فصل جديد من فصول توتر العلاقة بين القاهرة والرياض يظهر للعلن مرة أخرى على لسان أكاديمي سعودي يعمل زميلًا زائرًا في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بكلية كيندي للعلوم الحكومية في جامعة هارفارد، وهو السيد نواف عبيد، الذي لطالما تحدث باسم المملكة لدى الغرب.
عبيد الذي كتب على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تغريدة ينقل فيها الحديث عن دبلوماسي سعودي: بأن السعودية تدرس بجدية إعادة تقييم علاقاتها مع حكومة السيسي في مصر بعد الكشف عن أنباء مروعة مؤخرًا تخص السيسي.
دبلوماسي سعودي: #السعودية تدرس بجدية إعادة تقييم علاقاتها مع حكومة #السيسي في #مصر بعد الكشف عن أنباء مروعة مؤخرا تخص #السيسي
— نواف عبيد (@NawafEObaid) November 28, 2015
كما أضاف نواف عبيد في تغريدة أخرى نقلًا عن نفس المصدر الدبلوماسي: أن الوضع الاقتصادي في مصر لا يمكن للبلد الاستمرار فيه وسياسة السيسي الخارجية اللامعقولة ستجبر السعودية على اتخاذ مجرى آخرمعه.
دبلوماسي سعودي: الوضع الاقتصادي في #مصر لا يمكن للبلد الاستمرار فيه وسياسة #السيسي الخارجيةا للامعقولة ستجبر #السعودية على اتخاذ مجرى آخرمعه
— نواف عبيد (@NawafEObaid) November 28, 2015
كذلك هاجم عبيد السيسي ونظامه مباشرة في تغريدة تالية بوصفه أن لديه أوهام هو وزمرته تتكأ على أمجاد تاريخية سابقة لا صلة لها بالواقع المصري اليوم، محذرًا أنها ستنقلب عليهم عاجلًا إلى كوميديا ساخرة.
أوهام #السيسي وزمرته المتكئة على أمجاد تاريخية سابقة لا صلة لها بالواقع المصري اليوم ستنقلب عليهم عاجلا إلى كوميدية ساخرة #مصر #السعودية
— نواف عبيد (@NawafEObaid) November 28, 2015
فيما نقل في تغريدة أخرى عن لواء سابق بالجيش المصري لم يسمه قوله: إن لم ينتبه السيسي عاجلًا لما سيؤول إليه الوضع في مصر ويتخلص من مستشاريه غير المؤهلين، سيلقى مصير مبارك قريبًا.
لواء سابق في الجيش المصري: أن لم ينتبه #السيسي عاجلاً لما سيؤول إليه الوضع في #مصر ويتخلص من مستشاريه الغير مؤهلين، سيلقى مصير #مبارك قريباً
— نواف عبيد (@NawafEObaid) November 28, 2015
واختتم نواف عبيد تغريداته بقوله: في رأيي لن تكون مصر تحت قيادة السيسي الحالية حليف أوشريك أوصديق للسعودية أو دول الخليج.
في رأيي لن تكون #مصر تحت قيادة #السيسي الحالية حليف أوشريك أوصديق ل #السعودية أو دول الخليج #البحرين #الامارات #قطر #الكويت
— نواف عبيد (@NawafEObaid) November 28, 2015
سلسلة التغريدات هذه لشخصية كنواف عبيد أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية المصرية والسعودية، حيث إن عبيد معروف باتزان تصريحاته وعلاقاته القوية بحكومة المملكة وخارجها، كما أنه مقرب من وزارة الخارجية السعودية وأجهزة الاستخبارات هناك بعد أن عمل لفترة ليست بالقليلة مستشارًا للأمير تركي الفيصل الذي ترأس جهاز المخابرات السعودية في السابق، كذلك عمله في الديوان الملكي فترة خمس سنوات، وعمله لمدة أربع سنوات مستشارًا للسفير السعودي في لندن.
