7 أشياء تعلمتها من قراءتي لكل أعداد مجلة دابق التابعة لداعش
يقول صن تزو، الذي يعتبر بالعموم مصدرًا موثوقًا لأفكار الحرب الجيدة، “عليك أن تعرف عدوك حتى تستطيع هزيمته، فبعض الرجال يكرهون الهزيمة، وبعضهم الآخر يبدو مستمتعًا بها”.
الصعوبة التي تواجهنا في هزيمة داعش نابعة ربما من ذات الفكرة، فنحن لا نفهم ماهية تنظيم داعش، أو حقيقته، وجميع الأخبار التي تردنا عن التنظيم تصل إلينا من خلال قنوات الساسة والمفكرين المفلترة، الذين يتمتع كل منهم بأجندته الخاصة، ولكن لحسن الحظ، اتضح أن معرفة ما تريده عن داعش أسهل مما تبدو عليه الفكرة، فالتنظيم بحد ذاته سيخبرك بكل شيء، وذلك عن طريق المجلة الخاصة التي يصدرها التنظيم.
نعم إنها مجلة حقيقية وكاملة، وبصفحات ملونة لامعة وبراقة، تدعى مجلة “دابق”، وتحتوي على مقالات وصور، لذلك، وبغية الإحاطة بإستراتيجية داعش العنيفة والمتمددة، قرأت حوالي 700 صفحة من هذه النشرة الدعائية الغريبة، وهذا ما تعلمته منها:
7. النشرة الرسمية لتنظيم الدولة الإسلامية سلسة للغاية
ربما ليس من المستغرب أن يصدر تنظيم الدولة الإسلامية مجلة دورية منتظمة، فكل مجموعة مجنونة وعنيفة حول العالم تصدر نوعًا من النشرات أو المجلات الدعائية، ولكن دابق، وهي المعادل الداعشي لصحيفة التايمز المطعمة بمقالات من مجلة بيبل وبعض الوعظ الديني، تبدو مختلفة عن أي نشرة أو مجلة أخرى يصدرها أي تنظيم أو جماعة إرهابية.
من مجلة دابق: صورة معدلة على الفوتوشوب للفاتيكان مع علم الدولة الإسلامية!
بالمجمل فإن كل إصدار للمجلة يقع في حوالي 60 إلى 80 صفحة، جميعها ملونة ومنمقة بمهارة واضحة من قِبل خبراء في مجال التصميم الحاسوبي البصري “الجرافيك ديزاين”، وكما نتوقع جميعًا، الكثير من المواد ضمن الإصدارات تتضمن عظات دينية تستشهد بأكثر الآيات والتفسيرات عنفًا للقرآن لإثبات وجهة نظر التنظيم المجنونة والمنحرفة.
الإسلام دين السيف لا دين السلام!
بالإضافة إلى ما تقدم، تنشر المجلة مواضيع مدح شبيهة بتلك التي تنشرها مجلة بيبول حول “المشاهير”، ولكن كلمة “المشاهير” من وجهة نظر الدولة الإسلامية تعني “الشهداء” الانتحاريين والمتمردين.
لقاء مع أبو عمر البلجيكي
معظم المواضيع التي يتم طرحها ضمن المجلة تُستهل بتقديم من فقرتين أو ثلاث فقرات تتحدث عن “إرادة الله”، و”تحمد الله على النصر الذي منّ به علينا” وما إلى ذلك، ولكن هناك أيضًا سلسلة منتظمة من الأعمدة التي يكتبها الصحفي البريطاني، جون كانتلي، الذي يأسره التنظيم منذ عام 2012، وأقل كلمة يمكن أن توصف بها دوريات كانتلي في دابق هي كلمة “غريبة”، فعلى الرغم من أن كتابته يتم إعادة تحريرها في بعض المواضع، ولكن الكثير من الإحباط والغضب والحنق الذين يبثهم كانتلي ضمن مواضيعه تجاه السياسة الخارجية البريطانية والأمريكية تبدو حقيقية، وبجميع الأحوال، لا أحد يعلم على وجه التأكيد ما يكتبه كانتلي ضمن المجلة وما يتم تحريره بالنيابة عنه.
