المزاج العام بشكل مفاجئ من الكآبة والرعب إلى الفرح والفخر، “لولا الجهود المغوارة لجنود مالي، لكانت الأمور اتجهت نحو سيناريو أسوأ من ذاك الذي حصل بكثير”، قال أحد الموجودين، وصاح رجل آخر “نحن فخورون بجيشنا”، هذه الكلمات نادرًا ما قد تسمعها في بلد اضطر لترجي فرنسا، المستعمر السابق لمالي، لتهب لمساعدتها في عام 2013.
“من شبه المستحيل أن نمنع وقوع مثل هذه الهجمات” قال كوليبالي، وأضاف، “الأهم من ذلك يتمثل بالطريقة التي ندير من خلالها تداعيات هذه الهجمات”.
كنظرائهم في أوروبا، تكافح حكومات غرب أفريقيا للتعامل مع التهديد الذي تخلقه الجماعات الجهادية، كبوكو حرام في نيجيريا وتنظيم القاعدة وفروعه في مالي، الذين قتلوا الأشخاص دون تمييز لسنوات، وأحبطوا باستمرار جميع الجهود الغربية والأفريقية للقضاء عليهم، ولكن قوات الأمن في مالي والحشد المتحمس الذي تجمع لإظهار دعمه وتضامنه مع هذه القوات، بتروا انتصارات هذه الجماعات في هذه المرة.
المصدر: نيويورك تايمز