احتفت وسائل الإعلام المصرية المقربة من النظام في مصر بإعلان حالة الطوارئ في فرنسا عقب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة باريس والتي خلّفت أكثر من 200 قتيل وأكثر من 2000 جريح، بغية، فيما يبدو، محاولة لشرعنة القمع الذي ارتكبته قوات الجيش والشرطة بحق المدنيين في شمال سيناء، وتبرير لاستمرار حالة الطوارئ في تلك المنطقة منذ ما يقارب العام.
وبعد أسبوع من إعلان حالة الطوارئ في فرنسا، ومن خلال دراسة ما تم من إجراءات على أرض الواقع، كان لا بد لنا أن نعرف الفارق ما بين إعلان حالة الطوارئ في فرنسا وإعلان حالة الطوارئ في مصر، والنتائج التي ترتبت على هذا الإعلان؛ لإظهار حقيقة الوضع بعيدًا عن تزييف الحقائق من إعلاميي السلطة في مصر.
إعلان حالة الطوارئ
بداية فإعلان حالة الطوارئ في أي دولة من دول العالم مبني بالأساس على احترامها الكامل لحقوق الإنسان الأساسية، وتمنح بعض معاهدات حقوق الإنسان الدولية الرئيسية الدول الأطراف الحق في تعطيل بعض التزاماتها المترتبة عليها، بموجب تلك المعاهدات، في حالات الأزمات الاستثنائية، ويمثل الحق في هذا التعطيل كأداة مرنة الغرض منها مساعدة الحكومات على التغلب على حالات الأزمات الاستثنائية.
ولا يعني الحق في عدم التقيد أنه يجوز للدولة غير المتقيدة أن تتهرب من التزاماتها المترتبة عليها بموجب المعاهدة عمدًا، ولكنه حق تحكمه عدة شروط، مثل مبدأ عدم جواز إهدار حقوق معينة، مبدأ الضرورة القصوى، ومبدأ الإخطار الدولي.
حيث تنص الفقرة ١ من المادة ٤ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميًا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي، وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي”.
وحينما نقوم بالنظر في إعلان حالة الطوارئ في كلا من فرنسا ومصر خلال الفترة الماضية نجد بأن هناك عدة نقاط متفق عليها ما بين الحالتين، إلا أن هناك نقاط جوهرية أخرى ظهرت جيدًا مع قيامنا بالمقارنة ما بين تطبيق البلدين لنفس الصلاحيات الاستثنائية تقريبًا، مما يعطي دلالة واضحة أخرى حول مدى الجرم الذي ترتكبه السلطات العسكرية في مصر منذ بداية عملياتها في شمال سيناء وحتى بعد إعلان حالة الطوارئ.
نقاط الاتفاق
أولًا: إعلان حالة الطوارئ في كلا من مصر وفرنسا كان بسبب هجمات إرهابية دموية، وكانت الجهة التي تقف وراء الهجمات، والتي بسببها تم إعلان حالة الطوارئ في كامل التراب الفرنسي، هي نفس الجهة التي بسببها تم إعلان حالة الطوارئ في مصر في بعض المناطق خصوصًا في محافظة شمال سيناء؛ ألا وهي تنظيم داعش الإرهابي.
ثانيًا: الدستور في كلا من مصر وفرنسا يتيح للسلطات إعلان حالة الطوارئ بسبب ما يعرف بكوارث أو حالات طارئة تواجهه الدولة.
ثالثًا: تطابق القانونين في الصلاحيات الاستثنائية المُعطاة للأجهزة الأمنية أثناء حالة الطوارئ، على سبيل المثال يعطي القانون الفرنسي للسلطات التنفيذية سلطات إضافية؛ منها فرض منع التجول العام أو الجزئي وإنزال عقوبة السجن أو الغرامة المالية بكل مخالف سواء كان راشدًا أو قاصرًا.
ويمنح القانون الفرنسي المحافظ سلطة السماح لقوى الأمن بتفتيش المنازل في أي وقت من الليل أو النهار ودون الحاجة إلى إذن قضائي خاص، وكذلك إبعاد من يريد من الأشخاص الذين يعتبرهم مصدر تهديد للأمن والسلامة العامة من مناطق إقامتهم، فرض الإقامة الجبرية في “مناطق أمنية” محددة، طرد أجانب، مصادرة الأسلحة بما فيها أسلحة الصيد، إغلاق أماكن الاجتماعات العامة والمسارح وصالات السينما والملاهي، وفرض الرقابة على الوسائل الإعلامية.
