تبدأ اليوم قمة المناخ أعمالها في مدينة لوبورجيه الفرنسية شمال العاصمة باريس، حيث من المفترض أن يُشارك بها زعماء وممثلون عن نحو مئتي دولة حول العالم، هذه القمة البيئية العالمية التي تعنى بالأساس بالتغيرات المناخية تعقدها الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC)، والتي اعتمدت في عام 1992، في نهاية قمة الأرض بالمدينة البرازيلية ريو دي جانيرو.
عقدت هذه القمة في نسختها العشرين العام الماضي في دولة البيرو، بينما تستضيف فرنسا القمة الـ 21، على أن تستضيف المغرب القمة الـ 22 القادمة، تُقر هذه القمة بأن التغير المناخي الحادث سببه بالأساس الأنشطة البشرية وعليه يجب أن يتصدى البشر لآثار ممارستهم، وقد تحملت الدولة الصناعية الكبرى المسؤولية الأكبر في هذه المواجهة.
تسعى القمة اليوم للخروج باتفاق دولي ملزم يدخل حيز التنفيذ في العام 2020، ينتج عنه خطط وسياسات اقتصادية وبيئية على مستوى العالم قد تكون الأولى من نوعها، حيث من المفترض أن ترصد الإمكانيات المادية وتوفر من خلال هذه القمة للعمل على خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة والمؤثرة على المناخ، وكذلك للتعامل مع الآثار المترتبة على ظاهرة الاحتباس الحراري.
إذ تتعهد الدول الصناعية الكبرى بتوفير قرابة 100 مليار دولار اللازمة لهذا الأمر، لكن يظل هذا القرار محل تشكيك حتى الآن من قِبل الدول النامية التي رأت أن القمم السابقة لم تستطع توفير التعهدات السابقة لمساعدتها في مواجهة هذه الآثار البيئية بطرق حديثة، وعلى هذا من المفترض أن يُعاد تقييم جميع الخطوات التي نفذت عالميًا في هذا الصدد في قمة اليوم، وكذلك الإجراءات التي لم تنفذ بخصوص التغير المناخي، مع تجديد أو تعديل الالتزامات العالمية السابقة.
تكمن أهمية قمة باريس في التغيرات المناخية الحادة التي يشهدها العالم في الآونة الأخيرة، حيث يعتبر القرن الواحد والعشرين الفترة الأكبر التي تشهد ارتفاعات حادة للحرارة على كوكب الأرض بمتوسط درجتين مئويتين، وكان عام 2014 هو الأكثر سخونة حتى الآن، منذ عام 1850، لذا يعقد الجميع الآمال على هذه القمة لحماية الأرض من مخاطر التغير المناخي.
استعدادات فرنسية للقمة
قررت الحكومة الفرنسية منع التظاهرات في هذا اليوم أثناء القمة التي تُعقد بداية من تاريخ اليوم حتى الحادي عشر من ديسمبر القادم، مرجعة ذلك إلى أسباب أمنية، حيث أصرت الحكومة الفرنسية على استضافة القمة رغم الهجمات التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس مؤخرًا، والتي أدت إلى مقتل 129 شخصًا وجرح المئات.
جاء ذلك في تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي يترأس القمة قال فيه إن الوضع الناشئ عن هجمات باريس يفرض ظروفًا أمنية مشددة، وذلك بعد رفض منح تراخيص لتظاهرات نشطاء مدافعين عن البيئة لمطالبة الحكومات الصناعية الكبرى بالعمل على خفض الانبعاثات الضارة الناتجة عن نشاطهم الصناعي.
نحو 2800 شرطي يشاركون في تأمين موقع انعقاد القمة في مدينة لوبورجيه، كما انتشر نحو ثمانية آلاف عنصر من القوات الأمنية على الحدود للمراقبة، كما ستتولى عناصر أمنية من الأمم المتحدة تأمين المواقع التي ستشغلها أعمال المؤتمر يبلغ عددهم 100 عنصر، بخلاف نحو 300 عنصر أمني خاص، هذا وقد تم توزيع عدد 6300 شرطي وقوات متحركة للإشراف على الأمن في العاصمة باريس أثناء انعقاد القمة.
ينتظر من هؤلاء تأمين قرابة 50 ألف شخص من وفود الدول التي ستحضر القمة بينهم أكثر من 150 رئيس دولة، ونحو 10 آلاف مندوب من قرابة 200 دولة، و14 ألف ممثل للمجتمع المدني ومراقبون في المفاوضات التي ستجري وثلاثة آلاف صحافي معتمد، كما سيرافق ألفا شخص إضافي رؤساء الدول.
