تحدثت الأنباء بداية الاسبوع عن عزم حكومة حماس السابقة، القيام بخطوة نادرة وغير مسبوقة، تهدف إلى سداد مستحقات موظفيها المتراكمة على كاهلها منذ فترة طويلة، وذلك عن طريق تزويدهم بمساحات من الأراضي الحكومية – المستوطنات الإسرائيلية السابقة-، والتي تم إخلاؤها، بناءً على خطة فك الارتباط مع قطاع غزة، والتي أسسها وعمل على تنفيذها رئيس الوزراء الإسرائيلي “أريئيل شارون” في صيف العام 2005.
تجيئ تلك الخطوة، بعد أن جابهت حماس، حيرة لا مثيل لها، بشأن كيفية التغلب على المشكلة، بعد وضوح عجزها عن تقديم رواتب مُنتظمة لأكثر من 40 ألف موظّف ما بين مدني وعسكري، وذلك نتيجة الحصار الثلاثي المفروض على القطاع، بدعوى أنه غاية في الضرورة.
فبالنسبة لإسرائيل، فإنها تعتبر حصارها يجيئ لوقف (الإرهاب) المنطلق من اتجاهه، باعتباره (كياناً مُعادياً)، يستهدف الوجود الإسرائيلي، ولعدم إعطاء الفرصة لحركة حماس، باتجاه تحقيق إنجاز ما، بالنسبة للسلطة الفلسطينية، ولاعتبارات مصريّة، بأن حياة حماس على حدودها الشرقية، تمثّل تهديداً صارخاً لأمنها القومي.
كانت رواتب الموظفين مدار جدلٍ وخلاف مع السلطة الوطنية وحركة فتح، حيث وقفت في كل مرة حائلاً، دون التوصل إلى اتفاق مصالحة وطنية، وربما وجدت حماس تلك الخطوة، كآخر فرصة لحل المشكلة، وفي ضوء قنوطها من أن ترى حلاً مقبولاً مع حكومة الوفاق، التي تم تصميمها بناءً على اتفاق الشاطئ، الذي تم التوقيع عليه في أواخر أبريل/نيسان 2014.
نقابة الموظفين هنا في القطاع، اعتبرت الخطوة إيجابية، لكن بالنسبة لموقف السلطة وحركة فتح تحديداً، كان مخالفاً وحادّاً أيضاً، والذي ارتكز إلى ردود فعل فصائلية رافضة لها جملةًً وتفصيلاً، خاصة تلك التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقد حذّرتا القريب والبعيد من تنفيذها، وقد لا يتطلب منا أن نكلّف أنفسنا في توقّع ما سوف تفعلانه، إذا ما أصرّت حماس على تحقيقها كأمرٍ واقعٍ.
فهما تعتبران أن الخطوة خطيرة وغير قانونية، ومجحفة على المستوى السياسي، وعلاوةً على أنها خطوة مؤذية لوحدة القرار، وتفتح المجال أمام التنظيمات الأخرى للسيطرة على مساحات من الأراضي، الأمر الذي سيلحق الضرر بالأجيال القادمة، فإنها – وكما تزعمان- بوجود فساد بداخلها، لاستنادها على تمييز سياسي، ولوضوح الفائدة التي ستعود على المقربين من الحركة، والأصل – لديهما- أن يجري البحث عن معالجة المشكلة استناداً لتفاهمات القاهرة والشاطئ وما جاء بالورقة السويسرية.
وبغض النظر عن موقف حماس من الورقة السويسرية، التي تعتبرها غير واضحة، ومن الصعب التعامل معها، فإننا لسنا وبأي حال، ضد أن ينال كل موظف – أي موظف- حقّه دون تأخير أو نقصان، وحتى قبل أن يجف عرقه، ودون النظر إلى فكره أو انتمائه، وبخاصة موظفي حماس، والذين لا يحصلون سوى على كميّات ضئيلة، وعلى أوقات متباعدة، من رواتبهم المنصوص عليها، لكن هذا لا يُلغي أننا بصدد ملاحظات يجب نشر -عددٍ منها-، بغية التنبيه والفائدة وحسب، وهي ليست إلاّ من باب الإحسان.
ومن أهمها: أن هذه الخطوة، لا تحسم المشكلة بكاملها وحتى النهاية، وفي حال استمر الحصار، واستمرت الأوضاع السياسية والمالية على هذا النحو، ففي كل عام سنعود إلى حلول الأرض، وهذا غير مجدٍ بتاتاً، سيما وأن مساحة القطاع قليلة جداً- 360 كم2- ومكتظّة بالسكان-1,7 مليون شخص-، بمعنى أنها لا تسمح بتوزيع الأراضي على هذه الشاكلة، سيما وأن الأراضي المنوي التوزيع منها، لا تُشكل سوى نسبة 15% فقط من مجموع تلك المساحة.
كما وأن من شأنها، تأجيج الخلافات وتوسيع دائرة الانقسام مع السلطة الفلسطينية، وحركة فتح بشكلٍ خاص، اللتان بالكاد تتفقان مع حماس حول خطوة ما، وبالتالي ستؤثر على سلامة أيّة تفاهمات فائتة، بشأن المصالحة المتعطلة أصلاً، أو أي محاولة للتقريب باتجاههما، وبلا ريب ستحقق فرصاً أكبر لنمو عقبات إضافية، توضع في طريق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، سيما وأن الخطوة لديهما، تُظهر بأن حماس لا تعترف بحكومة المصالحة الحالية، أو تتجاهل نشاطاتها على الأقل.
ومن الممكن أن تزداد أخطار أن يتجدد الخلاف، ليأخذ أبعاداً غامضة، قد تنعكس سلباً على جهود تعمير القطاع، الذي لا يزال يئن تحت وطأة الدمار الحاصل، بفعل العدوان الإسرائيلي (الجرف الصامد) في صيف العام الماضي، وفي ضوء أن مساعدات الإعمار تمرّ من رام الله بالضرورة، ناهيكم عن أن هناك إمكانية، أن تتلقّي حماس استصعاباً آخر، بشأن قدرتها في أن تعرض ولو انجازاً واحداً، يمكنه التغطية على هذه الخطوة مستقبلاً.
إن المساحة المقترح توزيعها على الموظفين، تقع على منطقة رملية ثمينة، فهي تُعدّ الثروة الذهبيّة للقطاع، من حيث استخدامها في البناء وتخليط التربة الزراعية (الطينية)، ولاعتبارها الخزان الأكبر لمياه الأمطار، خاصة وأن القطاع يواجه بصعوبة ندرة المياه الباطنية، وصعوبة أكبر في مواجهة غزو المياه المالحة له من اتجاه البحر، وفي حال البناء عليها أفقياً، سيكون على حساب المساحة المتصاغرة تلقائياً كلما مرّ الزمن.
الخطوة لن تكون في صالح السواد الأعظم من المستفيدين، وخاصةً الذين سيتخلّون عن نصيبهم من الأرض من خلال مبادرتهم للبيع وبأقل سعر، بسبب أنهم مضطرّون إلى سداد ما تراكم عليهم من تكاليف معيشية ومصلحية أخرى، لصالح السماسرة والتجار وأصحاب رأس المال، الذين لا يهمّهم سوى نصب الكمائن، ولا يحفُلون إلاّ بالأرباح السمينة، وهذه خسارة أخرى، ربما لم تخطر على البال.