نقاط الاختلاف
أولًا: دستورية إعلان حالة الطوارئ، فالشرعية الممنوحة للسلطات يجب أن تكون شرعية دستورية، وإذا نظرنا للشرعية الدستورية لإعلان حالة الطوارئ في فرنسا فإنها أتت بالطريق الذي رسمه القانون خصوصًا وأن القانون أعطى الحق للسلطة التنفيذية بإعلان حالة الطوارئ، وإذا أرادت أن تقوم بالتمديد وجب أن يتم من خلال قانون صادر بأغلبية البرلمان، وهو ما تم في فرنسا؛ حيث تم تمديد إعلان حالة الطوارئ بعد انعقاد الجمعية الوطنية (البرلمان) بتاريخ 19 نوفمبر2015 الجاري، وكذا موافقة مجلس الشيوخ، لـ3 أشهر اعتبارًا من 26 نوفمبر أي حتى نهاية فبراير، مع توسيع نظام الإقامة الجبرية ليشمل أي شخص يعتبر تصرفه مشبوهًا، ويمكن أن يشكل تهديدًا للأمن والنظام العام.
أما في مصر فإعلان حالة الطوارئ فاقد للمشروعية الدستورية منذ أن تم انتهاء العمل به في 25 أبريل 2015 الماضي، بعد أن تم إعلانه في 24 أكتوبر ،2015 وتم تمديده طبقًا للدستور (انظر المادة 154 من الدستور) في 24 يناير 2015 لثلاث أشهر أخرى، وهو الحد المسموح به للسلطة التنفيذية لتمديدها لحالة الطوارئ طبقًا للدستور، إلا أننا فوجئنا بإصدار قرار لإعلان حالة الطوارئ مرة أخرى برقم قانون مختلف، التفافًا على الدستور.
ثانيًا: الغرض من إعلان حالة الطوارئ وإعطاء سلطات استثنائية للسلطات الأمنية في أي دولة، هو قيام الدولة بالمحافظة على أمن المواطنين وعودة الاستقرار والهدوء الداخلي إليها، وهو ما لاحظناه في فرنسا بشكل كبير؛ حيث استشعر المواطن الفرنسي عدم الاستقرار والأمان، وبناء على استطلاعات الرأي فأكثر من 90% من المواطنين الفرنسيين راضين عن تطبيق حالة الطوارئ حتى الآن.
أما في مصر فإعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء لم يكن الهدف منه حماية المدنيين وإنما كان لأغراض سياسية لما ظهر بعد ذلك، فالمدنيين، وليست الجماعات المسلحة، هم أول من عانوا من إعلان حالة الطوارئ خصوصًا في التهجير القسري للمدنيين، باعتباره من إحدى التدابير التي نص عليها إعلان حالة الطوارئ، بالرغم من مخالفته للدستور المصري؛ حيث يمنع الدستور منعًا باتًا التهجير القسري للسكان، ويعتبره في مادته ٦٣ على أنه جريمة لا تسقط بالتقادم، كما أن المادة الثالثة التي تم الاستناد إليها لإضفاء المشروعية على عمليات التهجير القسري للمدنيين وإنشاء منطقة عازلة طبقا لقانون الطوارئ غير دستورية ولا يمكن الارتكان إليها، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر بتاريخ 8 يوليو ٢٠١٣ الماضي على عدم دستورية بعض الفقرات من المادة الثالثة من قانون الطوارئ، وطالبت رئيس الجمهورية بعدم التوسع في استخدام تلك التدابير وأن تتقيد بالغاية المحددة طبقًا لقانون الطوارئ وإلا وقع ما اتخذته مخالفًا للدستور.
ثالثًا: الدوافع، التي على أساسها تم إعلان حالة الطوارئ في فرنسا كانت هجومًا إرهابيا واسع النطاق خلف أكثر من 120 قتيلًا “مدنيًا”، في حين أن النظام العسكري في مصر أعلن حالة الطوارئ في شمال سيناء بعد مقتل 33 “جنديًا”، مما يفتح باب التساؤل حول الدوافع التي على أساسها يتم إعلان حالة الطوارئ، خصوصًا وأن هناك أكثر من 28 جنديًا سقطوا في واحة الفرافرة ولم يقم الجيش بإعلان حالة الطوارئ في تلك المنطقة، كما أن مباني وزارة الداخلية المصرية في القاهرة والمنصورة تم استهدافها وتفجيرها دون أن يقوم الجيش بإعلان حالة الطوارئ في تلك المدن، كما أن سقوط الطائرة الروسية ومقتل ركابها جميعًا لم يكن دافعًا لدى النظام العسكري لإعلان حالة الطوارئ في جنوب سيناء.
