كل الانقلابات في التاريخ تبدأ بجنرال عسكري يعلن إسقاط واعتقال رئيس البلاد، وإلغاء الدستور، وحل كل المؤسسات التشريعية. وإذا قاوم الشعب فإنه ينقلب الى انقلاب دموي. وهذا هو الواقع الحادث في مصر اليوم.
مع انقشاع الغبار وهدوء الأحداث المتسارعة على الساحة المصرية وانجلاء الضباب من حولها، فان المسرح السياسي يبدو أكثر وضوحًا. وبغض النظر عن تكييف الأوضاع على الأرض فإن الصراع الأيدولوجي و السياسي بين الأحزاب الإسلامية والأحزاب العلمانية والليبرالية والذي استمر أكثر من سنة فإنه حسم في النهاية بعامل واحد فقط هو التدخل العسكري من قبل جنرالات مصر المؤيدين لليبراليين.
وكما كتبت في عديد من مقالاتي (وكذا آخرون أيضا) لا شك أن الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أخطأوا فى حساباتهم وارتكبوا أخطاء سياسية كثيرة، خاصة بتجاهلهم طلبات مجموعات الشباب الثورية شركائهم الأصليين في الثورة–وتصرفوا فى بعض الأحيان بصورة فردية متسلطة. لكن في أي مجتمع متحضر وديمقراطي تتم المحاسبة على الأخطاء السياسية من خلال صناديق الاقتراع.
الانتخابات والتعطيل: هل تهم الانتخابات؟
لا شك أن الليبراليين والعلمانيين أصيبوا بالاحباط عندما فشلوا مرة تلو أخرى فى كسب ثقة الشعب عندما ذهبت عشرات الملايين من الناخبين المصريين بإرادتهم الحرة إلى صناديق الاقتراع ست مرات في خلال عامين. بعد إلإطاحة بنظام مبارك في الشهر الذي سبقه، فإن الشعب صوت في مارس 2011 بنسبة سبعة وسبعين في المئة في الاستفتاء لصالح خيارالاسلاميين في مصر والذى اعتبر كخارطة طريق للمستقبل السياسى في مصر. وما بين نوفمبر 2011 ويناير 2012، صوت الشعب لصالح الأحزاب الإسلامية التي نجحت بأغلبية كبيرة في انتخابات مجلس الشعب (ثلاثة وسبعين في المئة) وانتخابات مجلس الشورى (ثمانين في المئة). وفي يونيو 2012، انتخب الشعب المصري للمرة الأولى في تاريخه وبأغلبية بسيطة مرشح مدني من الإخوان المسلمين رئيسًا للبلاد في انتخابات تعتبر حرة ونزيهة. وأخيرا، في ديسمبر الماضي أقر أغلبية الشعب المصري بنسبة أربعة و ستين في المئة الدستور الجديد للبلاد. كان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة في الصيف الحالي لولا تدخل المحكمة الدستورية العليا التي عيّن مبارك جميع أعضائها–وقاموا بالغاء قانون الانتخابات الجديد.
من وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين لعبت المحكمة الدستورية العليا دورًا تعويقيًا فى المسار السياسي، خاصة بحلها مجلس الشعب بعد أربعة أشهر فقط من انتخابه على أسس واعتبارات فنية. كانت المحكمة الدستورية العليا تسعى لحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور(الهيئة المكلفة بكتابة الدستور الجديد) قبل أيام قليلة من إنهاء عملها. وهو ما أجبر الرئيس مرسي أن يتدخل و يصدر مرسومه الدستوري المثير للجدل–لتحصين الجمعية التأسيسية للدستورضد إجراءات البطلان القضائي المتوقع. وفى محاولة لهدم الجمعية التأسيسية للدستور تقدم كل الأعضاء العلمانيين باستقالات جماعية رغم أن تشكيلها وفعاليات أدائها كان قد سبق الاتفاق عليها كما أعلن عضو في المعارضة في أبريل 2012 .
مع ذلك شكل إعلان مرسي لحظة فارقة جمعت المعارضة ضده واتهمته بالاستيلاء على السلطة. في المقابل، برر مرسي بأن مرسومه كان ضروريا لبناء المؤسسات الديمقراطية للدولة التي كانت المحكمة الدستورية العليا تنوي تفكيكها الواحدة تلو الأخرى. تحت ضغط الرأى العام تراجع مرسى وألغى المرسوم بعد ثلاثة أسابيع و لكن بعد أن أمّن وصول الدستور الجديد الى الاستفتاء.
بعد حملة شرسة من قبل المعارضين لرفض الدستور، تمت الموافقة عليه من قبل الشعب بنسبة قريبة من الثلثين وكان الاستحقاق الدستوري الذي يليه هو إجراء انتخابات برلمانية في غضون ستين يوما. ورغم أن قوانين الانتخابات كانت مماثلة لتلك التي سبقت وتوافقت عليها جميع الأحزاب في انتخابات 2012، إلا أن المعارضة ادعت أنها منحازة لصالح الأحزاب الإسلامية وهددت بمقاطعة الانتخابات. وفي غضون أربعة أشهر، قامت المحكمة الدستورية العليا برفض قانون الإنتخابات مرتين وتعطيل الانتخابات بدعى أسباب فنية، مما رسخ في اعتقاد الإسلاميين أن المحكمة المعينة من قبل مبارك مستمرة في عرقلة بناء المؤسسات الديمقراطية للبلاد.
