ترجمة وتحرير نون بوست
كتب سيمون هوبر وبلال عبد الكريم:
اتهم أب سوري الجيش الأميركي بمحاولة التستر على مقتل ستة من أبنائه وإصابة شخصين آخرين من عائلته، جرّاء غارة جوية لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.
أثناء وقوفه وسط أنقاض منزله السابق، تحدث معاوية العموري لصحيفة ميدل إيست آي موضحاً بأن ستة من أطفاله، الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أشهر و 10 أعوام، وثلاثة أقارب لاجئين يعيشون في منزله، لقوا حتفهم في الهجوم الذي وقع قرب قرية أطمة، وهي بلدة قريبة من الحدود التركية، بتاريخ 11 آب.
“طائرات التحالف قصفت منزلي بستة صواريخ، دمروا بيتي ومات أطفالي، كما قتل ثلاثة أقارب لاجئين من بلدة أريحا كانوا يسكنون في منزلي جراء قصف الطائرات”، قال العموري.
أكدت القيادة الوسطى الأمريكية بأن التحالف نفذ غارة جوية في المنطقة كجزء من حملته ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وباشرت القيادة تحقيقاً للتقصي في وقوع أي ضحايا من المدنيين، بعد صدور تقارير في وسائل الإعلام تتحدث عن سقوط مدنيين نتيحة للغارات، حيث كان الحادث موضوع تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة مراقبة مقرها المملكة المتحدة.
ولكن في رسائل البريد الإلكتروني الأخيرة، قال لنا المتحدثون العسكريون بأن التحقيقات خلصت إلى أن مزاعم وقوع ضحايا من المدنيين “لا أساس لها”، مؤكدين أن الغارة استهدفت “منطقة تجمع” عناصر داعش، حيث قال كايل رينز المتحدث باسم القيادة الوسطى: “بعد مراجعة دقيقة، تستند إلى أفضل الأدلة المتاحة، تقرر بأن مزاعم وقوع ضحايا من المدنيين جرّاء غارة قوات التحالف لا أساس لها، وتم اعتبارها غير موثوقة”.
ولكن مع ذلك يشير العموري، الذي لم يكن حاضراً في المنزل حين وقوع الغارة، بأن خمسة من بناته قتلن نتيجة لها، فاطمة (10 أعوام)، حياة (9 أعوام)، أمينة (7 أعوام)، آسيا (5 أعوام)، ومروة (4 أعوام)؛ وكذلك ابنه عبد الله البالغ من العمر 10 أشهر فقط.
عبد الله العموري، 10 أشهر، قُتل جرّاء غارة طائرات التحالف على أطمة
وأفادنا العموري أيضاً بأسماء أعضاء الأسرة اللاجئة في منزله الذين قتلوا جرّاء الغارة، وهم أم توفيق وابنها يوسف ياسين (25 عاماً) وابنتها فاطمة ياسين (17 عاماً).
تم انتشال الطفلين المتبقيين من عائلة العموري، وهما علي (5 سنوات) وناريمان (سنتين)، من تحت الأنقاض، حيث أصيبا بجروح خطيرة، كما عانت زوجة العموري أيضاً من إصابات بالغة بما في ذلك كسر في الذراع والساق.
يشير العموري إلى أن ابنه علي احتاج لعدة عمليات لمعالجته من إصابات الرأس، وقضى نتيجة لذلك حوالي الشهر في المستشفى، في حين أن ابنته لم تعد قادرة على المشي، كما أصيبت بالعمى، ولم تعد قادرة على الكلام.
“لقد كانت تمشي وتتكلم، لم تكن تعاني من أي مشاكل، ولكن اليوم أصبحت كما ترى، لا أعرف ما الذي تعاني منه، إنها لا تتكلم، ولا ترى، ولا أعرف ما الذي يتوجب عليّ القيام به لأجلها”، قال العموري.
ورداً على سؤالنا حول الرسالة التي يريد توجيهها للذين يعتقد بأنهم نفذوا الهجوم على عائلته، قال العموري: “أود أن أقول بأن الله وحده هو الذي يجبر مصابنا، لم ننته من بشار الأسد، لتأتي قوات التحالف وتقصفنا، أنا أتهم التحالف وسأقاضيهم، فأنا مدني، وستة من أولادي قتلوا، ودمر بيتي، والآن لم يتبق لدي أي شيء”.
في ذات السياق، أخبرنا طبيب، لم يرغب بالكشف عن اسمه، كان على رأس عمله في مستشفى قريب في ليلة الضربة الجوية، بأنه عند سماعه لصوت الضربة، كان يخشى في البداية بأن الطيران قد استهدف المستشفى الذي يعمل به، لأن صوت الانفجار كان قوياً ومصماً للآذان.
“في حوالي الساعة 8.15 مساءً، سمعنا وشعرنا بانفجارات قوية” قال الطبيب، وأضاف: “بعد حوالي 15 دقيقة بدأت الإصابات بالوصول إلى المستشفى، حيث تم نقل الإصابات إلى ثلاثة مستشفيات، وتم نقل فاطمة ياسين إلى المستشفى الذي أعمل به، وتوفيت متأثرة بجروحها بعد وقت قصير من وصولها”.
