أسدل اتهام مسؤول رفيع في الأمم المتحدة، للحركة الحوثية بمنع وصول الإمدادات الإنسانية لنحو 200 ألف مدني بحاجة للغذاء والماء والعلاج في مدينة تعز، الستار عن الوجه الآخر للحرب في اليمن، والكلفة الباهظة على المدنيين اليمنيين.
اتهام ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق إغاثات الطوارئ، للحوثيين باليمن، وضع اليمنيين وجهًا لوجه، مع جماعة تجازف بكل ما هو حساس وخطير في سياق معركتها مع الداخل والخارج، بحيث جعلت من مأساة المدنيين ورقة للمساومة السياسية والعسكرية على حد سواء.
ومن جهة سلط الاتهام الأممي، الضوء على جانب من رهان جماعة الحوثيين لجهة ليّ ذراع المجتمع الدولي، من خلال تأزيم الوضع الإنساني للمدنيين، وصولًا إلى توظيفه لاحقًا في مضمار المكاسب السياسية.
وبحسب المسؤول في الأمم المتحدة، فإن القتال المستمر على مدى شهور جعل حوالي 200 ألف مدني – في مدينة تعز وحدها – في حالة حصار فعلي وبحاجة لمياه الشرب والعلاج وغيرهما من المساعدات اللازمة لإنقاذ حياتهم وحمايتهم، في حين عزا الأسباب إلى أن “جماعة الحوثيين واللجان الشعبية تغلق طرق الإمداد وتواصل إعاقة توصيل الإمدادات الإنسانية الطارئة لمدينة تعز.”
ويحاول الحوثيون بحصار المدنيين الضغط على القوات الموالية للرئيس اليمني، وعلى قوات التحالف لوقف تقدمها، بجانب الضغط على الأمم المتحدة على أمل الضغط على دول التحالف لإنهاء العملية العسكرية البرية والجوية في اليمن، فالحوثيون يعرفون جيدًا أن الوضع الإنساني أنجع ورقة لإعاقة تقدم الطرف الآخر في معادلة الصراع، والذي يحرص بشكل كبير على عدم تعريض المدنيين للخطر.
ومني الحوثيون بالعديد من الهزائم، فيما تحرز القوات المدعومة من دول التحالف، تقدمًا لكنه يبدو بطيئًا، فيما يمعن مسلحو الحركة في حصار المدنيين وتجويعهم وحرمانهم من أبسط ضرورات الحياة لإخضاعهم لسيطرتهم، وأيضًا لتعويض الخسائر العسكرية على الميدان.
ولعل هذا التكتيك غير مقبول بالنسبة للأمم المتحدة، بيد أن أقصى ما تقدر عليه الأخيرة هو إطلاق المناشدات باتجاه كل الأطراف اليمنية، للعمل مع فرقها والمنظمات الأخرى المحايدة وغير المنحازة لتسهيل تسليم المساعدات اللازمة لإنقاذ حياة المدنيين بشكل آمن دون معوقات وبلا أي تأخير جديد.
وخلال الأشهر الأولى من الحرب، كان لدى الحوثيين العديد من الرهانات، وفي مقدّمتها ما وصفه زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بـ “الصبر الإستراتيجي”، إذ كانوا يعتمدون على عامل الوقت ويعتقدون أنه ليس في صالح السعودية وأنها مع طول أمد الحرب يمكن أن تضطر لإيقاف العمليات خصوصًا في ظل عدم وجود قوة منظمة موالية للشرعية على الأرض.
حسابات الحوثيين لم تُطابق الواقع الميداني، فمع مرور نحو ثمانية أشهر، بدا أن الوقت لم يؤثر على التحالف لإيقاف عملياته، بل أصبحت الحرب والعمليات العسكرية “أمرًا معتادًا” يُمكن أن يمتد لأشهر مقبلة، مهما كانت الخسائر والأخطاء والإحراجات، ومن هنا جاء التحرك للبحث عن أوراق ضغط بديلة، ولعل “تأزيم الوضع الإنساني لليمنيين” آخرها
حيث كان الحوثيون وحلفاؤهم يعتقدون أن جهود الأمم المتحدة السياسية ستكون المخرج من العمليات العسكرية للتحالف، ورأوا أنه “سيتم التوصل إلى تسوية سياسية بعيدًا عن الرضوخ لشروط الرياض والحكومة الشرعية”، وكانت الآمال المنعقدة على الجهود الأممية واضحة في تصريحات القيادات الحوثية، التي كانت تُرحّب من دون تحفظ بالجهود الأممية، بل، وحسب عبد الملك الحوثي في أحد خطاباته، فإن المخرج الوحيد للأزمة هو “عقد حوار سياسي برعاية الأمم المتحدة”.