شراكة غريبة: ثالوث غير مقدس من مشيخات الخليج والفلول والمعارضة العلمانية
في 22 أبريل 2011، عقد ولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد وقادته في الأمن والمخابرات لقاء مع عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبد الله ومسؤولي الأمن السعوديين لمناقشة تداعيات الربيع العربي. حذر محمد بن زايد أنه إذا لم تضع دول مجلس التعاون الخليجي سياسة استباقية للتعامل مع الانتفاضات الشعبية التي تجتاح العالم العربي في ذلك الوقت، فلن ينجو منها ملوك المنطقة. بعدها بثلاثة أسابيع، وفي اجتماع قمة طارئ في الرياض، نقل محمد بن زايد نفس الرسالة إلى جميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي. وبينما أبدت دولة قطر لامبالاتها برسالته، قابلتها الخمس دول الأخرى بالموافقة. تم تكليف بن زايد والأميرالسعودي بندر بن سلطان، مستشار الأمن القومي، بوضع خطة فعالة للتصدي للربيع العربي في المنطقة. وفي وقت لاحق، طلب الملك عبد الله من نظيره الملك الأردني الحصول على مساعدته والانضمام إلى هذه الخطة والتي وافق عليها في حين تم استبعاد قطر.
طوال عقود، كانت الإمارات صديقًا مقربًا لمبارك وأركان نظامه. وقد تم تهريب مليارات الدولارات المسروقة من مصرو إيداعها بنوك أبو ظبي و دبي. بعد اسقاط مبارك، قام العديد من جهاز الأمن المصرى ورجال الأعمال الفاسدين بالتوجه الى الإمارات. كما انتقل أحمد شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك بعد فشله في الانتخابات الرئاسية ضد مرسى في يونيو 2012 إلى الإمارات. وفي خريف 2012 تأكدت استضافة الإمارات للمجموعة التي كانت تخطط لإسقاط مرسي والإخوان المسلمين.
بعد أسابيع قليلة من تشكيل حكومة مرسي الجديدة، أعلن محمد أبو حامد الموالي لأحمد شفيق والمتحدث الرسمى لحزبه في21 أغسطس 2012، عن مجموعة من المطالب (15 مطلب) هدفها اسقاط “الإخوان المسلمين والحكومة الإخوانية”. وحذر أبو حامد من “أخونة” الدولة أي تعيين أعضاء الإخوان المسلمين في المناصب الحساسة وألقى باللوم عليهم في نقص الخدمات الأساسية للجماهير. كما دعا أبو حامد لاحتجاجات حاشدة في ميدان التحرير واتهم مرسي بالاستيلاء على السلطة والدكتاتورية، والتدخل في شئون القضاء، وذلك قبل ثلاثة أشهرمن إصدارمرسى للإعلان الدستوري المثير للجدل. كما طالب أيضًا بحظر جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي واعتقال قادتها، متهماً إياهم بالخيانة العظمى. كل هذه المطالب أصبحت لاحقًا هى جوهر لغة المعارضة والقنوات التلفزيونية الفضائية المعادية للنظام في الحملة ضد مرسي.
ورغم امتلاك مرسي لمقاليد الحكم في البلاد، وتمكنه من إقالة كبار قادة الجيش في أوائل أغسطس، إلا أن سلطته كانت هشة. وبدلا من قيامه بتطهير كل عناصر مراكز القوه فى نظام مبارك، وبخاصة في الجيش والمخابرات، وجهاز الأمن والشرطة، التى كان مرسي يعتقد بحسن نية أن بالإمكان استرضاءهم واستقر فى يقينه أنه قد كسب ولاءهم. لكن واقع الأمر، أن كل هذه العناصر، بالإضافة الى السلطة القضائية، ووسائل الإعلام العلمانية في القطاعين العام والخاص، ومعظم البيروقراطية، مثلت مصالح “الدولة العميقة” (شبكة فساد ومصالح خاصة راسخة داخل مؤسسات الدولة منذ عقود).
إن أحد أسباب تفشي الفساد فى فترة حكم مبارك هو قيامه باسترضاء أطراف بارزة في المجتمع، مثل القضاء أو الشرطة، من خلال توزيع مساحات شاسعة من الأراضي عليهم بأسعار بخسة، ومن ثم يعاودوا بيعها بالملايين. فمثلا، قام أحمد شفيق رئيس جمعية الطيارين في التسعينات ببيع اربعين ألف مترًا من أراضي مميزة لأولاد مبارك بسعر دولار للمتر مع أن ثمنه الحقيقى كان مئات الدولارات. هذه الصفقة عرفت بعد كشفها بـ”فضيحة اراضي الطيارين” وتم تقديم اتهام أحمد شفيق فى السنة الماضية بالتبديد والاحتيال. ورغم وجود أدلة دامغة على إدانته، فإن النظام القضائي الفاسد الذي بقى من عصر مبارك برأ شفيق من ارتكاب أي مخالفات.
بمرور الوقت، استطاع فلول نظام مبارك ورجال الأعمال الفاسدين من إعادة تجميع أنفسهم والتعاون مع عناصر”الدولة العميقة”. فى هذه الأثناء، شكلت المعارضة العلمانية والتى كانت فى حالة من الارتباك، لأول مرة جبهة موحدة، سميت “جبهة الإنقاذ الوطني” بعد إعلان مرسى الدستوري في نوفمبر. وضمت هذه الجبهة معظم المرشحين الخاسرين في الانتخابات الرئاسية وعدد كبير من الأحزاب العلمانية التى لم تحصل مجتمعة على أكثر من خمسة وعشرين في المئة من أصوات الناخبين في الانتخبات البرلمانية. و تمثلت قيادة هذه الجبهة فى كل من عمرو موسى، حمدين صباحي، السيد البدوي، محمد أبو الغار، والملياردير نجيب ساويرس. واختارت الجبهة محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثًا رسمىًا باسمها.
