ترجمة وتحرير نون بوست
في مقال نشر في صحيفة المونيتور الشهر الماضي، لفت الصحفي الإيراني، سعيد جعفري، الانتباه إلى الارتفاع المزعوم للـ”التوترات العرقية الفارسية-العربية”، وبالتأكيد، وكما هو الحال مع أي منطقة أخرى، الشرق الأوسط يتمتع بنصيب لا يستهان به من العنصريين، ولكن باعتباري إيراني من أصل آذري (مجموعة عرقية ناطقة بالتركية يعيشون بشكل رئيسي في جمهورية أذربيجان وأذربيجان الإيرانية)، فأنا أدرك جيداً الشوفينية التي يعبر عنها البعض في المجتمع الفارسي العرقي؛ ففي كثير من الأحيان، يشار إلى الأذريين بسخرية على أنهم “تورك إيخار”، أو الحمار التركي، من قِبل الأعضاء الأقل حظاً من الثقافة من المجتمع الفارسي، ولكي أكون صادقاً، يتبدا انزعاجي من انعدام الابداع في هذا النعت بشكل أكبر من التعصب الذي يعبر عنه، وفي هذه الأوقات، تتوارد الأخبار عن امتداد هذا التعصب ليشمل الأقلية العربية في إيران أيضاً.
ومع ذلك، لم يتبع مقال المونيتور نهج مناقشة صحيح، كما أنه كان متحيزاً بشكل واضح؛ فخلال كامل مقاطع المقالة، استخدم الجعفري، للأسف، كلمة “فارسي” كمرادف لكلمة “إيراني”، رغم أن الكلمة الأولى تشير إلى أحد المجموعات العرقية العديدة التي تقطن في إيران اليوم، وفي مناقشته حول العنصرية، تجاهل الجعفري التنوع العرقي في إيران واعتمد بشكل شبه كامل على التعليقات التي وُضعت على الإنترنت، من قِبل أشخاص مجهولين في كثير من الأحيان، لإثبات وجهة نظره حول “ردة الفعل العنيفة ضد العرب” التي تشهد اطرداً في إيران.
ربما لا يدرك الجعفري كيف تتكاثر التعليقات البغيضة على الإنترنت، وخصوصاً في حالة إخفاء هوية الكاتب، وهذا الاتجاه شائع لدرجة حثت علماء النفس لنعته باسم “تأثير الانترنت الكاشف”، وجنيفر جولباك، أستاذة علوم الكومبيوتر في جامعة ميريلاند، توضح هذا التأثير في مجلة سايكولوجي توداي بقولها: “نظراً لعدم اضطرار المعلقين لمواجهة عواقب أفعالهم، لأن تعليقاتهم تبقى مجهولة المصدر، فإنهم لا يترددون بالسماح لظهور النسخة غير المعروفة من أنفسهم”.
رغم وجود هذا التأثير الكاشف للإنترنت، إلا أن التعليقات التي استشهد بها الجعفري في مادته الصحفية، لا تعبر عن أي مدلول كاشف، كما لا تكشف عن أي عنصرية ما بين الفرس والعرب، على عكس ما كان يتوقع الجعفري إيصاله للقارئ؛ فتقريباً جميع التعليقات التي استشهد بها الجعفري كانت تنقد الحكومة السعودية، وهو الاتجاه الذي تصاعد بشكل طبيعي في الداخل الإيراني منذ حادثة التدافع المأساوي في منى في سبتمبر، والاعتداء الجنسي على مراهقين إيرانيين عائدين من العمرة في شهر أبريل من هذا العام، والكثير من التعليقات التي اقتبسها واستشهد بها لإثبات وجهة نظره كانت تنقد آل سعود على وجه التحديد.
ومع ذلك، الجعفري لا يرى غضاضة في إحداث النقلة اللامنطقية التي تتمثل بمساواة هذا النقد مع العنصرية المعادية للعرب بشكل عام، بمعنى آخر، ومن منطق الجعفري، أي انتقاد للرئيس أوباما هو تلقائياً انتقاد عنصري موجه تجاه السود، وأي انتقاد لسلفه، جورج بوش، هو انتقاد عنصري تجاه البيض، كما أن التنديد بغطرسة لاعب كرة القدم البرتغالي كريستيانو رونالدو يحمل معنى ازدراء كامل الشعب البرتغالي، وبالتأكيد، سأكون آذرياً منتقداً لنفسي ولأبناء جلدتي في حال انتقادي للرئيس الأذربيجاني إلهام علييف.