في حين يقدر إنفاق فرنسا في هذه القمة 186 مليون يورو بحسب المنظمين، وقد اعتمد البرلمان الفرنسي هذا المبلغ كتكلفة للتنظيم، بينما يتوقع أن يجلب مؤتمر المناخ مائة مليون يورو لمنطقة إيل دو فرانس فقط بحسب تقارير اقتصادية.
قمة المناخ في باريس تساهم في الإضرار بالمناخ
خرجت تقديرات تؤكد أن كافة الاستعدادات اللوجستية ستسبب في انبعاثات تبلغ 21 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون من موقع القمة الذي سيستقبل 40 ألف شخص على الأقل يوميًا، بالإضافة إلى زيادة 70 ألف مقعد يوميًا في وسائل النقل من بينها القطارات على خطوط الضواحي المختلفة.
كذلك ستوفر خدمات النقل مجانًا بين مواقع المؤتمر ومحطات نقل القطارات المترو وقطارات الضواحي الأقرب، وستعمل ثلاثة خطوط إضافية خاصة للنقل الليلي بين مدينتي لوبورجيه وباريس، فيما سيضاف خطان على مدار الساعة في منطقة الفنادق في رواسي، كذلك من المقرر أن يحظى الأشخاص المعتمدون ببطاقة تنقل مجانية عبر شبكة النقل العام المشترك، وستوضع 200 عربة كهربائية مع سائق في تصرف الموفدين.
تقارير الأمم المتحدة تؤكد كارثية تغيرات المناخ
يُذكر أن الأمم المتحدة تؤكد أن الكوارث الطبيعية المتعلقة بالطقس تحدث بصفة شبه يومية خلال السنوات العشر الأخيرة، أي ضعف ما كان يحدث خلال العقدين الماضيين، إذ صدرت تقارير تؤكد أنه منذ عام 1995 قتلت الكوارث الطبيعية المتعلقة بالطقس 606 آلاف شخص، وأصبح 4.1 مليار شخص بين مصاب ومشرد جراء هذه الكوارث.
هذا وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث إلى أن جملة الخسائر السنوية الناجمة عن الكوارث في العالم تصل إلى 300 مليار دولار، وقد عقدت كافة الآمال العالمية على قمة باريس اليوم للخروج بحلول جذرية لهذه المشكلة المتضخمة التي يواجهها العالم بأسره.
ظاهرة الاحتباس الحراري، وتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أوكسيد الكربون، بنسبة 2% ستكون على رأس أولويات مناقشة الدول ووفودها الفنية في هذه القمة، حيث يحاول الجميع التوصل إلى مسوّدة معاهدة للسنوات الثلاثين المقبلة، هذه المسودة تسمح باحتواء أزمة ارتفاع درجة حرارة الأرض.
كما يتطلع الجميع إلى تفعيل آلية قانونية تحد من الانبعاثات الملوثة للبيئة، بحيث تكون لها قوة إلزامية عن طريق تفعيل العقوبات في حال عدم الالتزام بقوانين حماية البيئة، هذا الأمر الذي يحتاج إلى التوصل إلى معاهدة واضحة المعالم، توقع عليها كافة الدول المشاركة.
لكن كل هذه الآمال ربما تصطدم بعوائق الدول الكبرى التي غالبًا ما سترفض هذا الإطار الملزم بصيغة المعاهدة الدولية، وستفضل أن يكون الأمر بصيغة اتفاق مرن، وستظل قضية توفير الأموال اللازمة للحد من آثار تغيرات المناخ مأزق بين الدول الكبرى التي تعد ولا تفي بالتزاماتها في غالبية المحافل التي تتحدث فيها عن البيئة، لتظل قرارات قمة المناخ اليوم حبر على ورق ما لم تجبر الدول الصناعية الكبرى على تنفيذها.
فيما تعتبر الدول النامية التي تتحسس طرق التصنيع مطالبتها بالالتزام بالحفاظ على البيئة وتقييد أنشطتها الصناعية جورًا على حقها وتقييدًا لتنميتها، خاصة أنها ليست مسؤولة عما وصل إليه الوضع البيئي العالمي الآن، باعتبار أن الدول الصناعية هي التي عليها تتحمل المسؤولية الكاملة للوضع الحالي.