في نوفمبر 2012، قدم الأمير بندر خطتين تفصيليتين للأمريكيين من خلال وكالة الاستخبارات الأمريكية. كانت الخطة الأولى مؤامرة سريعة للإطاحة بمرسي في أوائل ديسمبر، بينما تمثل الثانية خطة طويلة الأجل وتنطوي على مسارين. المسار الأول ركز على احتجاجات تزعزع الاستقرار حتى تطيح بمرسي، في حين ركز المسار الثانى على توحيد المعارضة بشكل ائتلافي حتى تتمكن من الفوز فى الانتخابات في حالة فشل المسار الأول. وبينما كانت وكالة الاستخبارات الأمريكية على علم تام بهذه الخطة، فإنها لم تؤيدها أو تعارضها حيث أن إدارة أوباما، التي كانت متأرجحة بين الجانبين، كانت تجري بدورها حوارًا مع حكومة مرسي.
كانت الخطة الأولى للإطاحة بالإخوان المسلمين تقوم على اغتيال مرسي في منزله في 5 ديسمبر. لكن تم كشف هذه الخطة بواسطة ضابط مخلص للرئيس من الحرس الجمهوري برتبة متوسطة قبيل تنفيذها بساعات. وبمساعدة الإخوان المسلمين استطاع مرسى إحباط هذه المؤامرة و بالرغم من ذلك اثر عدم الإفصاح عنها أو كشفها فى العلن.
في شهر مارس 2013، التقى البرادعي المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني أحمد شفيق ومحمد بن زايد في الإمارات. واتفقوا جميعًا على أن السبيل الوحيد لإزاحة مرسي والإخوان المسلمين من السلطة هو من خلال تقويض حكمه وزعزعة استقرار البلاد داخليًا وإقناع الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بتأييد انقلاب عسكري. ووفقا لتقريرلجريدة وول ستريت جورنال نشر مؤخراً، عقدت سلسلة من الاجتماعات في نادي ضباط البحرية بالقاهرة بين كبار الضباط العسكريين وممثلي الفلول بما فيهم محامي الملياردير أحمد عز، الموالى لمبارك، والذي قاد عملية تزوير الانتخابات البرلمانية في 2010، وزعماء المعارضة بما فيهم البرادعي. ووفقًا لهذا التقرير، الذي لم يتم تكذيبه أو رفضه من أي من الأطرف، أعلن القادة العسكريون لأعضاء المعارضة عدم تحركهم لإطاحة مرسي إلا في حالة تظاهرالملايين من الناس في شوارع مصر.
المؤامرة تكبر
في حين أن موقف المعارضة لم يكن واضحًا بشأن مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المقبلة من عدمه، كانت الأحزاب الإسلامية تجهز لخوضها. في الوقت نفسه، أصاب الإحباط العديد من المجموعات الشبابية والثورية، التي قادت انتفاضة 2011 من الوضع السياسي، حيث تجاهل النظام مطالبهم فى حين كانت المعارضة غير فعالة و مصرة فقط على عرقلة الأمور. فجأة ظهرت حركة شبابية جديدة في أواخر أبريل 2013 وأسماها قادتها “تمرد”. كان الغرض المعلن من هذه الحركة هو جمع 15 مليون توقيع من الجمهور على عريضة تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، أي أكثر من عدد الذين صوتوا لصالح مرسي في الانتخابات الرئاسية.
تبنت المعارضة حركة تمرد فورًا ووعدت بمساعدتها على تحقيق أهدافها. وفي أوائل يوليو ادعى الملياردير نجيب ساويرس، وهو من أشد المعارضين للإخوان المسلمين، أنه أعطى ما قيمته ملايين الدولارات من الدعاية والدعم للحركة. وعلاوة على ذلك، كانت ماكينة الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، و هو حزب مبارك، في أوج نشاطها، حيث قاد العديد من المسؤوليين السابقين فيه جهود جمع التوقيعات و توفير الموارد لها. وفي الوقت نفسه، بدأت وسائل الإعلام الفضائية الخاصة حملة شديدة الشراسة لتشويه مرسي والإخوان. ولشهور عدة، خصصت أكثر من اثتني عشرة قناة فضائية تلفزيونية برامجها لتشويه وتقويض مرسي وجماعته. كانوا دائما يتهمونهم بكل جريمة ويلومونهم على كل مشكلات البلاد وأحيانا كان ينضم إلى هذه الحملة وسائل الإعلام الرسمية، والتى من المفترض أن تكون محايدة. بالإضافة إلى ذلك، انضمت قناه العربية الفضائية الممولة من السعودية ومقرها الإمارات العربية إلى الحملة بشكل فعلي من خلال تشجيع أنشطة “تمرد” ودعم شخصيات معارضة من خلال برامجها. ومن فضائح هذه الفضائيات واقعة قيام مذيع مشهور بحمل ورقة بها أجوبة لأسئلته التي يطرحها على متحدث من حركة تمرد أثناء مقابلة معه.
العجيب فى الأمر، أن الإخوان ليسوا فقط لم يجهزوا خطة لصد هذه الحرب الدعائية بل لم يأخذوا الأمر على محمل الجد. و حتى عندما حذرهم حلفاؤهم الاسلاميون قبل أسبوع من الانقلاب على مرسى من احتمال الإطاحة بهم كان ردهم “أنهم (أي المعارضة) سبق وعقدوا خمسة وعشرين مظاهرة هزيلة وستكون هذه هى السادسة و العشرون”.