وبعدما ثبت عدم فعالية الحل السياسي، دلف الحوثيون إلى مربع التعويل على تدهور الوضع الإنساني وآثار الحصار، واعتباره سيُجبر التحالف على وقف العمليات، إلا أن ذلك لم يحصل، رغم التدهور الكبير للأوضاع الإنسانية في البلاد وانعدام الخدمات وتوقف الحركة التعليمية والتجارية وغيرها منذ أشهر.
ويأمل الحوثيون، في هذا الصدد، أن تؤدي الضغوط الدولية إلى إيقاف العمليات الجوية للتحالف من دون اضطرارهم لتقديم تنازلات بالتجاوب المباشر مع القرار الدولي 2216، وتلاشت كذلك الآمال بالضغوط الدولية، إذ إنها لم تفِد شيئًا حتى الآن.
في هذه الأثناء أصبحت المرحلة مهيئة للدخول في صراع طويل الأمد، مما يفسح المجال أيضًا لإطالة معاناة الشعب اليمني خلال كامل المستقبل المنظور؛ فوفقًا للتقارير، يدخل 25 ألف شخص يوميًا من اليمنيين دائرة الجوع بفعل الأزمة الراهنة وظروف القتال، حيث عمل استيلاء الحوثيين على المساعدات على تقليص دخول كميات الإمدادات الحيوية من غذاء ووقود، في وقت أصبح هناك فرد من بين كل اثنين – أي حوالي 13 مليون يمني – يكافح للعثور على ما يقيم عوده من طعام، ونصف هؤلاء أصبحوا على شفا الجوع.
وطوال ثمانية أشهر يتحمل المدنيون في مختلف أنحاء البلاد وطأة العنف الدائر في اليمن حاليًا، وعلاوة على تسببه بوقوع وفيات وإصابات في صفوفهم، فلقد تسبب النزاع بمعاناة إنسانية هائلة للمدنيين وأدى إلى تفاقم أزمة إنسانية خانقة خلّفتها سنوات من الفقر وسوء الإدارة، بيد أن العالم تجاهل هذا النزاع المحتدم ولم يسمع الكثير عن تبعاته المدمرة.
وسبق واعترفت الأمم المتحدة بعبث المسلحين الحوثيين وقوات وسطوها على المساعدات التي ترسلها المنظمة إلى اليمن، حيث قالت إيثرين كزن مديرة برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن الحوثيين يسطون على المساعدات الغذائية التي ترسلها المنظمة الدولية إلى الحديدة، وأن المتمردين يبيعون المساعدات في الأسواق السوداء ويحرمون سكان المدينة الغذاء.
ويعد السطو على المساعدات نوعًا من حرب التجويع لليمنيين، وهي حرب مارستها الحركة الحوثية أثناء سيطرتها على عدن، حيث كانت تمنع سفن المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين، من الوصول إلى موانئ جنوب اليمن وتجبرها على التوجه إلى الحديدة والموانئ التي تحت سيطرتها، ليسهل السطو على المساعدات الخارجية، ومصادرتها أو بيعها في السوق السوداء.
هذا فضلًا عن أن ندرة الغذاء، نتاج احتكار الحوثيون للمواد التموينية، تدفع الأسعار إلى مستويات تبعد عن متناول الملايين – وكثير منهم يعيشون بلا أي دخل منذ شهور – وقد كشفت البيانات أن بعض الأسر التي نزحت جراء الصراع لم يكن بيدها إلا بعض أصول – ماشية وأغنام في الأساس – اضطرت إلى بيعها بأسعار تقل كثيرًا عن قيمتها السوقية لشراء الطعام والاحتياجات الأساسية الأخرى، وهو ما يعد مؤشرًا دالًا على أن الناس قد بدأت تواجه أزمة غذاء حقيقية بالفعل.
وقد أدى ارتفاع أسعار كل السلع إلى خلق أزمة ملحوظة، خاصةً للمتضررين من الصراع، فقد ارتفع متوسط أسعار الوقود على المستوى الوطني بنسبة 250% عما كان عليه قبل الأزمة، و400% في المحافظات الأكثر تأثرًا بالنزاع، مثل صنعاء وتعز، وذلك وفق تقرير نشره مؤخرًا برنامج الأغذية العالمي، ذلك أن القيود المفروضة من قِبل الحوثيين على المدن التي يسودها الصراع، تعيق الحصول على المساعدات الأساسية والخدمات المنقذة للحياة، مما يهدد أرواح عشرات الآلاف من المدنيين خاصةً الأطفال والنساء.