من جهة أخرى، رفض العموري والسكان المحليين الآخرين مزاعم الولايات المتحدة التي تقول بأن داعش كانت موجودة في المنطقة.
رداً على سؤالنا لتوضيح الأهداف التي استهدفتها الغارة الجوية، قال المتحدث باسم القيادة الوسطى الرائد تيم سميث: “الهدف هو منطقة تجمع عناصر تنظيم داعش في المنطقة، بمحيط قرية أطمة، والضربة التي نفذها التحالف كانت ناجحة وحققت أهدافها”، وتابع موضحاً:”التحالف يقضي الكثير من الوقت وينفذ الكثير من عمليات البحث والتقصي لوضع الأهداف، ولضمان إحداث أكبر قدر من التأثير ضد داعش، وللتقليل من احتمالية سقوط ضحايا من المدنيين، ولا يوجد أي دليل يربط وقوع الضحايا أو الإصابات مع غارة التحالف الجوية”.
ورداً على ذلك يقول العموري: “تنظيم داعش لم يتواجد في هذه المنطقة منذ حوالي العامين، هذا بيتي، وهنا كنت أقطن مع أطفالي وبعض اللاجئين، وجميعنا مدنيون”.
تنظيم داعش لم يكن موجوداً ضمن المنطقة التي استهدفها التحالف
قالت مصادر من أطمة لصحيفة الميدل إيست آي، بأن عناصر تنظيم داعش دخلوا مسبقاً إلى أطمة، وأقاموا نقاط تفتيش فيها، أطلقوا النار على بعض السكان، وحاولوا الاستيلاء على المساجد المحلية، ولكن تم إجلاؤهم من المنطقة على يد الثوار المحليين في أوائل عام 2014.
ألمحت التقارير الأولية إلى أن هدف الغارة الجوية الرئيسي كان مبنى مجاور يُستخدم كمقر ومصنع للذخائر من قِبل مجموعة معارضة مسلحة منحدرة بالأصل من مدينة حمص، معروفة باسم جيش السنة، حيث أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل حوالي 10 مسلحين جرّاء الغارة، فضلاً عن القتلى من المدنيين.
ولكن توقير شريف، وهو عامل إغاثة بريطاني يعمل في مخيم للاجئين قريب أطمة، أخبر صحيفة الميدل إيست آي بأن جميع الضحايا الذين رآهم كانوا من المدنيين، حيث كان يعمل في منطقة تقع على بعد بضع مئات الأمتار من مكان سقوط الصواريخ، وساعد على انتشال الجثث من تحت الأنقاض بعد حصول الغارة.
“لم يُقتل أحد في مصنع الذخائر، ولم تقتل الغارة أي جندي أوفرد عسكري، المستودع يبدو كمستودع بشكل واضح، والمنزل يبدو كمنزل للمدنيين بشكل واضح أيضاً، لقد كان الطيران دقيقاً للغاية باستهداف هذا المنزل، ولم يتبقَ منه أي شيء على الإطلاق سوى الأنقاض”، قال شريف.
وتابع موضحاً: “حصلت الغارة عند غروب الشمس، واضطررنا للحفر طوال الليل لإخراج المصابين من تحت الأنقاض، حيث تم سحب آخر طفل من تحت الأنقاض في الساعة 5.30 صباحاً، لقد كنا نعمل في الظلام الدامس، واستخدمنا المشاعل لرؤية ما كنا نعمل عليه”.
أشار شريف أن السكان المحليين يجهلون سبب استهداف التحالف لمجموعة لا تنتمي لداعش أو لجبهة النصرة، وهي الجماعة السورية المتصلة بتنظيم القاعدة، والتي استهدفها التحالف مسبقاً، بما في ذلك غارة جوية في أطمة ذاتها وقعت في مارس الماضي.
“لم أسمع بهذه المجموعة، جيش السنة، حتى حصول الضربة،لم أكن أعرف أصلاً أنها كانت موجودة هنا في أطمة”، قال شريف، وتابع موضحاً بأنه علم في وقت لاحق بأن هذه الجماعة كانت تصنّع قذائف الهاون في أطمة وتوزعها على المجموعات المختلفة لاستخدامها ضد قوات الرئيس بشار الأسد.
أطمة والمنطقة المحيطة بها كانت آمنة نسبياً منذ بدء النزاع السوري في عام 2011، بسبب قربها من الحدود التركية مما حماها من الهجمات الجوية التي تشنها القوات الحكومية، ولذلك استقطبت المنطقة آلاف النازحين السوريين من مناطق أخرى في البلاد.
“لطالما عُرفت أطمة على أنها منطقة آمنة، ولكن الضربة الأخيرة لطيران التحالف خلقت شعوراً من الخوف” قال شريف، وأردف: “كثير من السكان المحليين يقولون بأن سبب استهداف الأميركيين لهذه المنطقة نابع من عدم رغبة أميركا بمساعدة السكان للجماعات الثورية، الناس أصبحوا خائفين اليوم من مساعدة الثوار، لأن سكان المنطقة يريدون فقط مكاناً ليعيشوا فيه بأمان”.