يعود عدم قلق مرسي والإخوان من المظاهرات إلى سببين. أولهما، تأكيد قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح السيسي مرارًا لمرسي أن الجيش لن يسقط الحكومة وأنه سيبقى دائمًا على ولائه للديمقراطية، و أكد له حتى عندما أصدر الدعوة للرئيس إلى الحل الوسط قبل أسبوع من يوم 30 يونيو–أنه لا سبب للقلق، حيث أن التحذير هو مجرد إجراء شكلي يهدف إلى تهدئة بعض قيادات الجيش. ثانيهما، كان تأكيد السفيرة الأمريكية أنه ليس من الممكن أن تدعم الولايات المتحدة أي إجراء من طرف الجيش ضد رئيس شرعي.
في هذه الأثناء، كان البرادعي منهمكاً كلية في الاتصال بزعماء العالم لاقناعهم بأن الطريق الوحيد للخروج من أزمة مصر هو إقالة مرسي والإطاحة به. في أوائل يوليو أقر البرادعي بتفاخر، “لقد تحدثت مع كل منهم (أوباما وكيري) على نطاق واسع وحاولت إقناعهم بضرورة خلع مرسي”. علاوة على ذلك، تم الضغط من قادة السعودية والإمارات والكويت على الولايات المتحدة لدعم تدخل العسكريين في مصر. من المثير للسخرية أن زعماء الغرب، و من ضمنهم أوباما وكيري، ضغطوا على مرسي وقيادات الإخوان خلال شهري مايو ويونيو لقبول البرادعي رئيسا للوزراء في حين أن هذا الأخير كان يسعى لإسقاط مرسي.
من ضمن حملة التشويه لمحاولة إقناع الغرب بتضاؤل شعبية الإخوان المسلمين، كلف المعهد العربي الأمريكي في واشنطن بإجراء استطلاع للرأي حول تراجع شعبية مرسي والإخوان. فقد أعلن جيمس زغبي رئيس المعهد وهو تابع و خادم للإمارات أثناء مؤتمر صحفي عقده يوم 28 يونيو أن “مرسي يرأس حكومة أقلية و يقتصر تأييده على جماعته فقط وأن المصريين فقدوا الثقة في الرئيس مرسي وقدرة الإخوان المسلمين على الحكم”. علاوة على ذلك، تنبأ بأن “ملايين المصريين سيخرجون للتظاهر ضد الرئيس مرسي و حكومة الإخوان المسلمين”. ولم يطرح أحد من الحاضرين فى هذا المؤتمر الصحفي أي سؤال بخصوص مصدر تمويله أو جهة تكليف المعهد بهذا الاستطلاع، والذي شمل أكثر من 5000 مواطن مصري.
كشف الأكاذيب
جميع الدول الديمقراطيات تفعل بذلك: أمريكا، فرنسا، الأرجنتين، البرازيل
بحلول منتصف يونيو كانت الحملة ضد مرسي والإخوان قد بلغت ذروتها. العديد من أساتذة العلوم السياسية والمفكرين من المعارضة بما في ذلك وحيد عبد المجيد وحسن نافعة ، وكذلك أساتذة القانون الدستوري مثل نور فرحات وحسام عيسى، كانوا يجادلون عبر العديد من شبكات التلفزيون أن الدعوة إلى “انتخابات رئاسية مبكرة” لم يكن فقط آلية مقبولة متاحة في كل الدول الديمقراطية، ولكنها إستخدمت مرات عديدة. وكأمثلة على ذلك ذكروا استقالة نيكسون في عام 1974، شارل ديجول في في فرنسا عام 1969، راؤول ألفونسين في عام 1989 في الأرجنتين، وفرناندو كولور دي ميلو في عام 1992 في البرازيل.
ويتضح من كلام هذه النخب الليبرالية و بشكل مروع مدى خيانة الأمانة الفكرية ، حيث أن كل هذه الأمثلة التي ساقوها لم تكن مطالب فعلية “لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة “. كما أنها لم يكن بها إقالة لرئيس شرعي منتخب ديمقراطيا جراء انقلاب عسكري. فمثلا، تقدم نيكسون باستقالته قبيل صدور قرارمن الكونغرس بتوجيه اتهمات خطيرة له ومحاكمته. وعلى إثر ذلك أدى جيرالد فورد نائب الرئيس اليمين الدستورية لمنصب الرئيس بدون أي انتخابات مبكرة. وديغول استقال طوعا من الرئاسة بعد أكثر من 10 أعوام في السلطة وذلك بعد وعده بالإستقالة في حالة عدم تأييد الشعب للاصلاحات التى كان قد اقترحها فيما يخص مجلس الشيوخ والحكومات المحلية. وعندما لم يقر الشعب هذه الإصلاحات في الاستفتاء، قدم ديغول استقالته رغم أنه لم يكن ملزمًا بذلك دستوريًا.
