ترجمة وتحرير نون بوست
كتبت إيميلي هاغر ومارك مازيتي:
أرسلت الإمارات العربية المتحدة مئات المرتزقة الكولومبيين سراً إلى اليمن للقتال في الصراع المحتدم في تلك البلد، مما يضيف عنصراً متقلباً جديداً إلى حرب الوكالة المعقدة المضطرمة بين الولايات المتحدة وإيران.
يعتبر نشر المرتزقة الكولومبيين في اليمن الأول من نوعه منذ قيام الإمارات ببناء جيش من المرتزقة الأجانب بهدوء وسرية في قلب الصحراء على مدى السنوات الخمس الماضية، وذلك وفقاً لعدد من الأشخاص المنخرطين حالياً أو سابقاً ضمن المشروع.
برنامج بناء جيش المرتزقة الأجنبي في الإمارات كان يُدار سابقاً من قِبل شركة خاصة متصلة بإيريك برينس، مؤسس شركة بلاك ووتر في جميع أنحاء العالم، ولكن الأشخاص الذين شاركوا ببناء المشروع، أوضحوا بأن دور هذه الشركة انتهى منذ عدة سنوات، وأصبح أمر إدارة الجيش الأجنبي خاضعاً لسيطرة الجيش الإماراتي.
وصول 450 جندياً من أمريكا اللاتينية، من بينهم جنود من بنما والسلفادور والتشيلي، إلى اليمن، يضيف مكوناً جديداً للتشكيلة الفوضوية من الجيوش الحكومية، القبائل المسلحة، المنظمات والشبكات الإرهابية، والميليشيات اليمنية، التي تتصارع جميعاً حالياً في الحرب الدائرة في البلاد، علماً أنه وفي وقت سابق من هذا العام، شن تحالف واسع من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية، ويضم أيضاً الولايات المتحدة الأمريكية، حملة عسكرية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين الذين طردوا الحكومة اليمنية من العاصمة صنعاء.
نشر القوات المرتزقة الأجنبية يعطينا لمحة استشرافية أيضاً عن مستقبل الحروب؛ فالدول العربية الغنية، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، تبنت في السنوات الأخيرة إستراتيجية عسكرية أكثر عدوانية في شتى أنحاء الشرق الأوسط، في محاولة لكبح جماح الفوضى التي أثارتها الثورات العربية التي بدأت في أواخر عام 2010، ولكن هذه الدول اضطرت للخوض في صراعات جديدة، سواء في اليمن أو سورية أو ليبيا، رغم أن جيوشها غير معتادة على خوض الحروب، وسكانها لا يميلون بشكل عام للانخراط بالخدمة العسكرية.
“المرتزقة هم خيار جذاب للدول الغنية التي ترغب بشن حرب رغم أن مواطنيها لا يرغبون القتال”، قال شون ماكفيت، وهو زميل بارز في مجلس الأطلسي ومؤلف كتاب “المرتزقة المعاصرين”.
“صناعة الجيوش الخاصة أصبحت صناعة عالمية اليوم”، قال ماكفيت، مضيفاً بأن الولايات المتحدة أسست “لشرعنة” هذه الصناعة من خلال اعتمادها الكثيف على المتعاقدين في خضم حروبها الطويلة في العراق وأفغانستان، “مرتزقة أمريكا اللاتينية هم مجرد بشائر لما ينتظرنا في المستقبل”، قال ماكفيت.
تم اختيار القوات الكولومبية الموجودة الآن في اليمن، من لواء يبلغ تعداده حوالي 1800 جندي من أمريكا اللاتينية، موجودون في قاعدة عسكرية إماراتية، حيث تم إيقاظ الجنود الكولومبيين في منتصف الليل لنقلهم وإعادة نشرهم ضمن اليمن الشهر الماضي، وأُخرجوا من ثكناتهم في الوقت الذي بقي فيه باقي زملائهم ضمن المعسكر، وتم تسليمهم لوحات اسمية معدنية ورتباً في الجيش الإماراتي في وقت لاحق، أما أولئك الذين بقيوا ضمن المعسكر، فيتم تدريبهم حالياً على استخدام قاذفات القنابل والمدرعات، وهي الأسلحة التي تستخدمها القوات الإماراتية حالياً في اليمن.
يوضح مسؤولون إماراتيون سبب تفضيل القوات الكولومبية بالذات دوناً عن باقي الجنود من أمريكا اللاتينية، لأن هؤلاء يتمتعون بمزيد من الخبرة في حرب العصابات، جرّاء الحروب التي خاضوها في العقود الماضية، حيث كانوا يقاتلون مسلحي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) في أدغال كولومبيا.