أحد مقالات كانتلي في دابق
يشيد كانتلي ضمن مقالاته بشكل منتظم بذكاء قيادة الدولة الإسلامية، ولكنه أيضًا ينعت التنظيم بشكل متكرر باسم الإرهابيين ويشير إلى أعمالهم البشعة دون أن يتم إعادة تحرير هذه العبارات، وبالمثل، يعمد تنظيم داعش بسعادة غامرة إلى نشر الخطب الغاضبة التي يطلقها السياسيون الأمريكيون بغية دراسة هذه الخطب، تحت عنوان “وفق تعبير العدو”.
أحد صفحات قسم “وفق تعبير العدو”
على مدار الصفحات الـ700 التي قرأتها ضمن مجلة دابق، تعلمت بعض الأشياء عن مفرداتهم؛ فكلمة “الصليبي” هي وصف يطلقه التنظيم على كل جندي ومدني وسياسي غربي، بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو الأممي، فأوباما وجون ماكين كلاهما “صليبيان” على حد سواء، والكلمة الأخرى المستعملة بشكل كبيرة هي كلمة “الهجرة”، والتي تعني أساسًا عقد العزم والسفر للانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية، ومن الملاحظ أن كل موضوع يتضمن تذكيرًا، وفي أكثر من موضع أحيانًا، بأن داعش تعتبر الهجرة واجبًا على كل المسلمين من غير المرتدين.
أحد منشورات الهجرة في مجلة دابق
إذا دققنا النظر بالصف اليساري من الصور، وبالتحديد ثالث صورة، سيتضح لنا بأنها صورة لرجل ميت! نعم رجل ميت، ففي إعلانات داعش المثالية الموت أو “الاستشهاد” هو من أقوى الحجج التي تدفع الأشخاص للانضمام إلى التنظيم، وهذا يقودنا إلى المعلومة التالية:
6 – تنظيم داعش صادق للغاية فيما يخص بعض الأمور
معظم المساعي التي تقف خلف حملات الدعاية تهدف لتصوير الأعداء بشكل بشع ووحشي، في الوقت الذي تصور فيه نفسها من الجانب المشرق والبرئ، ولكن إستراتيجية الدولة الإسلامية مختلفة عن ذلك بشكل تام، فالإعلانات التي تمدح الجهاديين لا تظهر صورهم وهم مبتسمين وسعداء فقط، بل تشمل أيضًا تصوير جثثهم وعرضها بشكل دائم تقريبًا.
الترويج الدعائي في مجلة دابق يعرض صور قتلى التنظيم
تنظيم داعش لا يخجل أو يوارب أيضًا من نشر الصور الوحشية والمرعبة للمجازر التي يرتكبها، فعلاوة على ارتضائه لنعته باسم “الإرهاب”، ينشر التنظيم في مجلته دابق العديد والعديد من الصور للأسرى الذين يتم قطع رؤوسهم، المقابر الجماعية المليئة بالمدنيين المذبوحين، وصورًا خاصة بتفجيراتهم الانتحارية.
ذا الصدق الصارخ عن الواقع المادي للحرب، فاجأني لفترة من الوقت، ولكن في نهاية المطاف، وبعد مروري بعشرات المقالات، بدأت أفهم بأن كل قصة حول الهجمات الإرهابية أو الإعدامات يتم الإشارة إليها بعبارة “الحمد لله على هذا النصر”، أو بعض التعليقات التي تشير إلى أن المأساة التي حصلت هي جزء من “إرادة الله التامة”، وهذا المبدأ ذاته معتمد في الكنائس المعمدانية التي تشيد بالأعاصير أو حتى بتفجيرات العبوات الناسفة، من منطق أن الله يحوز قدرة وإرادة كلية وكاملة، وبالتالي جميع الأمور الفظيعة والبشعة تحدث بإرادة الله، لذا وجب الاحتفاء والاحتفال بها، وربما هذا هو السبب الذي يقف خلف ظهور جميع الجهاديين في صور مواقع الهجوم في بعض المعارك أو في بعض المواقع الإرهابية، وهم يشيرون بأصابعهم إلى السماء.