و بالنسبة لألفونسين فبعد ست سنوات في السلطة، لم يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 1989 ومع ذلك، أجريت الانتخابات البرلمانية والرئاسية في وقت واحد في صيف عام 1989. و كان من المفترض أن يتم تنصيب الرئيس الجديد بعد خمسة أشهر، ولكن عندما هزم مرشح حزب الرئيس ألفونسين من قبل المعارضة، تنازل ألفونسين مبكرا ليسمح للرئيس الفائز أن يتولي السلطة و لم تكن هذه أيضا إنتخابات مبكرة. أما بالنسبة لدي ميلو فبعد عامين في السلطة، تم توجيه الاتهام له من قبل الهيئة التشريعية بسبب دعوى فساد وتقدم بإستقالته. و حقيقة أن عدم وجود أي آلية دستورية تجيز إقالة رئيس شرعي بناءاً على احتجاجات شعبية في أي دولة ديمقراطية في العالم لم تمنع إصرار هذه الشخصيات الليبرالية في مصرعلى إقالة رئيس جاء بانتخابات حرة بواسطة العسكريين، بصرف النظر عن النتائج الخطيرة التى سوف تترتب على هذا الإصرار.
ولم يكتف الكاتب الشهير علاء الأسواني بسرد بعض من الأمثلة السابق ذكرها كنماذج صالحة للتطبيق بهدف اسقاط مرسي والإطاحة به، بل إنه لمن المثير للسخرية أن يسهب فى مدح القوات المسلحة قبل أن يختتم عموده الأسبوعي بجملته المعهودة “الديمقراطية هي الحل”. بالفعل توجد في دساتيربعض الدول الديمقراطية آلية تسمح بعزل رئيس الدولة. وعلى الرغم من عدم وجود آلية لعزل الرئيس في دستور الولايات المتحدة، فإن دساتير بعض الولايات تسمح بعزل المحافظين. فمثلا في 2003 تم عزل محافظ ولاية كاليفورنيا غراي ديفيس ولكن هذا لم يتم بناء على الاحتجاجات أو على أي تدخل من طرف الحرس الوطني أو الجيش. بل على العكس تم ذلك كإجراء دستوري تضمن قيام المحكمة العليا للولاية بالتوقيع والمصادقة على ملايين الطلبات بعزله قبل إجازة عملية العزل رسميا من خلال استفتاء. وعلى الرغم من أن الدستور المصري لعام 2012 يسمح للبرلمان باتهام الرئيس ومحاكمته إلا أنه لم يسمح بعزله.
كفانا معاناة: قطع الكهرباء و نقص الوقود
طوال شهر يونيو استمرت الحملة الإعلامية العنيفة في اتهامها لحكومة مرسي بجميع المشاكل التي يعاني منها المجتمع المصري، و ركزت بشكل خاص على ثلاث مشكلات بعينها: تدهور الأمن، وتكرار انقطاع الكهرباء لساعات متواصلة في المناطق السكنية وكذلك الصناعية ، وعدم توافر الوقود مما تسبب فى طوابيرطويلة عند محطات البنزين.
يوجد في مصر 2480 محطة بنزين، منهم حوالي 400 محطة تملكها الحكومة و 2000 محطة ملك رجال أعمال حصلوا على تراخيصها في عهد مبارك لقربهم من نظامه وإخلاصهم الشديد له. وأكدت حكومة مرسي أن كل محطة قد استلمت نصيبها من الوقود وأنه مبدئيا لا يوجد أي سبب للعجز. و قد حذرمرسي قبل أيام قليلة من الإطاحه به أصحاب محطات البنزين بسحب تراخيصهم في حالة رفضهم التموين للمواطنين عند الطلب. وقد قام خالد الشامي الناشط الشبابي فى حركة تمرد حتى حدوث الانقلاب العسكري بفضح هذه المكيدة عندما أعلن عن حفنة من أصحاب محطات البنزين الخاصة الذين قاموا بالتآمر لخلق أزمة عجز الوقود المصطنعة من أجل إحداث حالة من الإستياء العام ضد مرسي. و خير دليل على أن مشكلة عجز الوقود هى مشكلة مدبرة هو الإنهاء المفاجئ للأزمة لحظة الإطاحة بمرسي.
أما بالنسبة للتدهور الأمني وانقطاع التيار الكهربائي، فكانت المؤامرة أعمق من ذلك. فالشرطة التي رفضت حماية أحياء بالكامل أثناء حكم مرسي عادت بكامل قواها إلى مواقعها. المجرمين والبلطجية الذين طالما أرهبوا الناس في الشوارع في عهد مرسى عادوا تحت سيطرة نفس أجهزة مبارك الأمنية، بينما أطلقوا يدهم فى المناطق التي يتظاهر فيها أنصار مرسي. اختفى فجأة انقطاع الكهرباء الذي كان يستمر ساعات متواصلة كل يوم في معظم الأحياء. و تم الكشف عن سر هذه المشاكل المستعصية في الاسبوع الآخير. ففي تشكيل الحكومة الجديدة بعد الإنقلاب تم الإحتفاظ بثمانية وزراء من بين خمسة وثلاثين وزيراً تم اختيارهم من قبل العسكريين، منهم وزيرى الداخلية والكهرباء. قد يعتقد البعض أن أول من سيتم تغييرهم فى الحكومة الجديدة هم الوزراء الذين اشتكت الجماهير من عدم كفاءتهم في عهد مرسي و هم الداخلية والكهرباء. و لكن المعارضة التي كانت تطالب بإقالتهم خلال حكم مرسى، الآن يحتفون بهم ويهتفون لهم. باختصار، العديد من المسؤلين بالحكومة الذين كانوا يتظاهرون بالولاء للرئيس سئ الحظ كانوا يقومون طوال الوقت بتقويض حكمه، في الوقت الذى اتهمته المعارضة بالإفراط فى تعيين اعضاء للإخوان المسلمين فى الحكومة.