شكوك حول حيادية تحقيقات القيادة الوسطى
يبدو أن ردود القيادة الوسطى لصحيفة الميدل إيست آي تثير أيضاً عدة تساؤلات حول دقة التحقيقات في حادثة استهداف أطمة؛ ففي البداية، نفت القيادة تقارير الهجوم، ولكنها في وقت لاحق أكدته، وأوضحت بأن سبب الخطأ السابق ناجم عن أخطاء في تهجئة اسم البلدة.
ورداً على سؤالنا حول الأدلة التي اعتمدها المحققون وعمّا إذا كانوا قد سعوا للاتصال بالشهود في أطمة، أجابنا الرائد سميث: “عند مقارنة ما أفيد عنه بأنه تقارير لشهود عيان، صور من مكان الحادث، صور الضحايا في موقع الحادث، ومختلف الدلائل على وسائل الإعلام الاجتماعية وأشرطة الفيديو والصور التي تناولت مكان ضربة التحالف، وجد التقييم تناقضات كبيرة، والحقيقة الأكثر رسوخاً هي أنه لا يوجد صور تظهر الإصابات في موقع الاستهداف”.
تعليقاً على ذلك، قال وائل عليجي، المتحدث باسم الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لصحيفة الميدل إيست آي بأن الجيش الأمريكي لم يتواصل مع المنظمة رغم التقارير التي نشرتها الشبكة حول الهجوم، وأوضح بأنه متفاجئ بنفي القيادة الأمريكية للتقارير التي تثبت وقوع قتلى من المدنيين.
“إذا كانوا فعلاً قد باشروا تحقيقاً في هذا الحادث، فأتصور بأنه كان يتوجب عليهم أن يتواصلوا مع الأشخاص الذين أصدروا التقارير”، قال عليجي، وتابع: “نحن واثقون من أن الحادث ناجم عن ضربة للتحالف، لدينا فريق من الباحثين أجرى مقابلات وتحدث مع شهود العيان وضحايا الضربة، وهنا أحث السلطات الأمريكية لإظهار الدلائل حول التحقيق الذي قاموا به ونشر نتائجه ليحيطونا علماً بما يفكرون به”.
الجيش الأمريكي، الذي نفذ حوالي 95% من مجموع عدد الغارات الجوية في سورية، الذي ينوف عن الـ2800 غارة، منذ بداية عملية العزم المتأصل ضد قوات داعش في سبتمبر الماضي، لم ينشر حتى الآن سوى تقرير واحد يعترف به بوقوع ضحايا من المدنيين في سورية، حيث تم الاعتراف بمقتل طفلين بالقرب من منطقة حارم في محافظة إدلب في نوفمبر 2014.
ويوم الجمعة الماضي، قالت الولايات المتحدة أيضاً بأن أربعة مدنيين قتلوا في غارة جوية لقوات التحالف ضد نقطة تفتيش تقع بالقرب من الحضر في العراق.
في يوليو، وصف الجنرال تشارلز براون جونيور، القائد العام للحملة، عمليات قصف قوات التحالف بأنها “الأكثر دقة في تاريخ الحروب”، وبالمقابل، تم اتهام التحالف من قِبل مراقبين بقتل المئات من المدنيين في كل من سورية والعراق، فضلاً عن عدم التحقيق بشكل صحيح بالتقارير التي تشير إلى سقوط ضحايا من المدنيين.
جنيفر جيبسون، وهي محامية في منظمة ريبريف لحقوق الإنسان التي أطلقت حملة قانونية بالنيابة عن الضحايا المدنيين الذين سقطوا بغارات طائرات التحالف، دعت الولايات المتحدة إلى إطلاق “تحقيقات سليمة وعلنية حول عشرات التحقيقات ذات المصداقية التي تشير إلى وقوع ضحايا من المدنيين”.
“لقد رأينا هذا مراراً وتكراراً في خضم الحرب على الإرهاب، فالولايات المتحدة تشن حملة جوية (دقيقة) وتدعي بأنها لا تُحدث أي أضرار مدنية، ولكن مع ذلك، فإن الحقائق على الأرض ترسم صورة مختلفة، صورة توضح التقارير والمعلومات الاستخباراتية الخاطئة، التي تحطم حياة الأفراد والمجتمعات، وتتركهم بدون أي مكان يحصلون منه على إجابات شافية”، قالت جيبسون للميدل إيست آي.
وتابعت موضحة: “الحقيقة هي أن الولايات المتحدة ليس لديها ببساطة أي فكرة عن الأشخاص الذين تقتلهم، وانعدام الشفافية هي السمة المميزة لنهج مكافحة الإرهاب الأمريكي، الذي يتضمن إطلاق الصواريخ بناء على معلومات إستخباراتية خاطئة ومضللة، بدون الخضوع لأي مساءلة أو محاسبة”.
المصدر: ميدل إيست آي