أفرزت الحرب القائمة بين التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن ومليشيات الانقلاب ومعها الوحدات الموالية للرئيس السابق علي صالح، قوى جديدة على الساحة مستغلة الدعم الخليجي لكل من يقف في صف الشرعية، ومن هذه القوى الحركة السلفية – جماعة أهل السنة – التي كانت متواجدة في دماج بمحافظة صعدة كوجود رئيسي وفي بعض المحافظات كوجود تمثيلي للجماعة.
جماعة أهل السنة عرف عنها رفضها للحزبية وللسياسة والديمقراطية وتمسكها بالولاء للحاكم وتجريم الخروج عليه كموروث ديني لم تغادره الجماعة كما فعلت الحركات الدينية الأخرى.
الجماعة السلفية تم تهجير قيادتها وأكثر من عشرة آلاف فرد من عناصر الجماعة دماج في صعدة ومناطق أخرى في صعدة وعمران وذمار وتحولت صنعاء وتعز إلى حاضن لهذه الجماعة.
في ذمار وتحديدًا معبر التي فيها مركز مهم للسلفية أشبه بمركز دار الحديث في دماج أبرم زعيم الجماعة هناك محمد الإمام اتفاقًا مع الحركة الحوثية بعدم الاقتتال أو التعرض لأي من أفراد الجماعتين، ووقع الاتفاق محمد الإمام زعيم الجماعة ويوسف الفيشي ممثلاً لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي.
وكان زعيم سلفية معبر قد ارتكن جانبًا ولم يشارك في حرب الحوثيين والسلفيين بدماج ورفض الإفتاء بنصرة أهل دماج وترك الباب مفتوحًا لمن يريد أن يقاتل من تلاميذه مع الجماعة ضد الحوثيين في الحرب التي انتهت بتهجير السلفيين عام 2013.
في تعز تشكلت كتلة سلفية كبيرة بقيادة أحد طلاب دماج هو عادل عبد فارع “أبو العباس”، والذي جمع حوله كتائب مقاتلة أثبتت حضورًا مهمًا في الميدان مكنها من الحصول على دعم خليجي مباشر بعد أن كان الدعم للسلفيين يأتي عن طريق قيادات في حركة الإخوان المسلمين التي تعد غريمًا للسلفية.
اشتراك الجماعة السلفية فرع تعز “كتائب أبو العباس” جاء باجتهاد من أبي العباس وبعض قيادات الحركة رغم أن زعيم السلفية في اليمن الشيخ يحي الحجوري لم يكن يحبذ القتال من قِبل أتباعه في الحرب الحالية وهو اجتهاد ناقض كليًا اجتهاد الشيخ محمد الإمام في معبر الذي رفض القتال ضد الحوثيين، وهذان الموقفان يظهران تحول مهم في مسيرة الحركة السلفية التي ظل قادتها من شيوخ العلم يميلون للعلم الشرعي وطلبه أكثر من أي نشاطات أخرى سياسية كانت أو خيرية أو اجتماعية أو عسكرية.
أبو العباس شكلت جبهته في تعز تحولاً هامًا داخل الحركة السلفية؛ حيث أصبح لديه ما يشبة جناحًا عسكريًا متكاملاً بعد أن كانت السلفية ترفض بشدة تأسيس كيان عسكري رغم وجودها داخل محيط معادٍ لها في صعدة ومحيط عام لا يرى في السلفية صديق مرحب به نظرًا لتباينات جوهرية في التوجهات والرؤى.
في تعز بدأت عناصر السلفية تقاتل كمجاميع معتمدة على دعم ذاتي ماليًا ودعم بسيط بالسلاح والذخيرة من قِبل التحالف عبر قيادات المقاومة في محافظة تعز، غير أن هذا تغير كليًا وتحولت السلفية إلى كيان عسكري منظم يقاتل بمهنية وشراسة ملحوظة مكنت السلفيين من التحول إلى حديث الساعة في محافظة تعز.
استطاع السلفيون تحرير مناطق مهمة وطرد الحوثيين من مواقع إستراتيجية في تعز كقلعة القاهرة، إدارة الأمن، قصر الرئيس السابق علي صالح، والأمن السياسي وهذه المواقع كانت من أهم نقاط تمركز المليشيات الحوثية في مدينة تعز.