رابعًا: الإعلام، بالرغم من أن إعلان حالة الطوارئ في فرنسا أعطي للسلطات صلاحيات واسعة في إغلاق الجمعيات والصحف ووسائل الإعلام إلا أنه وحتى الآن لم يتم إغلاق أي من الصحف أو وسائل الإعلام أو وضعها تحت المراقبة أو أي مطالبات للإعلام والإعلاميين بعدم نشر أي معلومات أو تحركات تتم من قِبل السلطات الأمنية، بل على العكس، شاهدنا جميعًا وحتى بعد إعلان حالة الطوارئ في فرنسا، كيف كان الإعلام يقوم بنقل وقائع الاشتباكات التي تمت ما بين الجيش وبين المسلحين في ضواحي باريس عشية الهجمات، وكذلك الاشتباكات التي وقعت في ضاحية “سان دوني” كانت تُنقل على الهواء مباشرة.
أما الوضع في سيناء ومنذ بداية العمليات الحربية، وقبل إعلان حالة الطوارئ، لم يسمح لأي صحفي أو وكالة إعلامية أو مجموعة حقوقية بالتواجد في منطقة شمال سيناء لنقل ما يتم أو التحقق مما يتم هناك، بل قام الجيش باعتقال وتصفية كل من يتم معرفة ارتباطه بأي وسيلة إعلامية أو حقوقية، وهناك العشرات من الزملاء الإعلاميين الذين تعرضوا للاعتقال ومازال بعضهم حبيس جدران سجن العازولي والبعض الآخر تعرض للمحاكمات العسكرية.
خامسًا: الشفافية، منذ إعلان حالة الطوارئ في فرنسا ويخرج النائب العام الفرنسي ووزير الداخلية على وسائل الإعلام بصفة شبه دائمة لإطلاع الرأي العام على مجريات الأحداث والتحركات التي قامت بها قوات الجيش والشرطة، وإبلاغه بكل الحالات التي تم استعمال صلاحيات قانون الطوارئ فيها، فقد أشار وزير الداخلية الفرنسي في تقريره المنشور للرأي العام بعد أسبوع من استعمال حالة الطوارئ إلي أن السلطات الأمنية قامت بالآتي:
1- مداهمة 1072 منزلًا دون إذن من القاضي طبقًا لقانون الطوارئ.
2- أمرت بالإقامة الجبرية بحق 253 شخصًا.
3- قامت بضبط 201 قطعة سلاح غير مرخصة.
4- قامت باعتقال 139 شخصًا، منهم 117 للاشتباه، وأفرجت عنهم بعد ذلك.
5- أمرت بإلقاء القبض على 77 شخصًا لحيازة مخدرات.
أما في سيناء فمنذ بداية العمليات الحربية في شمال سيناء تحت مسمى الحرب على الإرهاب وحتى بعد إعلان حالة الطوارئ، لا توجد أي معلومات حقيقية مستقاة من واقع الأحداث حتى الآن، والمعلومات الوحيدة عن الأحداث تصدر فقط من المتحدث باسم القوات المسلحة، والذي لا يكن أي احترام لقانون أو دستور أو معايير قانونية في بياناته عن الأحداث، ولا ذكر لوجود النيابة العامة أو جهات للتحقيق فيما يتم ارتكابه من عمليات اعتقال أو قتل أو تطبيق لحالة الطوارئ حتى الآن.
سادسًا: التحقيق والمحاسبة، لا بد أن يكون واضحًا أن إعلان حالة الطوارئ في فرنسا لا يعطي الحق للسلطات الأمنية في ارتكاب انتهاكات أساسية بحق المدنيين؛ على سبيل المثال التعذيب والاعتقال التعسفي أو التغييب في سجون غير رسمية والتصفية الجسدية وغيرها من الانتهاكات التي اُرتكبت في سيناء منذ بداية الجيش لعملياته العسكرية واقترانها بحالة الطوارئ، فبالرغم من أن السلطات الأمنية في فرنسا قامت بمداهمة أكثر من 1000 منزل واعتقال أكثر من 130 شخصًا على مدار الأسبوع الماضي، كما أن السلطات الفرنسية لم تضفي أي نوع من أنواع الحصانة أو الحماية لأفراد القوات الأمنية إذا قام بأي عمل ما من شأنه أن يؤدي إلى انتهاك لحقوق المواطنين، أما في مصر فلك أن تعلم بأن السلطات المصرية قررت فقط تشكيل لجنة للبحث في الأضرار التي خلفتها عمليات التهجير القسري للسكان بعد مرور عامين على عملياتها العسكرية، وعام من إعلان حالة الطوارئ، ولم يُفتح تحقيق واحد في عمليات التعذيب التي اُرتكبت وفضحت على وسائل الإعلام، بل مازال آلاف المعتقلين من أبناء سيناء بداخل سجن العازولي العسكري في الإسماعيلية يُمارس ضدهم الجرائم والقتل.