جرت الجولة الثانية والأخيرة من الانتخابات البرلمانية في مصر في 13 محافظة متبقية من محافظات الجمهورية ومن بينها العاصمة القاهرة وكذلك محافظتي شبه جزيرة سيناء، الأحد والاثنين، في غيابٍ واضح للمعارضة، وبحسب اللجنة العليا للانتخابات فإن عدد الناخبين المسجلين في المرحلة الثانية يتجاوز 28 مليون ناخب.
بدأت الجولة الثانية بعد مرحلة أولى نسبة المشاركة فيها لم تتجاوز27% و 21% في الإعادة، بحسب لجنة الانتخابات العليا نفسها، ناهيك عن الأرقام الغير رسمية التي قللت من هذه النسب بكثير، رغم مساعي الحكومة ووسائل الإعلام الحثيثة لتشجيع الناخبين على الإقبال على التصويت فيها، وهي نسبة ضعيفة للغاية مقارنةً بنسب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي اكتسحت فيها الأحزاب الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، فيما لا يبدو أن نسبة المشاركة في الجولة الثانية كانت أحسن نصيبًا من الأولى.
الحزب الذي أسسه رجل الأعمال المليادير نجيب ساويرس بعد ثورة يناير “المصريين الأحرار” أعلن عن حصوله على 44 مقعدًا انتخابيًا في الجول الأولى من الانتخابات، وتعد تلك النسبة هي الأكبر تمثيلًا لأي حزب سياسي من الأحزاب المشاركة داخل البرلمان، وربما تعضد الجولة الثانية من فرصة الحزب في الحصول على أكبر نسبة من مقاعد البرلمان دون الأحزاب الأخرى أو تصعد غيره، لكن في كلا الأحوال لن تمثل تلك النسبة وجود معارضة حقيقية داخل البرلمان، خاصة في ظل شقاق بين الحزب والنظام.
تنافس في الجولة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصرية أكثر من ألفي مرشح لشغل 282 مقعدًا برلمانيًا بينهم 222 للمستقلين و60 للقوائم الحزبية، حيث يتكون مجلس النواب بالأساس من 596 مقعدًا سيحصل النواب المستقلون على 448 مقعدًا منهم، فيما سيمثل الأحزاب 120 مقعدًا آخرًا، وذلك بحسب النظام الانتخابي الذي يجمع بين نظام القائمة المطلقة ونظام الفردي، فيما سيتم تعيين 28 عضوًا من قبل رئيس الجمهورية بحسب الصلاحية التي منحها له الدستور المصري.
جرت المرحلة الثانية من الانتخابات في محافظات: “القاهرة، والقليوبية، والدقهلية، والمنوفية، والغربية، وكفر الشيخ، والشرقية، ودمياط، وبورسعيد، والإسماعيلية، والسويس، وشمال سيناء، وجنوب سيناء”، وهو ما استدعى تعزيزات أمنية كبيرة خاصةً في شبه جزيرة سيناء التي تشهد توترات أمنية منذ عامين وأكثر، وكذلك دعا أمر الانتخابات إلى تغيير مدة حظر التجوال المفروضة في شمال سيناء إذ أعلنت اللجنة العليا للانتخابات صدور قرار رئاسي عدل فترة حظر التجوال في شمال سيناء لتبدأ في تمام الساعة الحادية عشرة مساءً بدلًا من السابعة وذلك أثناء فترة الانتخابات.
وعلى صعيدٍ آخر، بث التلفزيون الرسمي مقطعًا مصورًا لتصويت السيسي في أحد مكاتب الاقتراع في حي مصر الجديدة شرقي القاهرة، في محاولة دعائية لجذب ناخبين لهذه الانتخابات.
السلطات المصرية عززت الانتشار الأمني أمام اللجان المختلفة بالمحافظات التي تجري فيها الانتخابات، وأعلنت عن نشرها أكثر من 160 ألفًا من عناصر الجيش لتأمين هذه المرحلة حتى نهايتها، إذ يشارك في تأمين العملية الانتخابية الجيشان الثاني والثالث الميدانيان، وكذلك جنود من المنطقة الشمالية العسكرية، وأيضًا القوات البحرية.
