ترجمة حفصة جودة
كان إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية سوخوي صباح الثلاثاء مواجهة متوقعة الحدوث، هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها عضو للناتو بإسقاط طائرة حربية روسية منذ انتهاء الحرب الباردة، لقد أصبحت سوريا ساحة قتال فوضوية حيث تقدم قوى خارجية الدعم لفصائل مختلفة والذي يعد تدخلاً مباشرًا بشكل متزايد في حرب أهلية بالبلاد، إذ تقوم القوات الجوية لروسيا وأمريكا وفرنسا بقصف أهداف في سوريا بقليل من التنسيق المثير للقلق.
قامت تركيا تحديدًا بإرسال تحذيرات متكررة لروسيا لإبعاد طائراتها عن حدودها مع سوريا وذلك عقب تسلل إحدى الطائرات الروسية في أكتوبر، فبينما تقوم روسيا بدعم نظام بشار الأسد الذي لا يخفى أن تركيا لا ترغب في وجوده وتقدم من جانبها الدعم لفصائل المقاومة السنية.
وفي الرابع والعشرين من نوفمبر أعلنت القوات المسلحة التركية أن طائرة مجهولة تم اعتراضها من قِبل طائرتين إف 16 وتم تحذيرها عشرة مرات خلال خمس دقائق لمغادرة الأجواء التركية، وبعد أن تجاهلت التحذيرات تم إسقاطها، بعدها بقليل أعلنت روسيا أنها فقدت إحدى طائراتها مؤكدة على قدرتها على إثبات أنها كانت في المجال الجوي السوري في هذا الوقت، وتشير مقاطع الفيديو المنتشرة على الإنترنت أن الطياريّن هبطا من الطائرة بالباراشوت ولكن فصائل المقاومة السورية أعلنت أنها قتلتهما، وكان إسقاط الطائرة هي الحادثة الأولى من نوعها بين قوات مختلفة تشارك من جوانب متنوعة في الحرب الأهلية الوحشية والمعقدة في سوريا مما يسبب المزيد من تصاعد وتوتر الأوضاع.
تحدث فلاديمير بوتين بكلمات قليلة غاضبة واصفًا هذا الإسقاط بطعنة في الظهر بالتواطؤ مع داعش، وفي محادثاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مدينة سوتشي الروسية اتهم بوتين الحكومة التركية بحماية داعش في سوريا والسماح لتجارتها في النفط بالانتعاش عبر الحدود التركية، وتساءل يوتين بغضب “هل يريدون وضع الناتو في خدمة داعش؟”، وقد أصر أن الطائرة الروسية كانت تحلق فوق الأجواء السورية وأنها لم تشكل أي تهديد لتركيا، وقال بوتين محذرًا “لن نسامح أبدًا في مثل هذه الجريمة”، وأضاف أن نتائج ذلك سوف تكون وخيمة على العلاقات الروسية التركية.
بالرغم من غضب بوتين الواضح فمن غير المحتمل أن يكون هناك ردًا عسكريًا مباشرًا ضد تركيا، وبدلاً من ذلك فسوف يرد الكرملين بطرق غير متماثلة؛ فمشروع الطاقة المشترك بما في ذلك خط الأنابيت التركي المحتمل سيصبح قيد الانتظار، وبالنسبة لتركيا – التى تستورد حوالي 20% من طاقتها من روسيا – ستجد هذه الإمدادات في خطر كذلك، وقام وزير الخارجية الروسي سيرجي لافورف بإلغاء زيارته لأنقرة وطالب المواطنين الروسيين بتجنب السفر لتركيا تجنبًا لخطر الإرهاب المزعوم؛ مما يهدد عائدات السياحة التركية، وقد بدأت بالفعل شركات السياحة الروسية بإلغاء رحلاتها، وأيضًا ستقدم أرض المعركة في سوريا فرصًا للانتقام بالوكالة؛ فقد تتجه القاذفات الروسية للمزيد من التركيز مع فصائل المقاومة السورية التي لها علاقات مع تركيا، وكذلك قد تقدم روسيا المزيد من الدعم للقوات الكردية التي تكرهها أنقرة.
إسقاط الطائرة أيضًا يسلط الضوء على الأجندات المتصارعة في سوريا، فسيقوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بزيارة موسكو يوم الخميس ليجدد دعمه للتحالف ضد داعش عقب هجمات باريس في الثالث عشر من نوفمبر، وتريد فرنسا من الأسد البقاء بالرغم من إشرافه على قتل عشرات الآلاف من المدنيين، ولكن هولاند أوضح أن الأولوية الأكبر لدعم الحرب ضد داعش.
وفي هذه الأثناء التقي بوتين يوم الإثنين في إيران مع مرشدها الأعلى آية الله الخميني والرئيس حسن روحانى حيث أكدا على دعمهما للرئيس السوري المحاصر.
وبالنسبة لتركيا فإن إسقاط الطائرة كان نتيجة لشهور من الإحباط الشديد إزاء التدخل الروسي، وفي هذه الأيام ينصب غضب تركيا على الطيران الروسي الذي يضرب قرى تركمانية قرب الحدود التركية حيث تدعم هذه القرى ثوارًا من المعارضة، ويبدو أن الطائرة الروسية كانت في طريقها لقصف التركمان فقام مقاتلين تركمان بإطلاق النارعلى قائدي الطائرة.
يشعر الأتراك بقرابة تاريخية مع التركمان، وتقوم وسائل الإعلام بتغطية قوية لأحوال حوالي 1500 لاجئ تركماني نزحوا إلى تركيا هربًا من الغارات الروسية، وفي العشرين من نوفمر استدعي الأتراك السفير الروسي وقال متحدث باسم الخارجية التركية “إن روسيا تقصف قرى تركمانية مدنية ولا تحارب الإرهاب”، وقام نشطاء قوميون بالاحتشاد تضامنًا مع التركمان، وفي الأسبوع الماضي حاول البعض رشق القنصلية الروسية بالبيض ولكن بدلاً من ذلك قاموا برشق القنصلية الهولاندية بطريق الخطأ والتى تحمل علمًا مشابهًا.
سواء كان أو لم يكن للتعاطف التركي مع التركمان دورٌ في إسقاط المقاتلة الروسية؛ فإن حلفاءها سيهتمون أكثر بمخاطر اللعب في سوريا، ومن المقرر أن يجتمع أعضاء الناتو يوم الثلاثاء في الخامسة مساءً بمقر المنظمة في بلجيكا، ويهدف معظم أعضاء الناتو إلى تهدئة الصراع بين تركيا وروسيا الذي أعطي تطورات لاداعٍ لها للوضع السوري المحير بالفعل، ولكن كلا الرجلين – بوتين وأردوغان – متغطرسيّن وسيكون من الصعب العثور على طريقة لحفظ ماء الوجه.
المصدر: إيكونوميست