مر العام الأول على إصدار تقرير لجنة تقصي حقائق 30 يونيو التي ملأت الدنيا ضجيجًا في نفس هذا اليوم منذ عام مضى بخصوص النتائج التي زعمت أنها توصلت إليها بعد ما يقارب العام من تشكيلها.
لقد تأسست لجنة تقصي حقائق 30 يونيو بتاريخ 21 ديسمبر 2014 بقرار من عدلي منصور، الرئيس الانتقالي المعيّن من قِبل الجيش بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013 الماضي، وكان الغرض منها جمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق عن أحداث 30 يونيو وما أعقبها من أحداث وتأريخها وتوثيقها.
وللوهلة الأولى فإن قرار تأسيس اللجنة كان بمثابة شهادة الوفاة الخاصة بها، حيث كان الغرض من اللجنة هو التأريخ والأرشفة ليس إلا، ولم يكن لها أي دور يُذكر في صون الحقوق أو تقديم يد العون للضحايا.
لم يتضمن القرار الجمهوري رقم 698 لسنة 2013 الخاص بتشكيل اللجنة وجود أي من المنتمين إلى منظمات المجتمع المدني الدولي أو المحلي، فجاءت كلها من القضاة والقانونية والأكاديميين الذين لا تتوافر لهم أي خبرة في مجال الرصد والتوثيق والتقصي وغيرها من الآليات المطلوبة والهامة في تكوين وتشكيل أعضاء لجنة تقصي الحقائق، ولم يتضمن قرار إنشاء اللجنة أيضًا أي ذكر لنشر أو إعلان تقرير اللجنة النهائي، ولا يوجد ما يحتوي نصًا يلزم بنشر ما تتوصل إليه اللجنة من معلومات وأدلة ورفعه إلى السلطات القضائية مباشرة للتعامل معه بمقتضى القانون؛ الأمر الذي يعد خرقًا كبيرًا لمبادئ تكوين لجان تقصي الحقائق، إذ بغيره سيظل عمل لجنة تقصي الحقائق غير منطقي وقاصرًا ومصداقيتها مجروحة على نحو يفقد الكثير من المواطنين وأيضًا المعارضين للنظام العسكري في مصر ثقتهم في عمل اللجنة.
إذ كيف لها أن تقوم بالعمل على تقديم أدلة وبراهين من المتوقع أن تدين النظام العسكري الذي قتل المئات من معارضيه ولا تنشره على الرأي العام أو تعطي نفس الأدلة للضحايا أو ذويهم، بل ولم يعطِ القرار أي إلزام على اللجنة بالعمل على إبلاغ الضحايا وذويهم بالتفاصيل الكاملة لهم أو لكل من تعرض للضرر نتيجة انتهاكات حقوق الإنسان خلال الأحداث الماضية، كما لم يشر إلى أي آلية متابعة وتنفيذ ما أصدرته من توصيات وقرارات بعد انتهاء أعمالها ورفع تقريرها.
وبالرغم من هذا إلا أن اللجنة ذاتها وعبر ملخص تقريرها الذي نشرته منذ عام مضى أكدت قبولها مثل تلك الخروقات التي وجدت في قرار إنشائها، ولم يشفع لأعضائها سابق معرفتهم بالقانون الدولي ومبادئ ومعايير تكوين لجان تقصي الحقائق في أن يتقلدوا روح العدالة ويطالبوا بتحقيق الغرض الذي تنشأ من أجله لجان تقصي الحقيقة بالشكل السليم وبالطريق المرسوم في المبادئ الدولية والقانون الدولي.
لقد كان من المؤسف أن يكون على رأس اللجنة الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض الذي يعتبر من أحد القضاة الدوليين، إلا أننا لم نجد في عمله ولا عمل اللجنة التي رأسها أي علاقة بالقانون الدولي لا من قريب ولا بعيد، وكان بالنسبة إلينا – نحن المتابعين – للشأن الحقوقي وجود قامة كبيرة مثل الدكتور فؤاد رياض على رأس لجنة كتبت شهادة وفاتها من قرار تأسيسها مسار تساؤل وعلامة استفهام كبيرة.
وجاءت نتائج عمل اللجنة من خلال التقرير الذي نشرته في السادس والعشرين من نوفمبر 2014 الماضي ليؤسس لعلامات استفهام جديدة، حيث خرج التقرير بعيد كل البعد عن مبادئ ومعايير لجان تقصي الحقائق، بل كان أقرب ما يكون إلى تحريات وزارة الداخلية في أي قضية من القضايا التي تتهم فيها المعتصمين والمتظاهرين بقتل أنفسهم، كما مثل الفيلم التصويري الذي عرضته اللجنة وقتها في داخل قاعة مجلس الشورى إبداعًا جديدًا من إبداعات الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، في حين مثل المستشار عمر مروان دور المتحدث باسم وزارة الداخلية في تبريراته وفي عرضه للتقرير.
وبعد عام مضى على إيداع اللجنة تقريرها نستطيع أن نستخلص الآتي:
أولًا: لم يتم نشر كامل التقرير حتى الآن، واكتفت اللجنة بنشر ملخص للتقرير وعمل مؤتمر صحفي له في مجلس الشورى.
ثانيًا: ظهر جيدًا حقيقة إنشاء اللجنة، فلم تكن سبيلًا لإظهار الحقيقة ولا تأريخًا أو أرشفة وإنما كانت ديكورًا مقدمًا من قِبل النظام العسكري حتى يوقف التحركات والمطالبات لقيام المجتمع الدولي ممثلًا في مجلس حقوق الإنسان بإنشاء لجنة للتحقيق في ما حدث في مصر بعد أحداث 30 يونيو على لسان المفوضة السامية السابقة نافي بيلاي بعد أحداث الحرس الجمهوري.
ثالثًا: اللجنة كانت أداة جديدة من أدوات القمع، فالتقرير وما به يعبر بشكل واضح عن توجهات نظام ما بعد الانقلاب في محاولة إضفاء شرعية حقوقية على ما ارتكبه من جرائم مدنية وقانونية في مصر، بعدما اطمأن على إضفاء الشرعية القانونية من خلال تحقيقات النيابة العامة في الأحداث التي تلت 30 يونيو 2013 وحتى الآن.
رابعًا: التقرير وبعد مرور عام على إصداره دليل واضح لا لبس فيه على انتفاء أدوات الإنصاف الداخلية في مصر بخصوص الجرائم التي وقعت بعد أحداث 30 يونيو2013 وعقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، الأمر الذي معه لا يمكن التطرق فيما تم إلا من خلال دعوة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تنظر فيما حدث، وهو ما يجب أن تتضافر الجهود من أجل تحقيقه.