كانت المرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية المصرية قد بدأت في الخارج السبت 21 نوفمبر، حيث فتحت 139 سفارة وقنصلية وبعثة دبلوماسية في جميع أنحاء العالم لاستقبال الناخبين المصرين، ورغم أن الأبواب الانتخابية فتحت لـ 24 ساعة على مدار يومين، حيث سمح بالتصويت من التاسعة صباحًا حتى التاسعة مساءً بتوقيت كل دلولة يومي السبت والأحد، إلا أن الإقبال كان ضعيفًا كالعادة.
الناخبون الشباب غابوا عن المرحلة الثانية من الانتخابات كما كان واضحًا غيابهم في المرحلة الأولى، وتمثل القطاع الأكبر من الناخبين في كبار السن وأصحاب المعاشات والسيدات، هذا المشهد ظهر في آخر استحقاقات خارطة الطريق التي أعلن عنها السيسي عقب عزل مرسي في يوليو 2013، إذ شملت تلك الاستحقاقات وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات رئاسية، وقد تمتا وإن كانتا في إجراءات شكلية انعدم فيها جوهر الممارسة.
لا يتوقع الخبراء أن يكون هناك دورُ هام أو فعال للبرلمان الجديد في الحياة السياسية المصرية، إذ أن غالبية المرشحين في هذه الانتخابات من مؤيدي وداعمي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، بالإضافة إلى بعض المعارضة التي ربما ستكون صورية، حيث أن غالبية الأحزاب المعارضة التي لها مؤيدين بأعداد كبيرة على الأرض قاطعوا تلك الانتخابات وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين بحزبها السياسي، وحزب الوسط ومصر القوية، والعديد من الحركات الشبابية والشخصيات السياسية العامة، هذا فضلًا عن قمع السلطات للأصوات المعارضة الإسلامية والعلمانية على السواء.
حتى أن قناة “العربية” السعودية ورغم دعم وموالاة المملكة السعودية الانقلاب وقادته في مصر إلا أنها استهانت فيه بنسبة المشاركة هي الأخرى، رغم أن القناة عرفت بمعاداتها لجماعة الإخوان المسلمين ومحاباتها للرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ خرجت مذيعة على شاشة القناة مستعملةً العديد من الإفيهات الساخرة من الإنتخابات البرلمانية المصرية ونسبة المشاركة، وأيضًا مقاطعة الشباب والغرامة المالية لمقاطعي الانتخابات، أيضًا سخرت المذيعة من الرشاوى الانتخابية واستخدام المخدرات في رشوة الناخبين، وتصريحات المسؤولين بالجنة العليا للانتخابات وبعض المرشحين الفائزين بالجولة الأولى.
عكس هذا المشد توترًا في العلاقة بين البلدين خاصةً وأن انتقدته السلطات المصرية في تصريحات مسؤولين، حيث قال مستشار الحكومة للانتخابات البرلمانية، رفعت قمصان، أن ما فعتله القناة أمر غير مهني، مكذبًا لكل ما أوردته مذيعة العربية، وقال أنه لايفترض السخرية من أمر جاد كالانتخابات، وكأن ما فعلته القنوات المصرية سابقًا في أمور جادة كهذه كان مهنيًا وقتها، وحاول الرجل أن يرسم أهمية لتلك الانتخابات التي لم تحظى بأي اهتمام دولي خاصةً وأن الأحداث العالمية غطت تمامًا على تلك الانتخابات.
مجلس النواب المنتظر الذي سيكون نوابه في كلا الأحوال من مؤيدي السيسي أو المعارضة الناعمة له، هو الثاني عقب ثورة يناير 2011، إذ أعقب البرلمان الذي حُل في منتصف يونيو 2012 بقرارٍ من المحكمة الدستورية العليا والذي كان به غالبية من الأحزاب الإسلامية، هو الأول عقب انقلاب عبدالفتاح السيسي وكان من المفترض إجراء الانتخابات في وقتٍ سابق حيث أُعلن عن إجراء الانتخابات في مارس ومرة أخرى في مايو وتأجلتا حتى انطلقت الجولة الأولى في منتصف أكتوبر الماضي.