صور لأعضاء التنظيم وهم يشيرون بأصابعهم إلى السماء
إذن، محاربو داعش فخورون بأنهم إرهابيين، وفخورون بوحشيتهم، وهذا ما يجعل الحملة التي طفقت على شبكة الإنترنت لإقناع الناس بإطلاق اسم “داعش” على تنظيم الدولة الإسلامية، مجرد حملة خرقاء وغير مفيدة.
نتائج بحث محرك جوجل حول موضوع تسمية تنظيم الدولة الإسلامية بـ”داعش”
داعش هو اختصار أوائل الكلمات لاسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وهو اسم التنظيم قبل أن يعلن عن تأسيسه “الخلافة” ويعمد إلى تغيير اسمه ليصبح “الدولة الإسلامية”، والإشاعة المنتشرة بين صفوف العامة تقول بأن عناصر التنظيم يكرهون عندما تتم الإشارة لهم باسم “داعش”، ولكن، ووفق ما تبين لي، تنظيم الدولة لا يكترث كثيرًا بالألقاب التي يسبغها العالم عليه؛ ففي الصفحة 38 من العدد 4 من مجلة دابق، أشارت مقالة إلى أن الواقع يقول بأن بعض الغربيين يدعون الدولة الإسلامية باسم “داعش”، دون أن يكترث المقال كثيرًا لهذه التسمية، وبالكاد تتم الإشارة إلى هذا الموضوع في جميع إصدرات المجلة، كما لا يكاد يوجد أي تلميح في أي مكان إلى انزعاج عناصر التنظيم من نعتهم باسم “داعش”.
إذن، دعونا نتفق بأن الجماعة التي تحتفل بصور قتل المدنيين، وتنشر صورًا لجثث أعضائها بسعادة غامرة، لن تأبه حقًا للصفات أو التسميات التي يتم إسباغها عليهم، فالمقولة تقول “إرهاب شخص ما قد يكون بحد ذاته نضال شخص آخر لأجل الحرية”، ولكن عناصر داعش لا يتغنون بالحرية ولا يعتبرونها فضيلة ومحمودة، فهم يشيرون إلى أنفسهم باسم “عبيد الله” في كل صفحة من صفحات المجلة تقريبًا، ويبدون سعداء للغاية بإسباغ لقلب “جنود الإرهاب” على أنفسهم.
أحد المقالات يشير إلى عناصر التنظيم باسم “جنود الإرهاب”
وفي الوقت عينه، من غير الدقيق تصوير عناصر التنظيم بأنهم مجرد عصابات عاملة من المجانين الذهانيين، وذلك لأنهم أكثر من ذلك بكثير، وفقًا لما سنبينه في الفقرة التالية:
5- عناصر التنظيم دهاة ومحترفون في مجال وسائل الإعلام
جناح العلاقات العامة التابع لداعش، مركز الحياة الإعلامي، يفهم وسائل الإعلام الاجتماعي تمامًا كما يفهمها نظرائهم في الجيش الأمريكي، على أقل تقدير، وجزء من حقيقة سعة اطلاعهم تتوضح من خلال عمود “على حد تعبير العدو” الذي يقتبس من السياسيين الأمريكيين على نطاق واسع، ويُظهر فهمًا واضحًا للأحداث الجارية.
عناصر التنظيم أيضًا محترفون في استخدام التويتر لأغراض التنظيم، وكذلك لنشر رسالتهم.
منشور من مركز الحياة يظهر فيه استخدام المركز لهشتاغ #أخبار_الخلافة لنشر رسالته
أعضاء داعش يستخدمون تويتر لتجنيد الجنود، وكذلك لاستدراج الزوجات، وهم يستهدفون الأطفال الصغار والضعفاء بذات الطرق التي يستخدمها المنحرفون جنسيًا على الشبكات الاجتماعية، كما يقوم الفريق الإعلامي لداعش بتركيب سلسلة سلسة من مقاطع الفيديو التي تهدف جميعها لإقناع الشباب بالهجرة إلى الدولة الإسلامية، وهنا يبدو الجزء الأكثر إرباكًا وتناقضًا باقتران الدهاء التكنولوجي والحرفية التصميمية مع ممارسات مستقاة بشكل مباشر من بربرية القرون الوسطى، تمامًا كإعلان الفيديو في الأسفل، الذي يظهر عملية إعدام شخص، مقترن بتعليمات كاملة عن كيفية تشغيل الفيديو على مشغل VLC.
