من يلعب بالنار: فلاديمير بوتين أم رجب طيب أردوغان؟

55acfc20c46188ba628b45d4

حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين من اللعب بالنار بعد تصريحات الأخير خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند في الكرملين مساء الخميس، والتي هاجم فيها القيادة التركية على خلفية حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية داخل الأجواء التركية.

وقال بوتين معلقًا على هذا الحادث: “كنا ننظر إلى تركيا كدولة جارة وصديقة، إلا أن ذلك يتم تدميره الآن، فنحن لم نكن نتوقع أن نتلقى ضربة من طرف طالما اعتبرناه حليفًا لنا”.

بوتين لم يقف عند هذا الحدّ بل اتّهم بصريح العبارة الحكومة التركية بتعاونها مع تنظيم الدولة الإسلامية من خلال شرائها للنفط، كما أشار إلى تورط أنقرة في مساعدة تنظيم الدّولة في تهريب النفط من سوريا، وتابع بوتين قائلاً: “في قمة العشرين أظهرت صورًا للصهاريج التي ينقل بها داعش النفط إلى تركيا، ولا نرى أن السلطات التركية تقوم بحرق وإتلاف النفط المهرب عبر أراضيها”، وذلك في إطار رد غير مباشر على ما ادعاه الرئيس التركي بأن سلطات بلاده تقوم بحرق النفط المهرب عبر أراضيها.

الرئيس الروسي هو من هو في قوته وفي عنجهيته أضحى بعد حادثة إسقاط الطائرة يتخبّط لإيجاد حل وسط للخروج منتصرًا أمام شعبه وجمهوره بعد أن تم الاعتداء على السيادة الروسية داخل الأراضي السورية، حسب زعمه، وداخل المجال الجوي التركي حسب تأكيد القيادة التركية.

التصريحات المتتالية لبوتين توحي بأن قرارات الرجل في واد وتصريحاته السابقة التي ما فتئ يهدد فيها الدول التي تعتدي على المصالح الروسية في أي مكان ما في واد اخر، فبعد ساعات من الحادثة وصف الرئيس الروسي ما قامت به تركيا بأنه طعنة في الظهر، كما رفض الرد على اتصال نظيره التركي وظلّ يتوعد بالرد المناسب اقتصاديًا وليس عسكريًا.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلنها صراحة أن بلاده لن تعلن الحرب على تركيا وربما ظن كثيرون وفرحوا بهذا التصريح الرسمي من القيادة الروسية، لكن الحقيقة التي خفت عن هؤلاء أن روسيا لا ولن تستطيع أن تقصف تركيا بصاروخ واحد ناهيك عن حرب شاملة في الوقت الرّاهن لعدّة أسباب.

من المؤكد أن المستقبل القريب حسب قراءتنا يخفي في طياته إسقاط طائرة تركية داخل الأراضي السورية بدعوى اختراقها للمجال الجوي “الروسي” خاصة بعد أن تأكد أن المجال الجوي السوري وهبه الرئيس بشار الأسد لنظيره الروسي منذ حوالي شهرين للدفاع عن نظامه وعن مصالحه.

أثناء مقارنة ميزان قوى الجيشين التركي والروسي نلحظ جليًا أن الروس متفوقون على كل المستويات لكن هذا التفوق لا يعني إمكانية نشوب حرب بينهما، فلا الروس يرغبون في ذلك ولا الأتراك مستعدون، فحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية لن يقفا مكتوفي الأيدي لمشاهدة هذه الحرب بل سيكونان في طليعتها في حال نشوبها.

أردوغان وضح في أكثر من مرة أن بلاده لم تتعمّد إسقاط الطائرة الروسية، وأن الحادثة عبارة عن ردّة فعل طبيعية لانتهاك المجال الجوي التركي وتطبيق لقواعد الاشتباك، كما أكد أيضًا حرص أنقرة على عدم الإضرار بالعلاقات مع موسكو لأن هناك علاقات إستراتيجية متطورة بين أنقرة وموسكو، لكن في مقابل هذه المجاملات لم يخف الرئيس التركي من أن بلاده على دراية بمكر روسيا الكامن وراء تعزيز وجودها العسكري في سوريا بذريعة إسقاط الطائرة الروسية.