لعبة الأرقام: إذا ظللت تكرر كذبة بصوت عال و لفترة كافية، فسوف يصدقك الناس في نهاية المطاف
في الأسبوع الثاني من يونيو، أعلنت تمرد أنها جمعت أكثر من 10 مليون توقيع في خلال ستة أسابيع. و بعد عشرة أيام فقط ارتفع هذا العدد ليصل إلى 22 مليون توقيع. و تلى ذلك إعلان محمود بدر المتحدث باسم حركة تمرد أن الهدف من وراء مظاهرة 30 يونيو قد تغير. فلم يعد الهدف هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بل تخطاه إلى المطالبة بالإطاحة بمرسي، و استبداله برئيس المحكمة الدستورية العليا، وإلغاء الدستور، وحظر جماعة الإخوان المسلمين، واعتقال ومحاكمة قادتها. وخلال الأيام التالية استمرت وسائل الإعلام فى قرع الطبول حتى وصول اليوم المشؤوم.
بحلول يوم 30 يونيو كان كل ممثل قد حفظ دوره تماما في المسرحية. و بحلول الظهر أعلنت تمرد أن العدد في الشوارع تجاوز 10 مليون مواطن. و بسرعة أصبح هذا الرقم 14 مليون ثم 17 مليون ثم 22 مليون. وفي نهاية المطاف إدعت وسائل الإعلام أن مظاهرات 30 يونيو فى جميع أنحاء مصر وصلت إلى 33 مليون مواطن متواجدين في الشوارع وأنها تعد أكبر مظاهرات في التاريخ الانساني. و قد قامت الطائرات العسكرية بالتحليق في سماء ميدان التحريروالقيام بتشكيلات مسلية للحشود تحتها كما قامت بإلقاء الأعلام المصرية وزجاجات مياه إليهم، ورسم قلوب فى الجو كعرض للحب والمودة تجاه المتظاهرين. حتى أن الجيش قدم طائرة هليكوبترعسكرية لنقل خالد يوسف، مخرج الأفلام المعروف بتأييده للمعارضة وعداءه للإخوان. سجل خالد يوسف الحشد في الحال وأنتج فيلماً تم بثه على الفور ليس فقط في كل الشبكات التلفزيونية المناهضة لمرسي في جميع أنحاء مصر بل وأيضا في التلفزيون الرسمي. و في خلال ساعات ادعت كل وسائل الإعلام أن أعداد المتظاهرين تقدر بعشرات الملايين وفي ميدان التحرير وحده يصل العدد ما بين 5 و8 ملايين. وفي يوم الانقلاب، ظهرت الألعاب النارية، وعروض الليزر، وأقيمت إحتفالات كاملة.
كما سبق و قلت أنه بالفعل قد حدث احتجاج شعبي ضخم وغضب موجه لمرسي والإخوان. و لكن هل كانت الأعداد بهذه الضخامة؟ في اكتوبر 1995 نزل مئات الآلاف من الناس الى ناشونال مول في العاصمة واشنطن للمشاركة في ما سميت “مسيرة المليون رجل” و التى ملأت المنطقة بأسرها. و قد إدعى المنظمون للتظاهرة أن الأعداد بلغت المليون في حين قدرت الشرطة الحشود بأربعمائة ألف متظاهر فقط. و حيث أن مساحة منتزه الناشونال مول لا تزيد عن 146 فدان فقد كانت التقديرات ب 6750 شخص للفدان (وفقاً للمنظمين) و 2750 شخص للفدان (وفقاً للشرطة). أي أن عدد الأشخاص يتراوح ما بين 0.7 إلى 1.7 فى المتر المربع الواحد.
في المقابل فإن منطقة ميدان التحرير لا تزيد مساحتها عن 12.3 فدان. و لقد أثبت امجد المنذر- مهندس اتصالات و خبير جوجل أرث– بشكل قاطع ما يلي: أنه حتى لو تم إدراج جميع الشوارع الجانبية لميدان التحريرفلن تتجاوزمساحة المنطقة 25 فدانا. و حتى لو تم إحصاء أربعة أشخاص لكل متر مربع، وتمت إزالة العشرات من المباني المحيطة، فلا يمكن أن يزيد الحشد عن 400 ألف شخص. وإذا كان العدد كما إدعى أنصار الانقلاب العسكري ما بين 5 إلى 6 ملايين ، فهذا يتطلب أن يحتشد ما بين 50 إلى60 شخصا في المتر المربع الواحد (5 إلى-6 لكل قدم مربع) وهذا يستحيل من الناحية الفعلية. وحتى لو كان المتواجدين مليون شخص يغطون كل شبر في ميدان التحرير وجميع الشوارع المحيطة له، سيتطلب ذلك تواجد 10 أشخاص فى المترالمربع، وهو من المستحيل إيضا. حتى أن البي بي سي شككت في هذه الأرقام المبالغ فيها.
حتى فى أفضل التقديرات فلن يتجاوزعدد الأشخاص المتواجدين في ميدان التحرير،في ذروة المظاهرة، النصف مليون متظاهر ويضاف إليهم ربما عدد مثله يتظاهر في جميع أنحاء مصر. ونتيجة لكل هذا فقد تمت التضحية بإرادة الناخبين المصريين بناءاً على قيام مليون أو مليونى شخص بالتظاهر لمدة يوم أو اثنين.