التناقض الواقع بين الدهاء التكنولوجي الحديث ومواضيع القرون الوسطى
يمكننا ملاحظة أن الفيديو مترجم إلى عدد كبير من اللغات “الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، التركية، والألمانية”، وبالمثل فإن مجلة دابق تصدر بأكثر من لغة، علمًا أن المجلة نفسها ناطقة بلغة إنجليزية متينة ورصينة؛ ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد بأن داعش تعمل على حملة تجنيد متعددة اللغات، وهي حملة نجحت حتى الآن باستقطاب ما لا يقل عن 25.000 مقاتل أجنبي، وربما أكثر من ذلك بكثير، ولهذه الغاية تنشر دابق باستمرار نصائح للأشخاص الذين يحاولون شق طريقهم إلى أرض الخلافة، حيث جاء في أحدها: “لا تقل لنفسك (لن أنجح أبدًا في هجرتي)، فأغلب الذين حاولوا الهجرة وصلوا بنجاح إلى أرض الخلافة، ومن بين هؤلاء من سافر عن طريق البر، وأحيانًا مشيًا على الأقدام، من بلد إلى بلد، عابرين حدود تلو الحدود، وأوصلهم الله بسلام إلى دولة الخلافة”.
منشور يدعو الشباب للهجرة إلى الدولة الإسلامية، بعنوان “مغادرة أرض الشرك”
التنظيم يحث أيضًا المسلمين “الحقيقيين” الذين لا يستطيعون الانضمام جسديًا للدولة الإسلامية لقتل أحد “الصليبيين” بالقرب منهم، وفي الواقع، هذه الدعوات تؤتي أكلها أحيانًا، كما هو الحال مع الشخصين اللذين حاولا إطلاق النار أثناء مسابقة “ارسم محمد”، وحصلا على تقدير كامل ضمن مجلة دابق، رغم فشلهما في إيذاء أي شخص.
عندما تفضي هذه الدعوات لمجازر سفك الدماء، كالهجوم الذي وقع في باريس، فإن الغريزة الطبيعية لأغلب الأشخاص تقول “طالما أن هؤلاء الأوغاد يريدون الموت، فلنذهب إلى هناك ونقتلهم”، ولكن منشورات دابق توضح بأن هذه الإستراتيجية ليست ناجعة، وفقًا لما سنوضحه بالتالي:
4 – ردود الفعل الانتقامية العنيفة هي تمامًا ما يسعى إليه داعش
كل إصدار في دابق يبدأ باقتباس من أبو مصعب الزرقاوي يقول فيه: “إن الشرارة تبدأ من هنا العراق وتستمر حرارتها، بإذن الله، لتحرق كل المجوس وجيوشهم في دابق”، ومن هنا اقتسبت المجلة اسمها.
دابق هي منطقة في شمال سورية، ووفقًا للنبوءة، ستجري ضمنها معركة نهاية العالم التي ستُهزم ضمنها، بعون ومعجزات من الله، جميع الجيوش الغربية، ولكي يحدث ذلك، لا بد للتنظيم من أن يضع جيوشه في دابق في بداية المطاف، ووفقًا لـ11 إصدار قرأتهم من مجلة دابق، مصير الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على داعش هي الخسارة الحتمية في المستقبل، ورؤية التنظيم توضح بشكل لا لبس فيه بأن جميع القوى الإقليمية التي تحاربهم ستسقط لا محالة، وعندما يحدث ذلك، ستسقط دولة العم سام وستحل نهاية العالم.
في سياق دعاية داعش، الموت بصاروخ ليس أمرًا سيئًا، وبالنسبة لآلاف وآلاف المقاتلين الذين يتوافدون عن طيب خاطر للقتال تحت راية التنظيم، الموت هو النتيجة المتوقعة الوحيدة لخيارهم الذي اتخذوه؛ فالمتشددون الذين يحاربون لصالح التنظيم يتعطشون للموت، وفي الوقت عينه، يجب على المدنيين الذين يعيشون في المناطق التي تعمل ضمنها الدولة الإسلامية أن يعيشوا مع هذا الكابوس، وهو الأمر الذي أوضحه الكاتب كانتلي، أو من يحرر المقالات باسمه، في إحدى مقالاته.