يمكننا تفهم أسباب جنون القيادة الروسية على خلفية إسقاط طائرة السوخوي خاصة وأنها أُسقطت بواسطة طائرتي F16 أمريكيتين ولا يخفى علينا الحرب الباردة بين هذين النوعين من الطائرات على الساحة الحربية والسياسية في العالم.

لا نشكّ في أنّ العلاقات بين البلدين ستتّجه للأسوأ خاصة في ظل التصعيد الروسي الكبير في الأيام الأخيرة من خلال موجة القرارات غير المسبوقة في تاريخ علاقات البلدين والتي كان آخرها ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف للصحافيين بعد مباحثات مع نظيره السوري وليد المعلم يوم الجمعة من اتخاذ قرار بوقف وتطبيق نظام الإعفاء من التأشيرة مع تركيا في الأول من يناير 2016.

وأضاف لافروف أيضًا “نعتقد أن السلطات التركية تخطت الحدود المسموح بها، وتخاطر بوضع تركيا في موقف صعب جدًا على المدى الطويل فيما يتعلق بمصالحها الوطنية”، ويعني هنا الوزير الروسي العلاقات الاقتصادية بين البلدين؛ حيث تعتبر روسيا ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا وتزود أنقرة بأكثر من 55% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن السياحة الروسية إلى تركيا بلغت عام 2014 أكثر من 5 مليون سائح، كما تعد تركيا أكبر خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6% من إجمالي التجارة الخارجية الروسية بعد كل من الصين، ألمانيا، هولندا، وإيطاليا، وقد بلغ التبادل التجاري بين موسكو وأنقرة في العام الماضي 31 مليار دولار، ووصل إلى 18.1 مليار دولار للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.

روسيا تعلم جيدًا أن بمقدور الأتراك الاستغناء عنها كما يعلم الأتراك أن الروس ليسوا سوفياتًا وأنها بمقدورها إلغاء بعض الاتفاقيات بين البلدين خاصة فيما يتعلق بموضوع الطاقة ولهذا كتبت صحيفة “ذي ماركر” الاقتصادية الإسرائيلية أن هناك 10 مليارات سبب يمنع روسيا من قطع الغاز عن تركيا وتقصد أن مبيعات الغاز الروسي لتركيا تبلغ 10 مليارات دولار، ما يجعل علاقات الطاقة بين الدولتين منطقة غير جذابة للانتقام.

موضوع الطاقة يعتبر خطًا أحمر لدى روسيا، فصحيفة برافدا الروسية المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين أشارت منذ أيام إلى أن الرئيس بوتين لم يخفِ غضبه الشديد من تركيا وقطر، لتنفيذهما خطة لضرب الاقتصاد الروسي في مقتل عن طريق مد أنابيب الغاز في الأراضي السورية إلى أوروبا للاستغناء عن الغاز الروسي وهو ما يمكن اعتباره إطلاق قنبلة نووية اقتصادية على الاقتصاد الروسي.

نفس الصحيفة أيضًا نشرت مقالًا للكاتب الروسي الشهير يفجيني ساتانوفسكي الذي يعد من أبرز الصحفيين والكتاب المقربين من بوتين، طالب فيه بضرورة توجيه ضربة عسكرية قوية لقطر وتركيا وقال نصًا “يجب على هاتين الدولتين أن تخافا من روسيا كما يخاف المرء من وباء الطاعون”.

في الأخير يمكننا القول إن تركيا أفلحت في إيلام روسيا وإغضاب بوتين، فقد أصبحت اليوم قوة إقليمية كبيرة بفضل الأزمة السورية التي قفزت بها في صف الدول صاحبة القرار الدولي، وهو ما يعيد للرئيس التركي ذكريات العصر المديد للسلطنة العثمانية، لكن يجب على أردوغان ألا يغرّه موقع بلاده الجغرافي فالوضع متغير ولا ثوابت في السياسة والعلاقات الدولية.

لهذا فليحذر أردوغان من أن يكون هو من يلعب بالنار!