لقد أحسست بالعجز، لأول مرة أشعر أنني بركان غاضب يحمل مشاعر وهم للأمة، أرى من حولي فهم في التغييب المُبين، أتحدث فأشعر بعزلة فلا أحد يكترث لحديثي عن الظلم والفساد، عن الإسلام والأمة، الكل يسعى وراء المادة، الذات، الحب، والهموم اليومية، كلما يمر اليوم أشعر أن جسدي لا يحتمل ثُقل روحي وأفكاري، لا أعرف كيف أتحرك وأين أذهب؟ هل هناك من يُشاركني الروح والهم؟
منطلق البحث في ظل دول قمعية تسعى لقتل الذات وسحق الروح وحرق العقل ستلجأ إلى من يُعاديها، شئت أم أبيت، ستجد رابط عاطفي بينك وبين كل متمرد عليها، القصة بدأت حينما شارك صاحبنا ذو الفطرة النقية والدافع المخلص لخدمة الدين في تنظيم ذي مرجعية إسلامية.
ولكن ما التنظيم الذي نقصد؟
ما نتحدث عنه هو تلك البُنى الهرمية التي تسلب من الفرد إرادته وتسحق فرديته، تُوظف عقله وأفكاره تجاه حق معين، وتجاه أفكار معينة، يشعر الفرد داخلها بالاختلاف عن الغير، وخارجها بالعزلة والحاجة إليها، تلك البنية التي استحمرت عقول أعضائها باسم الحق تارة، والفصيل الأنقى تارات أخرى .
تلك الهيكلة هي كل ما يهمنا نقدها، وهي مدخل حديثنا، نرى فيها الخطر الأكبر، ونستشعر داخلها بفرم طاقات الإنسان وسحق هويته الشخصية، وإنهاء علاقاته المجتمعية في التغيير إلا من داخل إطار التنظيم، بل أن يقتصر التغيير على تنظيم ما أو نصرة الدين على فكر معين هو الإنذار الذي دق في آذان وعقول شباب الأمة .
الأمة داخل التنظيم
أهداف التنظيمات دائمًا ما تنطلق من أفكار داخلية كـ “إصلاح الفرد – إصلاح المجتمع” إلى الانطلاق لأفكار أممية وهي أستاذية العالم وخلافه، ولكن يبقى السؤال الأزلى: كيف هو إصلاح الفرد وعلى أي منهج وفهم؟ وأي الطرق للوصول إلى أستاذية العالم؟
الإجابة دائمًا التي تنطبع في عقل صاحبنا الصغير من أفواه قادة التنظيم الهرمي أنه على منهج الإسلام ولكن أي فهم للإسلام؟
وهنا يكمن جوهر المشكلة، إن فهم التنظيم للإسلام ليس الإسلام بل تصور عنه، وتحركات التنظيم من أجل خدمة الدين هي تحركات ليست مُقدسة بل قابلة للصواب والخطأ، بل أن أفكار التنظيم أصلاً من الممكن أن تكون خاطئة بل كارثية !
لم ولن يحدث على مر التاريخ، أن تنظيمًا استوعب أمة كاملة بأفكارها وطاقتها، بل دائمًا الأمة هي الحاكمة والمُحركة، المركزية في الإسلام للأمة لا لفئة داخل الأمة بعينها، طاقات القادة والمفكرين بل والعمل الجماعي الإسلامى دائمًا ما يصب لنشر العقيدة ومركزيات التوحيد للأمة ككل دون تفريق أو تمييز على أساس هيكلي أو تنظيمي .
التجنيد النفسي
“لو وجدت من هم أفضل منا فاذهب إليهم”، “لا تنس فضل فلان وفلان، أنسيت الأخ الفلاني ودوره في هدايتك، أنسيت دور التنظيم في انتشالك من الضلال والتيه؟”، مقولات طالما رُددت على أذهان كل من تجرأ على التمرد والانسلاخ خارج التنظيم ولنطرح عدة استفسارات، هل هداية الناس أصبحت مرتبطة بانتماء لكيان؟ اأنت تتحرك لهداية الناس من باب الثواب والفضل أم من باب التجنيد؟ هل أصبحت عاجزًا عن إقناع عقل الفتى فاتجهت إلى التثبيت النفسي؟!
العُقدة العاطفية للفرد تمنعه من ترك التنظيم على الرغم من علمه بمساوئه، تسحق عقلية صاحبنا النقدية، يفقد قدرة تذوق الحق من الباطل، تفسد فطرته وهو يتعلق بقشاية نفسية من التعاملات الجيدة والطيبة في السلوك وكأن صاحبنا أصبح لديه دينٌ في رقبته يُسدده أبدًا ما حيى! الانتماء للتنظيم !
التمرد = الفساد السلوكي والعقلي
تتوحش التنظيمات على أهلها حين التمرد، فحينما يُقرر الفتى المُخلص مصيره ويتحرر من تعاليم وتقديس الكيانات، تفترسه التنظيمات بالتشويه تارة، باتهامه بالضلال تارة أخرى، البحث عمن حوله لعزله ونبذه، بذل كل جهد لسحق ذاته وتدمير نفسيته، وإنقاص رصيد سلوكه أمام مجتمع التنظيم.