لم توضح سلسلة التغريدات هذه كيف ستكون إعادة تقييم السعودية لعلاقتها بنظام السيسي؟ ولا ماهية الأنباء المروعة التي تحدث عنها عبيد التي أتت عن السيسي، كما أنه لم يوضح كيف ستتخذ المملكة مجرًا آخر في علاقاتها مع مصر بعد اكتشاف هذه الأنباء، في حين هددت التغريدات السيسي بشكل مباشر نقلًا عن لواء سابق بالجيش المصري أن السيسي ربما يلقى مصير مبارك، وأعلن نواف عبيد صراحة أن السيسي بهذه الصورة الحالية لن يكون حليفًا للمملكة السعودية ودول الخليج.
توتر العلاقة المكتوم بين مصر والسعودية ليس وليد اللحظة، ولكن تظهر إرهاصاته كل حين لتؤكد أن شهر العسل بين الدولتين قد انتهى منذ فترة ليست بالقليلة على خلفية تباين واضح في الرؤى الإقليمية، بعد أن استتب الأمر لنظام السيسي عقب انقلاب الثالث من يوليو بفضل الدعم المالي والدبلوماسي الذي قدمته المملكة العربية السعودية له بشكل مباشر وغير خفي.
فمنذ طرح السيسي لأجندته الإقليمية المتصادمة مع المملكة بعد أن استقر وضعه الداخلي كرئيس للجمهورية، دأبت السعودية منذ ذلك الحين على تحذير نظام السيسي من اتخاذ نهج مغاير لسياستها الخارجية، خاصة مع ظهور مقدمات توصل إيران لاتفاق نووي مع الغرب، بالإضافة لدخول المملكة في حرب اليمن وقيادتها لتحالف عربي لم يكن لمصر فيه دور يذكر.
حاول الطرفان احتواء الموقف قدر المستطاع ببيانات إعلامية ومؤتمرات صحفية باهتة خرج فيها وزيرا خارجية البلدين يؤكدان أنه لا وجود لأي توترات في العلاقة بين البلدين، وأن وجهتي نظريهما شبه متطابقة بالنسبة للأحداث في الإقليم.
لكن الواقع كان مغايرًا فثمة حملة هجوم شنتها الصحافة المصرية على الملك سلمان والسعودية بعد توليه مقاليد الحكم أزعجت القيادة السعودية بشكل واضح، كذلك رغبة السيسي في فتح جبهة حرب في ليبيا بتمويل سعودي لاقت رفضًا قاطعًا من القيادة السعودية بسبب تعثر المملكة في حرب اليمن والأزمة السورية، مما وسع هوة الخلاف بين البلدين.
الإعلام السعودي استنكر ما تقوم به وسائل الإعلام المصرية على مر الفترة الماضية، ظهر ذلك في تغريدة للإعلامي السعودي جمال خاشقجي الذي كتب معلقًا على مقالة للكاتب السعودي، إدريس الدريس، تحت عنوان “إلى سدنة الإعلام المصري: كفايه بأه”، وقد عنون خاشقجي تغريدته بـ “غضبة حليم آن وقتها”،هذا المقال السعودي هاجم الإعلام المصري بشدة بسبب الهجوم المستمر على المملكة، مطالبًا بوقف ما وصفه كاتب المقال بـ”النهش في السعودية”.
غضبة حليم آن وقتها . https://t.co/TIC2UYq1EP
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) November 23, 2015
كل هذه التراكمات أدت إلى هذا التوتر المكتوم بين نظام السيسي والمملكة بعد شعور السعوديين أن دعمهم لنظام السيسي أقرب إلى أن يذهب هباءً بسبب تخلي السيسي عن المملكة في أكثر من موطن، الأمر الذي استدعى زيارات متبادلة لتوضيح وجهات النظر، لكن ربما ما دفع نواف عبيد لكتابة مثل هذه التغريدات الخطيرة هي التطورات في الساحة السورية وهي إحدى مواطن الخلاف بين السيسي والسعودية.