المهمة الدقيقة التي يضطلع بها المرتزقة الكولومبيون في اليمن لا تزال غير واضحة، حيث يشير أحد الأشخاص المشاركين في المشروع بأن انخراطهم بالعمليات القتالية المعتادة قد يستغرق أسابيعاً أخرى، ويأتي ذلك في سياق تقارير تحدثت عن انضمام مئات الجنود السودانيين الذين جندتهم المملكة العربية السعودية للقتال في اليمن كجزء من قوات التحالف.
بالإضافة إلى ذلك، ذكر تقرير للأمم المتحدة مؤخراً مزاعماً تشير إلى تجنيد نحو 400 جندي من أريتريا ضمن بعثة الجنود الإماراتيين إلى اليمن، وفي حال تبين صحة هذه التقارير، فإن ذلك سيشكل انتهاكاً واضحاً لقرار الأمم المتحدة بتقييد الأنشطة العسكرية الأريترية.
الولايات المتحدة تشارك أيضاً في الحملة التي تقودها السعودية في اليمن، حيث توفر الدعم اللوجستي، بما في ذلك إعادة التزود بالوقود جواً لطائرات دول التحالف التي تنفذ ضربات جوية في اليمن، كما أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية فريقاً إلى المملكة العربية السعودية لتقديم معلومات استخبارية لجيوش التحالف يتم استخدامها بانتظام لتنفيذ الغارات الجوية.
وفي ذات السياق، وافقت إدارة أوباما أيضاً في السنوات الأخيرة على صفقات بيع بمليارات الدولارات لعتاد عسكري لصالح جيوش المملكة العربية السعودية والإمارات، وهي المعدات التي يتم استخدامها اليوم في الصراع اليمني، وفي هذا الشهر تحديداً، وافقت الإدارة الأمريكية على طلب سعودي بقيمة 1.29 مليار دولار لشراء آلاف القنابل لتجديد المخزونات السعودية التي استنزفت جرّاء الحملة في اليمن، علماً أن المسؤولين الأميركيين يقولون بأن وصول هذه القنابل إلى السعودية سيستغرق شهوراً، لذا فإنها ليست مرتبطة بشكل مباشر بالحرب على اليمن.
تلقت الحملة الجوية السعودية انتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان لسوء تخطيطها وتنفيذها، كون الضربات تستهدف المدنيين اليمنيين وعمال الإغاثة في البلاد دون تمييز؛ ففي الشهر الماضي، ضربت الطائرات السعودية مستشفى تديره منظمة أطباء بلا حدود في محافظة صعدة في شمال اليمن، وفي أواخر سبتمبر ذكرت الأمم المتحدة أن 2355 مدنياً قتلوا جرّاء الحملة منذ بدئها في مارس الماضي.
على الجانب الآخر من النزاع اليمني تقبع إيران، التي قدّمت على مدى السنوات السابقة دعماً مالياً وعسكرياً كبيراً للحوثيين، الجماعة المتمردة الشيعية التي تقاتل تحالف الدول السنية بقيادة السعودية، حيث تعمل الجماعات المنقسمة ضمن الصراع اليمني تحت قشرة الصراع الطائفي، رغم أن القوات الإماراتية في جنوب اليمن تقاتل أيضاً عناصر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو ذراع تنظيم القاعدة الإرهابي السني داخل اليمن.
منذ وصولهم إلى جنوبي اليمن في أغسطس الماضي، قُتل عشرات من قوات العمليات الخاصة الإماراتيين، حيث أدى هجوم صاروخي واحد في أوائل سبتمبر إلى مقتل 45 جندياً، جنباً إلى جنب مع عدد من الجنود السعوديين والبحرينيين.
وجود جيش المرتزقة من أمريكيا اللاتينية ضمن اليمن هو سر رسمي لدولة الإمارات المتحدة، حيث لم تشر الحكومة الإماراتية في أي تصريح علني عن نشرها لهذه القوات في اليمن، ومن جهته رفض يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن، التعليق على الموضوع، وبدوره رفض المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على التدخل الأميركي في الصراع باليمن، التعليق على الموضوع أيضاً.
تم تكليف جيش المرتزقة الذي أسسته الإمارات ببعض المهام التي تتخذ طابعاً محلياً إماراتياً بشكل عام، كحراسة خطوط الأنابيب والبنى التحتية الأخرى الحساسة، أو إخماد أعمال الشغب في المخيمات المترامية الأطراف التي يعيش ضمنها العمال الأجانب في الإمارات، وذلك وفقاً لوثائق الشركات والمسؤولين الأميركيين وعدد من الأشخاص المنخرطين في المشروع.
يشير تقرير استخباراتي صادر عن كبار القادة عام 2011 ومتعلق بالمشروع الإماراتي، بأنه تم إدراج تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، القراصنة الصوماليين، وأعمال الشغب المحلية، كأكبر الأخطار التي تهدد الاستقرار الإماراتي.