وبعد 6 شهور من الحرب في تعز فرض السلفيون أنفسهم في الجبهة الشرقية التي تمتد من حي المرور إلى الجحملية وثعبات نقاط التماس مع مليشيات الحوثي حاليًا، وأقام أبو العباس مراكز شرطة وقضاء للفصل في المنازعات بطريقة حظيت بقبول كبير داخل محافظة تعز نظرًا لنزاهة القائمين على هذه المرافق.
نجاحات السلفيين تجاوزت العمل العسكري ووصلت إلى أعمال أخرى؛ حيث نجح أبو العباس وجماعته في كسر حصار الماء على تعز الذي فرضته المليشيات الحوثية، فقام بتشغيل مشروع مياه صينة ووفر مولدات طاقة كبيرة ومستلزمات تحلية وتكليف أتباعه بإدارة عملية توزيع مياه الشرب مجانًا لكل أحياء مدينة تعز المحاصرة عبر خزانات مياه في الحواري، إضافة إلى توزيع مياه الاستخدام اليومي لكل الأحياء أيضًا وعبر آلية دقيقة قوبلت بترحيب كبير بأداء الحركة السلفية كجبهة مقاتلة وكدور مجتمعي فعال.
خطوات الحركة السلفية بقيادة أبو العباس القائد الشاب الذي كان لاعب كرة قدم في نادي الصقر دفعت دول التحالف إلى فتح خط اتصال مباشر بأبي العباس ووفرت له دعم مالي وعسكري دون الرجوع إلى قيادات المقاومة في تعز التي تنتمي لحزب الإصلاح وأبرزها الشيخ حمود المخلافي والعميد صادق سرحان.
أبو العباس تلقى دعوة لزيارة عدن والتقى مندوب إماراتي رفيع والتقى أيضًا بمسؤولين سعوديين خارج اليمن كما تقول المعلومات، وفتحت اللقاءات الباب واسعًا لدور محوري للحركة السلفية في تعز أثناء معركة تحرير تعز وبعد التحرير.
وقبل أيام قليلة خرج وزير الدولة للشؤن الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة بتصريح صحفي هاجم فيه حركة الإخوان المسلمين ممثلة بحزب الإصلاح، واتهم الإصلاح بالتآمر وتعطيل عملية تحرير تعز، وفي ذات التصريح أشاد بالجبهة الشرقية ودورها القتالي والجبهة الشرقية هي جبهة أبو العباس السلفية وهو تحول إماراتي مهم في الخطاب السياسي تجاه المكونات اليمنية الفاعلة ودفعة مهمة للحركة السلفية ستضعها في رأس قائمة القوى الفاعلة والمؤثرة والمسنودة بدعم خليجي مهم وكبير.
موقف الإمارات الثابت من حركة الإخوان المسلمين ومخاوف الخليج من توسع حضور الجماعات المتطرفة في اليمن مثل القاعدة وداعش دفع القيادة الإماراتية وربما بموافقة سعودية إلى البحث عن كيان جديد يتحرك في المساحة الواقعة بين الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش وهذا الكيان هو الحركة السلفية التي وجد الخليجيون فيها كثير من الصدق وعدم التلوث بغبار الحركات المسيسة.
وستكون المعادلة في تعز مستقبلاً مواصلة قوى اليسار تراجعها الكبير وتموضع الإخوان المسلمين في صف المملكة العربية السعودية والامتثال لتوجهات الرياض وتمركز الجماعة السلفية في صدر النشاط الديني لسحب البساط من تحت أقدام تنظيم القاعدة وتنظيم داعش الذي يسعى بقوة لتسجيل حضور قوي في محافظة تعز.
ويجب الإشارة ختامًا هنا إلى أن قوى اليسار التي كانت دومًا وجه تعز فشلت في استثمار الظرف القائم وسجلت رقم ضعيف؛ مما دفع دولة الإمارات التي كانت تنتظر قوة فاعلة منافسة للإخوان المسلمين تحل بديلاً عن حزب صالح المؤتمر الشعبي العام أن تتجه للجماعة السلفية.