يخلص الجعفري في مقالته للإشارة إلى أن “العديد من الرسوم الكاريكاتورية التي تحمل معانٍ عنصرية انتشرت على الشبكات الاجتماعية، كالصور التي التقطت وجود تنبيهات تم لصقها أمام مداخل بعض المخازن، والتي تقول: يسمح بدخول الكلاب، ولكن ليس العرب”، إذا كان هذا صحيحاً، فإنه يعبّر بالتأكيد عن عنصرية مختلفة عن مجرد انتقاد حكومة ما، ولكن للأسف، لم يقدم كاتب المقالة أي دلائل على وجود هذه الرسوم أو التنبيهات العنصرية فوق مداخل المخازن، بل بدلاً من ذلك، يطلب الكاتب من القارئ أن يثق بكلمته، التي تعبر عن اطراد “الاتجاه” العنصري المعادي للعرب في إيران.
بطبيعة الحال، لا يأتي تركيز الجعفري على إثبات العنصرية الفارسية-العربية على حساب التحليل النقدي الذي تشتد إليه الحاجة حول العنصرية في إيران، بل يأتي على حساب تجاهل المقالة بشكل سافر لعنصرية المملكة العربية السعودية تجاه الفارسيين؛ فعنوان المقالة “صعود التوترات العرقية الفارسية-العربية”، يوحي بأن المؤلف ينوي معالجة العنصرية المعادية للعرب والمعادية للفارسية بشكل متساوٍ، ولكن نظرة خاطفة على المادة، تكشف لنا بأن ما لا يتجاوز عُشر هذه المادة فقط يتناول مشاعر العنصرية ضد الفارسيين، والحالة الوحيدة التي استشهد بها الكاتب لإظهار العنصرية ضد الفارسيين، أو دعونا نقول بالأحرى، العنصرية ضد إيران، لأن الكاتب يخلط ما بين هذين المكونين، تمثلت بانتقاد لاعب كرة قدم إيراني كتبها السعوديون على صفحات الإنترنت.
ولكن العنصرية في المملكة العربية السعودية أشد خطراً ووطأة مما قد توحي به بعض التعليقات المنتقدة على صفحة إينستاجرام للاعب كرة قدم إيراني؛ ففي الواقع، الاستطلاع الوحيد الذي أجرته مؤسسة استطلاع القيم العالمية والذي شمل كل من الإيرانيين والسعوديين، كان في الفترة الممتدة ما بين 1999و 2004، حيث أشارت النتائج أن حوالي 38% من السعوديين لا يرغبون بالعيش مع جيران من عرق مختلف، وفي المقابل، 24% من الإيرانيين فقط كان لديهم ذات الرأي، وبشكل عام، ومن بين الـ38 بلداً الذين شملهم الاستطلاع، جاءت المملكة العربية السعودية في المركز الثالث في قائمة الدول ذات التحيزات العنصرية، بعد بنغلاديش والهند.
القصص الأخيرة الصادرة عن المملكة السعودية تشهد على وجود مقلق لبعض المواقف العنصرية بين بعض السعوديين؛ فوفقاً لثينك بروغرس، ألقى الأمير خالد الفيصل في سبتمبر اللوم في تدافع منى على “بعض الحجاج من الجنسيات الأفريقية”، وبعض الأدلة الشفهية تشير إلى أن هذا الموقف لا يقتصر على النخب بل يتشاطره معهم الشعب السعودي أيضاً، ووفقاً لقصة نُشرت في هافينغتون بوست مؤخراً، أشار شخص مسلم بريطاني كان يدرّس في المملكة العربية السعودية إلى أن العنصرية كانت “جزءاً لا يتجزأ من المجتمع السعودي، ويتم تقبلها من قِبل معظم السعوديين”، وأضاف: “غالباً ما كان طلابي يستخدمون كلمة “زنجي” لوصف السود، لا بل كان يتم اعتبار العرب من ذوي البشرة الداكنة أقل شأناً من أبناء عمومتهم من ذوي البشرة الأقل سماراً”، باختصار، العنصرية والطائفية في المملكة العربية السعودية هي إحدى المشاكل الخطيرة التي لم يعطها الجعفري أي اهتمام في مقالته، للأسف.
الحقيقة المحزنة هي أن العنصرية موجودة في كل مكان، وكما في أي مكان آخر، دراسة هذا الموضوع في الشرق الأوسط يتطلب تحليلاً نقدياً، لا استثارة الشعب وتضليله بتقارير خاطئة، وهذا النوع من ممارسة العمل الصحفي سيؤدي في نهاية المطاف إلى توليد العنصرية وتأجيج سوء الفهم ما بين السكان في المنطقة.
المصدر: مفتاح