مقال للكاتب جون كانتلي حول واقع الموت تحت حكم الدولة الإسلامية
جاء في مقال كانتلي: “في جوف الليل، سمعنا صوت القصف الجوي الثقيل، وفي تلك اللحظة أعدك بأنك لن تفكر قائلًا (يا أهلًا، إنها القوة الجوية للولايات المتحدة)، فأصوات اهتزاز الأبواب الصاخبة، وانفجار الجدران إلى الداخل جرّاء عنف القصف، ستجعلك تستشيط غضبًا، ولمدة 20 دقيقة بعد ذلك، ستسمع أصوات بكاء الأطفال من الخوف، وستشهد محاولات الأمهات لتهدئة أطفالهن، وأصوات صفارات الإنذار التي توصل الضحايا إلى المستشفيات، هذا هو الجانب “الدقيق” من قصف طيران التحالف، الذي لا يمكنك أن تشهده أو تعرف عنه في الغرب”.
ولكن في الوقت الذي يرى فيه مقاتلو داعش الغزو الأميركي، واستشهاد عناصرهم، على أنها تحقق للنبوؤات الدينية، لا يزال هنالك أمور تقض مضجع كبار قادة التنظيم.
3- أمور تخيف تنظيم داعش
لا مندوحة من القول بأن دابق هي مجرد منشور دعائي وترويجي، ولكن بشكل عام، يمكننا أن نعرف الأمور التي تخيف أي نظام في العالم من خلال قراءة نشراته الدعائية، وداعش ليست استثناءً من هذه القاعدة.
على سبيل المثال، يعاني التنظيم اليوم من مشاكل مالية حقيقية، فخلال العام الماضي، نصف إيرادات التنظيم كانت آتية من سرقة ونهب البنوك العراقية، وهو مصدر دخل يُستعمل لمرة واحدة فقط، وفي الوقت الحالي، ينفق التنظيم قرابة نصف إيراداته لدفع رواتب جنوده فقط، وأحد أهم أسباب الانهيار الاقتصادي، تتمثل بأن سكان الدولة، وهم دافعو الضرائب، يفرون من أراضي سيطرة التنظيم، لأسباب واضحة ولا داعي لتكرارها هنا.
في وقت سابق من هذا العام، رمت أمواج البحر بجثة الطفل، آلان الكردي، البالغ من العمر 3 سنوات، على الشواطئ التركية إثر غرق القارب الذي يقله إلى أوروبا، ومن جهته، استغل تنظيم داعش هذه الصورة من خلال دابق، حيث نشرت المجلة صورة الطفل مرفقة برسالة تحذير لسكان الخلافة تقول بأن هذا ما سيحدث لكم إن حاولتم مغادرة البلاد؛ فالتنظيم يدرك بأن معظم الأشخاص الذين يدخلون أراضي الدولة الإسلامية سيتنهي بهم المطاف للسعي للخروج من مناطق سيطرة الدولة.
الدليل الأكثر وضوحًا على ذلك جاء في العدد الثالث من مجلة دابق، التي اختتمت مقالًا كاملًا من النصائح الموجهة للأشخاص الذين يبحثون للانضمام للدولة الإسلامية بهذه التحذيرات: “دعونا نضع في اعتبارنا بأن الخلافة هي دولة سكانها وجنودها من البشر، وليسوا ملائكة معصومين، يمكن أن نتصادف بأشياء تحتاج إلى تحسين، أو قد نجد بعض الأخطاء التي تحتاج لإصلاح، أو قد نتقابل مع بعض الإخوة الذين يحملون صفات بحاجة لتغيير”.