هل يمكنك الاحتفاظ بسر؟ وسائل الإعلام المعارضة لمرسي تكشف المؤامرة
حتى قبل ذهاب أي متظاهر لميدان التحرير، قامت الصحيفة السعودية اليومية عكاظ مسبقاً بنشر تفاصيل السيناريو الذي حدث بعدها بثلاثة أيام عندما قام العسكريين بالإستيلاء على الأمور. وفي يوم 30 يونيو كان عنوان الأهرام “إما الإقالة أو الاستقالة”. وحمل تقرير الأهرام تفاصيل مخيفة عن تطور الأحداث، بما في ذلك الانذار العسكري، الإطاحة بمرسي، القبض على قيادات الإخوان، وإلغاء الدستور. و بنهاية 3 يوليو، أعلن الجنرال السيسي الإطاحة بمرسي، وإلغاء الدستور، وبداية خارطة طريق جديدة. و تطابقت هذه الخارطة مع المبادرة التى أعلنها مرسي سابقا، ورفضتها المعارضة. الإختلاف الوحيد بين الخارطتين كان الإطاحة بمرسي
الأمريكان يكشفون أوراقهم
طوال الأزمة لعبت السفيرة الأمريكية باترسون دور المدافع عن الديمقراطية وسيادة القانون. و عندما أصدر الجنرال السيسي الانذار الذي قدمه إلى الرئيس مرسي في 1 يوليو، ظهر الوجه الحقيقى للإدراة الامريكية عندما أبلغت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس عصام الحداد-مستشارمرسي للشئون الخارجية أن اللعبة قد إنتهت: إما أن يتقدم مرسي بإستقالته أو سيتم الإنقلاب عليه ونصحته بالإستقالة وهو ما رفضه مرسي قطعياً. وعندما أُبلغ مرسي بالإنقلاب الوشيك، سجل كلمة مدتها 22 دقيقة عن طريق هاتف محمول تعهد فيها بعدم الاستقالة وأعرب فيها عن نيته مقاومة الانقلاب. ولقد قام مساعدوه بسرعة بإرسال هذه الخطبة المرتجلة عبرالبريد الالكتروني. وفي خلال ساعة تم التحفظ على مرسى و لم يُري أو يُسمع عنه منذ ذلك الحين.
في هذه الأثناء، تحدث وزير الدفاع الإمريكي تشاك هيغل مع قائد الانقلاب الجنرال السيسي خمس مرات على الأقل فى خلال الأزمة. ونصحه بالإعلان عن أن الانتخابات ستعقد في أقرب وقت ممكن. وبالإضافة إلى ذلك أكد للسيسي أن الإدارة الإمريكية سوف تحافظ على مساعداتها العسكرية لمصر. و في خلال أيام التقى نائب وزير الخارجية الأمريكي وليام بيرنز فى مصر مع قادة الانقلاب وبعض المدنيين المتعاونين معهم. وأثناء وجوده في القاهرة تجاهل تماما كل الحقائق المحيطة بالإطاحة برئيس منتخب. وكانت رسالته فى الأساس هي دعم الانقلاب كما ذكر في حديثه، “وتلتزم الولايات المتحدة التزاما راسخا بمساعدة مصر في نجاحها في هذه الفرصة الثانية لتحقيق وعود الثورة”.
في مارس 2012 السابق، اجتمع بيرنز نفسه مع المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر وعرض عليهم أنه فى حالة أن حافظ الإخوان على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فإن الولايات المتحدة سوف تقوم بتأمين مساعدات ب20 مليار دولار من دول مجلس التعاون الخليجي كمساعدات للإقتصاد المصرى. ولكن السعودية والإمارات والكويت رفضوا تقديم أي مساعدة فعلية في عهد مرسي. و بالرغم من ذلك، وفي خلال يومين فقط من الانقلاب العسكري تم الوفاء بتعهدات بيرنز ولكن مع قادة الانقلاب. و لقد هنأ قادة هذه الدول الثلاث الجنرال السيسي (وليس الرئيس الدمية المعين من قبل العسكريين) على خلع مرسي وتعهدوا بإرسال حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار كمنحة للمساعدة في استقرار الاقتصاد.
وبالإضافة إلى ذلك وعد بيرنز قائد الانقلاب بأن المساعدات العسكرية الأمريكية سوف تستمر و أن قرض صندوق النقد الدولي المعلق منذ سنتين سوف يتم الموافقة عليه فى الحال. و قد أبدت الإدارة الأمريكية رفضها التام تسمية الإطاحة برئيس شرعي منتخب بواسطة العسكريين بأنه إنقلاب ، ومرة أخرى تضحي الإدارة الإمريكية بالمبادىء والمثل العليا على أعتاب مصالح وطنية ضيقة قصيرة النظر.
ربما كانت ردود الأفعال الإسرائيليية والفلسطينية أفضل وسيلة لقياس التداعيات الإقليمية للأحداث الأخيرة. فعندما تم خلع مبارك يوم 11 فبراير 2011، فرح الفلسطينيين واحتفلوا ورقصوا في الشوارع بينما كانت إسرائيل في حالة حداد. ولكن بعد الإطاحة بمرسي من قبل العسكريين في 3 يوليو انقلبت الأدوار.