كما تشير المصادر بأنه قيل للقوات الأجنبية بأنه قد يتم تجنيدهم يوماً ما لمهام قتالية خارجية، ولكن بغض النظر عن تجنيدهم في اليمن، كانت البعثات الخارجية الوحيدة التي تم تكليفهم بها قبل ذلك هي حراسة سفن الشحن التجارية.
يصف الجنود المشاركون السنوات التي قضوها بالرتابة والملل ضمن المخيم الصحراوي الذي يقع في مقر داخل قاعدة عسكرية إماراتية مترامية الأطراف تسمى بمدينة زايد العسكرية، حيث يتضمن الروتين اليومي الاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحاً لممارسة الرياضة وتلقي بعض التدريبات العسكرية، بما في ذلك تمرينات الرماية والملاحة ومكافحة الشغب، ويشير المشاركون إلى وجود عدد من الغربيين ضمن المعسكر، بما في ذلك العديد من الأميركيين، الذين يعملون كمدربين للقوات الأمريكية اللاتينية.
بحلول الظهيرة، تصبح حرارة الشمس ضمن المجمع الصحراوي حارقة، لذا يتم إدخال القوات إلى صفوف مكيفة لمتابعة تلقي التدريبات العسكرية.
بشكل عام، يعيش الجنود ضمن الثكنة حياة عسكرية متقشفة، حيث يضطرون لتعليق ملابسهم على النوافذ لتجف تحت حرارة الهواء الملتهبة، وهناك غرفة كمبيوتر عامة يمكن لهم استعمالها للتحقق من بريدهم الإلكتروني وتصفح الفيسبوك، ولكن لا يسمح لهم بنشر الصور على مواقع وسائل الاعلام الاجتماعية.
الوجبات التي تُقدم للقوات بسيطة للغاية، حيث يقول أحد المشاركين في المشروع: “نأكل ذات الطعام في كل وقت من كل يوم، الدجاج في جميع الأوقات”.
أنفق الإماراتيون الملايين من الدولارات لتجهيز القوات بالأسلحة النارية، العربات المدرعة، نظم الاتصالات، وتكنولوجيا الرؤية الليلية، ومع ذلك، نادراً ما يزور القادة الإماراتيون المخيم، وعندما يفعلون ذلك، تقوم القوات بعرض عسكري تكتيكي، كالقفز من طائرات الهليكوبتر وقيادة عربات الكثبان الرملية المدرعة.
حتى الآن، يبدو بأن السبب الذي يقف خلف بقاء قوات المرتزقة ضمن خدمة الإمارات هو المال، حيث يتقاضى المجندون هناك مرتبات تتراوح بين الـ2000 إلى 3000 دولار شهرياً، مقارنة مع حوالي 400 دولار في الشهر في حال كانوا يعملون في كولومبيا، ووفقاً لأحد المشاركين في المشروع، وهو ضابط عسكري كولومبي سابق، فإن الجنود الذين وُظفوا في اليمن سيتلقون مبلغاً إضافيا قدره 1000 دولار أسبوعياً.
تم تدريب المئات من القوات الكولومبية في دولة الإمارات منذ بدأ المشروع في عام 2010، وهذا العدد كان كبيراً للغاية لدرجة دفعت الحكومة الكولومبية لمحاولة التوصل إلى اتفاق مع المسؤولين الإماراتيين لوقف تدفق الكولومبيين إلى الخليج الفارسي، حيث اجتمع ممثلون عن الحكومتين، ولكن لم يتم توقيع الاتفاقية.
يتم تجنيد معظم الجنود السابقين في كولومبيا من قبل شركة غلوبال انتربرايزس (Global Enterprises)، وهي شركة كولومبية يديرها قائد العمليات الخاصة السابق أوسكار غارسيا باتي، وهو قائد لواء القوات الكولومبية في دولة الإمارات، ويشارك ضمن القوة التي تم نشرها حالياً في اليمن.
يشير ماكفيت بأن الهجرة المستمرة والمطردة للقوات الأمريكية اللاتينية إلى الخليج الفارسي خلقت حالة من “شح البنادق” في الوقت الذي تحتاج فيه بلدان أمريكا اللاتينية للجنود لتسخيرهم في المعركة ضد عصابات المخدرات، ولكن يشير خبراء في الشأن الكولومبيي، بأن وعود الحصول على المزيد من الأموال في حال القتال لصالح الإمارات، وهي الأموال التي يرسل المجندون أغلبها إلى أسرهم في كولومبيا، تجعل من الصعب للغاية إقناع الجنود للبقاء في أرض الوطن.
“هذه العروض الرائعة، التي تتضمن رواتباً مرتفعة وتأميناً شاملاً، تستقطب اهتمام أفضل جنودنا”، يقول خايمي رويز، رئيس جمعية مقاتلي القوات المسلحة المتقاعدين في كولومبيا، ويضيف: “الكثير من الجنود تقاعدوا وغادروا نحو الإمارات”.
المصدر: نيويورك تايمز