القضية الرئيسية الأخرى التي تقلق داعش، تتمثل بصعوبة تجنيد ما يكفي من الأشخاص المتخصصين والمؤهلين، كالأطباء والميكانيكيين ومخططي المدن، لتشغيل “الدولة”؛ ففي ثلاثة مقالات على الأقل من المقالات الصادرة في دابق، أرسل التنظيم توسلات ودعوات للأطباء وغيرهم من الخبراء لترك حياتهم المريحة والوثيرة، والانتقال للمدن المتفجرة التي تحتلها الدولة الإسلامية، وفي إحدى المرات، نشر التنظيم مادة من عدة صفحات حول “الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية”، مرفقة بصور احترافية حول منشآتهم الطبية الرائعة!
مقال مصور في مجلة دابق حول الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية!
ولكن في الوقت الذي ظهر فيه المقال كمادة دعائية توضح عظمة داعش في تأسيس دولة حديثة، جاءت الفقرة الأخيرة من المادة لتكشف عن بعض اليأس الذي يخالط الأمل، حيث جاء فيها: “ينبغي أن يكون هذا بمثابة دعوة لاستيقاظ العديد من الطلاب المسلمين، فالدولة الإسلامية تقدم لكم جميع ما تحتاجونه للعيش والعمل هنا، فماذا تنتظرون؟”
2- التنظيم يرى الولايات المتحدة كمصدر موثوق لاغتنام الأسلحة
الأمر المؤكد الذي لا يعاني تنظيم داعش من نقص به هو الأسلحة، والكلمة التي يتم استخدامها مرارًا وتكرارًا لوصف الأسلحة تتمثل بكلمة “غنائم”، فصفحات دابق تفيض بانتظام بصور الدبابات وقطع المدفعية التي يتم اغتنامها من العدو.
الصورة: صورة لمقاتل من داعش مع سلاح أمريكي مغتنم
منذ وقت ليس ببعيد اغتنم تنظيم الدولة الإسلامية حوالي 2300 عربة همفي تركها الجيش الأمريكي في رعاية الجيش العراقي، ويمكنك تصفح هذا الموقع للحصول على قائمة شاملة بكافة المعدات الثقيلة التي يحوزها داعش، والدول التي جاءت هذه المعدات منها، وفي الواقع لا يمكننا إغفال أن الولايات المتحدة وروسيا تهيمنان على رأس هذه القائمة.
الصورة: بعض المعدات الثقيلة التي يحوزها تنظيم الدولة الإسلامية
بعض من هذه الأسلحة اغتنمها التنظيم من الجيش العراقي، ولكن عددًا لا يستهان به من الأسلحة وصل إلى أيدي التنظيم جرّاء الجهود الأمريكية لتسليح الجماعات “المعتدلة” المسلحة في سورية، ولسوء الحظ، لا يمكننا أن نميز بسهولة في كثير من الأحيان بين اصطفافات الجماعات المسلحة ضمن منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن الدوافع التي تحكم تصرفات هذه المجموعات المتباينة، وهذا الأمر يقودنا في الواقع إلى الحقيقة الأخيرة…
1- لا يمكننا أن نفهم تماماً كيف يرى تنظيم الدولة العالم
كما أوضحت سابقاً، كان هدفي الرئيسي من الـ700 صفحة ونيف التي قرأتها حول نشرات داعش الدعائية، هو استيعاب ماهية داعش الحقيقية، وما يريده التنظيم فعلاً، فعلى سبيل المثال، هل تعلم بأن تنظيم الدولة الإسلامية يخوض حرباً ضد المخدرات أيضًا؟ نعم، وتحتفل نشرات التنظيم الدعائية بضبط مخابئ المخدرات بذات قدر السعادة التي تحتفل بها بالانتصارات العسكرية.
مقال عن مصادرة تنظيم الدولة لدفعة من المواد المخدرة
وهل تعلم أن داعش ورون بول، عضو مجلس النواب الأميركي وعضو الحزب الليبرالي الأمريكي ومرشح للرئاسة عن عام 2008، يؤمنان بذات المواقف الاقتصادية؟ نعم، فالدولة الإسلامية تؤمن أيضاً بضرورة تغطية العملة بالذهب.
عملة دولة الخلافة الذهبية
وبعد الإعلان عن تعامل الدولة الإسلامية بعملتها الذهبية الخاصة، أجبر التنظيم جون كانتلي المسكين لكتابة موضوع عن الذهب، في نشرة دابق الدعائية التي لن تصل إلى مسامع أو أيدي الحزب الليبرالي الأميركي المؤيد لتغطية العملات بالذهب.