أين حقوق الإنسان؟ و حرية التعبير؟ و حرية التظاهر؟
فى الوقت الذى إجتمع فيه المتحدثين بقيادة البرادعي خلف الجنرال السيسي و بارك الإنقلاب كلاً من الإمام الأكبر شيخ الأزهر وبابا الأقباط، قامت قوات الأمن بكامل قوتها بإعتقال المئات من أنصار الإخوان والعديد من قياداتهم بتهم واهية وهى التحريض على العنف، كما تم تجميد أموالهم والتحفظ على عقاراتهم. وقد تم اعتقال مرسي وهدد أعضاء النيابة العامة من عهد مبارك بتوجيه تهمة “الهروب من السجن” له وذلك على إثر القبض عليه بشكل غير قانوني من قبل ضباط أمن مبارك يوم 27 يناير 2011 إبان الأيام الأولى للثورة. والأعجب من ذلك أن النيابة العامة أعلنت أيضاعن قرارها التحقيق مع الرئيس مرسي بتهمة “التخابر والإتصال بعناصر أجنبية”، مثل زعماء البلاد الغربية، وذلك أثناء فترة ولايته. كما تم مداهمة وإغلاق اكثر من اثنتي عشر وسيلة إعلامية موالية لمرسي بما في ذلك قنوات تلفزيونية ومواقع إلكترونية وصحف. وبحلول 8 يوليو، قامت قوات من الجيش بقتل أكثر من 80 متظاهرمؤيد لمرسي واصابة أكثر من 1000 أثناء صلاتهم وتظاهرهم السلمي أمام نادي الحرس الجمهوري الذى يُعتقد تواجد مرسي فيه. وحتى الآن، قتل أكثر من 270 شخصا واصيب الألاف على يد الجيش وقوات الأمن في جميع أنحاء مصر.
ورغم إصرار الجيش على تعرض أفراده للهجوم عليهم من قبل المتظاهرين أمام نادي الحرس الجمهوري إلا أنه توجد أدلة مضادة قوية تنفى هذه الإدعاءات. و قد ردد كل من النخبة الليبرالية ودعاة حقوق الإنسان وكذلك الإعلاميين ادعاءات الجيش وألقوا باللوم على المتظاهرين لتواجدهم بالقرب من منشأة عسكرية. ولكن نادي الحرس الجمهوري هو عبارة عن نادي اجتماعي و رياضي مملوك للحرس الجمهوري لإستراحة واستجمام الضباط وذويهم و ليس منشأة عسكرية بالمرة. و منذ هذا الانقلاب تعرض الشعب المصري إلى دعاية عسكرية صفراء غير مسبوقة منذ عهد جمال عبد الناصر. في حين لم يغلق مرسي وسيلة إعلامية واحدة على الرغم من حملة التشويه ضده-أغلقت أو حوصرت جميع القنوات والمواقع الموالية لمرسي أثناء الأنقلاب.
المعايير المزدوجة: لا للاعلان الدستوري لمرسي وللنائب العام، و لكن نعم لاعلان الجيش و نائبه العام
اشتد غضب المعارضة الليبرالية عندما أصدر مرسي إعلانه الدستوري في نوفمبر2012، والذي تم فيه إقالة النائب العام الفاسد المعين من قبل مبارك، مع أن ذلك كان مطلباً رئيساً للمجموعات الثورية الشبابية. وعلى الرغم من نواياه الطيبة للإسراع بإنشاء المؤسسات الديمقراطية للبلاد التي تم حلها من قبل المحكمة الدستورية العليا، اتهمت المعارضة مرسي بالاستبداد والدكتاتورية. بالمقابل رحب معظم الليبراليين والعلمانيين بالمرسوم الدستوري الصادرعن الرئيس الدمية المعين من الجيش بعد الإنقلاب. وسأناقش تفاصيل هذا المرسوم في مقال لاحق، ولكن يكفي أن أقول أنه نص على منح الرئيس المختار من قبل القوى العسكرية سلطات أكبرمن تلك التى كانت لدى مرسي الرئيس الشرعي المنتخب حيث نقلت الكثير من صلاحياته كرئيس إلى رئيس الوزراء في الدستور الذي وافق عليه الشعب في 2012. علاوة على ذلك، ثارت المعارضة الليبرالية من قيام مرسي منفرداً بتعيين نائب عام مشهود له بالنزاهة، لدرجة أن قضاة ومحاميين فاسدين ضايقوه وحاصروا مكتبه لعدة أيام مطالبين باستقالته. و لكن عندما تم تعيين النائب العام الاخير من جانب الرئيس المؤقت الجديد، لم يعارض أى قاضى أو محامي أو قائد في المعارضة هذا الأمر. و بمجرد تسلمه لمهام عمله، كانت مهمته الأولى هى تجميد أصول الزعماء الاسلاميين والأمر باعتقالهم.
لنسم الأشياء بمسمياتها
البرادعي، الذي لم يفز فى أى انتخابات، أصبح الآن نائباً لرئيس جمهورية مصرالعربية، في حين أن مرسي، الذي انتُخب بحرية وديمقراطية من قبل الناخبين المصريين، معتقل في مكان غير معلوم. ولقد تم كل هذا نزولاً على رغبة جنرالات عسكريين والتى أيدهم فيها حلفاؤهم المدنيون. إن الإنسان ليذهل من الخداع والكذب الذين أظهرتهما النخبة الليبرالية والعلمانية المصرية. وهم الذي تشدقوا لسنين من الإسلاميين وهم يتهمونهم بعدم احترامهم لمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، والرضوخ لإرادة الشعب. وحذروا من الديكتاتوريات، والحكم العسكري، أو التضحية بمباديء الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الشخصية، وحماية الأقليات. الاعتقاد في المبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون هو التزام لمدى الحياة. فلا يمكن لشخص أن يقول، “سوف أتمسك بهذه القيم في أيام الاثنين والثلاثاء، والأربعاء فقط. ولكن بالنسبة لبقية أيام الأسبوع، سوف أغض النظرعن ذلك. ” هذا هوالنفاق بعينه.
نشر هذا المقال يوم 19 يوليو 2013 في: www.counterpunch.org وترجمه: عمر قاسم