لا يزال الفيلم الوثائقي العراقي ، بسيطا في استثماره كأداة مهمة لرواية الحكاية العراقية ، فنحن لم نروِ لحظات كثيرة لحياتنا ولتاريخنا الحديث ، بخلاف السينمائيين الوثائقيين في الدول المجاورة العربية وغيرها ، ..
هناك الاف اللحظات في تاريخ العراق الحديث التي ما زالت تحتاج إلى صياغتها على الطريقة الوثائقية ، فمن عشرينات القرن الماضي وإلى يومنا هذا ، مر العراق بكثير من المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ، بدءاً من شكل الدولة ونظامها والسلطة المتحكمة، فقد مر على العراق البريطانيون وبعدها خاض العراق التجربة الملكية وانتقل للجمهورية ، وحكمها عبد الكريم قاسم وصدام حسين ، إلى ان وقع العراق مرة اخرى تحت الاحتلال ولكنه على يد الامريكيين هذه المرة ، لننتهي اليوم في حقبة معقدة جدا تسمى ” زمن داعش ” !
مع كل تلك المتغيرات والاحداث ، هناك الاف القصص تنتظر من يوثقها ، يعيد شريطها ، فلا بد من خطوة جريئة وسريعة لتطوير هذا الفن في العراق ، لأنه ما زال يحبو ، فالتجارب الناجحة هي قليلة جدا ، وعندما تدقق في اسماء فريق عمل تلك التجارب ، فإنك ستكتشف أن نصف الفريق هو ليس عراقيا !
وعندما تدقق وترصد القنوات المتخصصة بالأفلام الوثائقية سواء أكانت عالمية أو عربية وكذلك العديد من المكتبات الوثائقية على اليوتيوب بشكل خاص والانترنت بشكل عام ، سترى أن ما قيل أعلاه صحيح ، فهناك الكثير من الأفلام المصرية ، السورية ، الأردنية ، اللبنانية ، التونسية ، الفلسطينية وغيرها ، وقليل من الأفلام العراقية ، فمسح خفيف عن الأفلام التي تتحدث عن السيرة الذاتية على سبيل المثال ، ستجد ان هناك غيابا للشخصية العراقية ، الشخصيات التي كانت لها بصمات في بلاد الرافدين والتي احتفي بها عالميا ، لكن صورها غابت في شريط السينما الوثائقية .. !
هناك بعض المحاولات الجيدة ، التي نجدها هنا وهناك عند منتجين مستقلين وبعض الشركات ، لكنها ما زالت محاولات قليلة جدا قياسا بالسوق الوثائقي العربي والعالمي ، واقتصرت على المشاركة في المهرجانات دون أن تبث للجمهور في شاشات السينما او من خلال شاشات التلفاز.
أما في ظل وجود القنوات المحلية الكثيرة فإن هناك الكثير من الأفلام لكنها تفتقد إلى الاحترافية سواء من ناحية السيناريو او من ناحية التصوير ، فهي ما زالت لا ترقى للترويج العالمي والعربي ، وصنعت بشكل تجاري هو أقرب للتقرير الخبري من الفيلم الوثائقي!
شبكة الاعلام العراقي افتتحت قبل فترة قناة اسمتها (العراقية الوثائقية) ، لكن المتابع للقناة لا يزال يرى ان العمل ما زال في طفولته ، بالاعتماد على أفلام وثائقية قديمة انتجت اجنبيا ..
إذا ما العمل ؟ هل نستمر على هذا المنوال ؟ ، بالتأكيد كلا ، الفرصة كبيرة اليوم لكل صناع الأفلام أن يجتهدوا في نبش الحكايات ، الصغيرة والكبيرة ، الحديثة والقديمة ، لنريها لأنفسنا وللعالم ، بالإضافة الى ذلك على صانع الأفلام العراقي أن يعيد الثقة بالمنتج العراقي للعالم ، فعلينا جميعا أن نرتقي مع التحولات الكبيرة في العالم في صناعة الفيلم الوثائقي من حيث أسلوب الرواية وكذلك التقنيات البصرية والصوتية المستخدمة في الإنتاج ، علينا أن نتخلى عن الرؤية التقليدية ، وهذا لن يأتي إلا بالمشاهدة اليومية للأعمال العالمية ومحاولة تقليدها ، ومن ثم الانتقال للابتكار ووضع البصمات الجديدة في هذا العالم .
قبل مدة ، جاءت صحفية هولندية الى العراق وبقيت فيه لمدة شهر تجمع القصص وتصورها ، وعندما عادت إلى بلدها قالت لصديق لي أنها جمعت مادة ستجعلها تعيش لأشهر عديدة بالمردود المادي الذي سيعود عليها ، فإذن، هناك الاف الحكايا عندنا كان الأحرى بنا اكتشافها وإظهارها بدلا من الصحفية الهولندية !
الأمر الآخر والمهم ، على وزارة الثقافة ومن خلال تنسيقها مع الكثير من الجهات الامنية وغيرها ، محاولة تسهيل عمل صناع الأفلام في العراق ، فما زال صانع الأفلام والمنتج العراقي يرى صعوبة في تصوير فيلمه من خلال الكثير من العقبات والتقييد الذي يواجهه أثناء تنفيذه لعمله ، من خلال منعه من التصوير في مكان ما أو رفض التعاون معه ، وكذلك ينقصنا اليوم في العراق ، تنظيم مهرجانات دورية ومتعددة حتى لو كانت على مستوى صغير للأفلام الوثائقية ، تشجع الكثير من الصناع على إنتاج أفلامهم ، وتكون بابا للنقاش وتبادل الخبرات والاراء وورشة عملية للإرتقاء بهذا الفن الذي ينتمي للسينما .!
هي لمحة قصيرة وخواطر أردت أن اطرحها لكم ، علّها تكون بابا لإثارة الجدل حول هذا الموضوع ، لتحريك الماء الساكن والمضي في هذا الطريق .
المصدر: جريدة المدى