مقالة كانتلي “الانهيار الاقتصادي يقترب بسرعة، والعالم يحتاج إلى عملة مستقرة ويمكن الاعتماد عليها”
ولكن الشيء الذي أدهشني بشكل أكبر كان يتمثل بعدم معرفتي، كمواطن غربي، إلا للقليل عن نظرة داعش للعالم، فلم أكن أدرك بأنهم يكرهون إيران، حتى تعلمت معنى كلمة “الرافضة”، والتي تأتي في سياق متلازم مع كلمة “آية الله”، وهي تعني الأشخاص الذين يرفضون التفسير الصحيح للقرآن، ومن هذا المنطلق، يرى تنظيم داعش النظام الإيراني على أنه كافر وينزله بمنزلة العدو الأمريكي والروسي، لا بل أن التنظيم يلمح في بعض المرات إلى أن الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، هو عبارة عن دمية في يد إسرائيل.
مقال من مجلة دابق بعنوان “مهدي الرافضة: الدجال”
وبالإضافة إلى ما سبق اتضح لي بأن تنظيمًا آخر يقاتل داعش بدعم من إيران، إنه حركة طالبان، التي تمقتها داعش أيضًا.
صورة لافتتاح مكتب طالبان في الدوحة بقطر
الشرح التوضيحي المذكور في الجزء السفلي من الصورة يقول: “طالبان تمشي جنبًا إلى جنب مع الطواغيت”، والطواغيت بالنسبة لتنظيم الدولة يشملون أيضًا تنظيم القاعدة، بمعنى أن داعش تعادي تنظيم القاعدة الإرهابي، وهو التنظيم الذي نفّذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
صورة لطائرة بريطانية بدون طيار يصفها التنظيم في نشرته بأنها “رمز الأمل” لتنظيم القاعدة
أثار تنظيم القاعدة غضب داعش لأنه وصفهم بالمتطرفين العنيفين للغاية، وفي الواقع، اقترح الجنرال ديفيد بتريوس مؤخرًا أن تستخدم الولايات المتحدة مقاتلي تنظيم القاعدة لمحاربة داعش!
إذا كان جميع ما تقدم يبدو مفاجئًا أو غير متوقعًا بالنسبة لكم، فإن هذا مؤشر على ضآلة المعلومات التي نمتلكها جميعًا، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، حول فهم داعش للعالم، وهذا هو السبب الذي يقف خلف فشل جميع توقعاتنا حول التنظيم، فحتى وقت قريب جدًا، كانت التصريحات الرسمية تقول بأن داعش لا يجند سوى 35.000 مقاتل نشط تحت رايته، ولكن اليوم اتضح بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قدّرت هذه الأرقام بشكل خاطئ، وأرقام المقاتلين المجندين تحت راية داعش قد تصل إلى أكثر من 200.000 شخص يعملون ضمن صفوف التنظيم.
أخيرًا، الشيء الأكثر إثارة للدهشة الذي تعلمته من خلال قراءتي حول داعش، هو أن كراهية التنظيم لا تنصب على الولايات المتحدة أو فرنسا أو روسيا، فـ “العدو” الأوحد الذي يكرس التنظيم معظم وقته لمحاربته هم “المسلمون المرتدون”، حيث يستخدم التنظيم كلمة “الصفويين” للإشارة إلى المسلمين الشيعة الذين يقتلهم، وهي كلمة مشتقة من اسم السلالة الصفوية التي حكمت بلاد فارس من القرن الـ15 وحتى القرن الـ17، وفضلًا عن ذلك، يستخدم التنظيم كلمة “الصحوات” لوصف المسلمين السنة الذين يقاتلونه، في إشارة إلى القوات القبلية التي تأسست بعد الغزو الأميركي للعراق لمواجهة تنظيم القاعدة، ويكفينا لنعرف العدو الحقيقي الذي يقاتله التنظيم أن نتأمل في الأرقام التي تقول بأن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين قتلهم تنظيم داعش هم من المسلمين.
المصدر: Cracked