الفتى حينها أمام مسارين: إما اتخاذ الضلال طريقًا حتى يتخلص من الصدمة في أهله ورفاقه ممن تخلوا عنه وشوهوه، وهم بالأمس يُرددون له عبارات الحب في الله، وإما أن يتخذ الصبر طريقًا ويبحث عن ذاته المسحوقة على يد التنظيم فيُكون فكره بيده ويصنع مساراته بعقله هو، ويتحرك في المجتمع ككجزء منه لا تعالي عليه لا أفضلية له إلا فضل الله عليه ورحمته، فتنكسر نفسه ويُصبح مُعد للتمرد على القوالب والأصنام الفكرية وعبادة الأشخاص، والتمسك بقدسية المنهج وتحطيم أصنام الولاء والبراء إلا لله وحده.
بناء الفكر والتنظيم
نظرة التنظيمات للفكر نظرة فيها شك وخوف عظيم، فهو يعلم جيدًا أن أي قراءات خارج النسق لفتيانه هي خطر متوقع، ولكن أين يكمن الخطر؟
يخشى دائمًا من أن تتكون بذور نقد لدى الفتى ولكنه تلك المرة نقد نابع من أفكار ومفاهيم ورؤية تاريخية ليس جلسات تصحيح المفاهيم أو (كلام الناس اللي فوق)، وبالتالي يفقد أعظم ميزة للتنظيم !وهي منظومة الإقناع الداخلي القائمة على توظيف خاطئ للأفكار والأحداث، وفقه واقع أقرب للضلال، وفهم للسياسة مضحك، وعلاقات إنسانية عاطفية تفرض عليه الانصياع، فإذا قرأ صاحبنا بفطرة سليمة تحرر من هذا وأصبح حينها عبء على التنظيم، حيث أصبح يُمرر كل عمل أو حراك على فلترة عقلية نقدية قوية، وفي تلك اللحظة انتهى دوره نظريًا داخل التنظيم
أزمة توظيف الطاقات
صاحبنا لا يدري ما إمكانياته! وما هي قدراته فقد قذف به في العمل الحركي الخيري وهو عقلية مُفكرة تحليلية لا تستطيع التفاعل بدرجة عالية ولكنه لديه القدرة على التنظير وصناعة الرؤية، والآخر قُذف به في وضع الإستراتيجيات والخطط وهو عقلية سطحية ليس بها أي قدر ولا قليل من الكفاءة !
أي توظيف لعين داخل التنظيم؟ أهو توظيف معتمد على درجة الولاء للتنظيم وخبرات سنين الانضمام له؟ أين مساحة الشخص الفردية للإبداع وخدمة الدين، أم أنتم أُوتيتم مجامع التحليل النفسي فوظفتموه توظيف مُضحك مُخل لا يُناسب قدراته ولا إمكانياته التي وهبه إياها المول؟ ولكن أتدري ما الأكثر إضحاكًا؟ هو رضى ورضوخ الفتى بذلك المكان، بل رفضه لتغييره، بل إصراره أن الله قد جعله على هذا المكان وأنه يجب أن يُدعم قدراته أكثر في المكان والتوظيف والتوقيت الخاطئ !
يا فتى، الله وهبك العقل لاكتشاف ذاتك ونفسك، أما إذا سٌلِب منك عقلك ونُزعت منك طاقة التمرد فالأولى أن تدعو الله بالهداية بدلاً من أن تشكر قادة التنظيم على سحقك وردمك في حفرة لا قرار لها !
إلى التحرر
تُصنف تلك المقالات على أنها مقالات تحريضية، أما والله وأنا أكتب هذا المقال غلب عليا شعور الغضب على التحريض والتوجيه، شعور التحسر على طاقات نقية وأرواح تعشق الرسالة وتتعطش لخدمة الدين ثم تفسد بفعل تنظيم وأفكار وتصلب وجمود وعدم اعتراف بالخطأ وفشل في التوظيف وسحق لروح الإنسان تلك النفخة الربانية المُقدسة .
الأمة لا تحتاج لتنظيمات، تحتاج لعقول، تحتاج لعمل جماعي، تحتاج لتحرر من القولبة والتنميط والتجنيد، الفتى يُريد خدمة الدين لا التنظيم، خدمة الأمة لا الأفكار، استشعر كم الهم على عاتقك، فكّر في تلك الفقرات ثم اذهب وصب جام غضبك عليّ، لا مانع لديّ ولكن قبل ذلك فكر ولو لمرة واحده بقلبك وروحك وعقلك، تصالح مع نفسك التي تدين بالفضل للتنظيم، نعم أنا أدين بالفضل للتنظيم ولكن المنهج أولى، تلك مرحلة وهناك مراحل يجب الانطلاق لها، ابحث عن ذاتك، توغل في بناء فكرك، اخلع نظارة التنظيم الرباني الخالد، نعم اخلعها فالخلود للوحي والانتصار دائمًا وأبدًا للمنهج .
اجعل دائمًا القيم هي المُحرك لك، رفضك للظلم يتطلب عليك رفض الظلم داخل تنظيمك، مُحاربتك لفشل الدولة وقمعها يتطلب عليك التحرر من الفشل داخل تنظيمك والتمرد على قمع التنظيم حتى ولو كان قمع فكري، نفسي أو حتى سلوكى، لا تُحمل نفسك أعباء وضغوط وازدواجية، اغمض عينيك وصف ذهنك من كل الشوائب وتذكر دائمًا “النصر لن يأتي من داخل تنظيم بل من داخلك أنت”.