فالسعودية تأخذ الآن في حسبانها تدخل الروس عسكريًا بشكل مباشر في سوريا، بالإضافة لتصاعد التوتر بين المحور التركي السعودي القطري وبين روسيا التي يتقرب نظام السيسي إليها كل يوم من جهة، ويبتعد عن المملكة من جهة أخرى.
ومع ازدياد تأزم الوضع السوري لا تستبعد السعودية وتركيا محاولة روسيا التعرض لمصالحهما في الشرق الأوسط عن طريق حلفائها كالإيرانيين “الحلفاء القدامى”، والمصريين “الحلفاء الجدد”، وعلى أساس هذا تعالت الأصوات في المملكة لاتخاذ إجراءات ضد روسيا وحلفائها في المنطقة، تحت ذريعة أنه إذا ما استمر الوضع كما هو عليه فإن الصادم المباشر أو غير المباشر مع الروس بات حتميًا.
على الجهة الأخرى السيسي يلمح في أحد خطاباته بأنه لا يمانع في الانضمام إلى الحلف الروسي لمحاربة داعش، ما يعني صراحة خروجه من الحلف السعودي، كما أن زيارة وزير الدفاع الروسي إلى القاهرة لها من الدلالات الكثير لدى السعوديين في هذا الصدد، ناهيك عن خذلان السيسي للمملكة في اليمن بذريعة الحرب على الإرهاب في الجبهة الداخلية رغم استعداده لخوض حرب خارجية في ليبيا، كل ذلك ربما يعطي صورة عن الأنباء المروعة التي تلقاها السعوديون عن السيسي ونقلها نواف في تغريداته بدون تصريح.
كذلك شهدت الآونة الأخيرة عدة مناوشات بين النظامين المصري والسعودي على عدة أصعدة، بداية من مشادة كلامية بين رئيس مجلس إدارة إحدى الصحف القومية والسفير السعودي بالقاهرة، نهاية بإجراءات اقتصادية سعودية متقشفة تجاه القاهرة، وهو ما تسبب في تعثر لسعر صرف العملة المصرية بسبب غياب سيولة النقد الأجنبي القادمة من المنح السعودية.
الرياض ترى في نظام السيسي أنه حليف غير مؤتمن الآن بسبب رفضه الدخول في الحلف السني الذي تشكله السعودية الآن في مواجهة إيران، وذلك لأن القاهرة ترى أن كلفة الدخول في هذا الحلف ستكون باهظة، بينما ترى السعودية أن القاهرة عليها مساندة المملكة نظير ما قدمته لنظام السيسي منذ انقلاب الثالث من يوليو.
وعليه فإن التقارير الصحفية تتحدث عن بحث المملكة عن بديل محتمل للسيسي في حال فشل تسوية هذه الخلافات التي تزداد يومًا بعد يوم، في حين وردت هذه المعلومات إلى القاهرة التي احتجت على زيارة للفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق إلى المملكة في وقت سابق، هذا الاحتجاج الذي ردت عليه السعودية بأنها زيارة شخصية تخص سامي عنان لا يمكن للمملكة أن تمنعها بأي حال.
كما تتردد الأنباء عن تواصل سعودي مع الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي الخاسر في الانتخابات الرئاسية التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، الذي يمكن أن يمثل بديلًا جيدًا في حالة اتخاذ القرار بإقصاء السيسي، حيث ترى المملكة أن شراكتها الحالية في مصر هي مع المؤسسة العسكرية بالأساس وليس مع شخص السيسي الذي أبرزته الأحدث ليس إلا، لذلك لن يكون مستبعدًا أن تعيد المملكة حساباتها مع نظام السيسي في وقفة لتقييم المكاسب والخسائر من دعم نظام السيسي.