تشير تقارير محلية ودولية غير رسمية إلى وجود قرابة 8000 تونسي يقاتلون ضمن الجماعات الجهادية في مختلف أنحاء العالم خاصة في العراق وسوريا، أغلبهم ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية حتى أصبحوا العمود الفقري لها، ليس هذا فحسب بل أن بعض التقارير تشير أن التفجير والانغماس اختصاص التونسيين هناك.
وينتمي معظم التونسيين المنتسبين إلى التيارات الجهادية في الغالب إلى فئات اجتماعية فقيرة أو متوسطة خاصة الشباب المكتئب أو المنفصل عن روابطه الاجتماعية العائلية والذي يدفعه الشعور بعدم التوافق مع المحيط المعتاد نحو البحث عن حلول بديلة لأزمته النفسية والاجتماعية، وفي بعض الأحيان إلى الفئات الميسورة والغنية، أغلبيتهم ذوي درجة علمية بسيطة ومحدودة إذ إنهم لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الإعدادي أو الثانوي وقليل منهم من ذوي المؤهلات الجامعية في الاختصاصات العلمية والتقنية.
أثار التفجير الانتحاري الأخير الذي نفده الإرهابي حسام العبدلي الثلاثاء الماضي واستهدف حافلة تقل عناصر من الأمن الرئاسي وراح ضحيته 12 أمنيًا و20 جريحًا مخاوف التونسيين من تكرر هذه العمليات وانتشارها في البلاد.
وينحدر هؤلاء المنتسبون إلى التيارات الجهادية إلى فئات مختلفة فنجد بينهم المقاتلين القدامى في الجبهات العالمية (أبو عياض زعيم تيار أنصار الشريعة المحظور قاتل في أفغانستان) والمنتفعين بالعفو التشريعي العام عقب ثورة 2011 من المنتمين إلى خلية سليمان (أحداث سليمان 2005) وغيرها بالإضافة إلى بعض مساجين الحق العام الذين يبحثون عن زعامة وقيادة تضمنها لهم هذه الجماعات الإرهابية إلى جانب العديد من المهمشين والمنقطعين عن الدراسة والمنحرفين الذي رفضهم المجتمع أو الناقمين على التمشي الديمقراطي وغياب العدالة والتنمية.
وتلجأ داعش إلى مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك – تويتر – إنستغرام) لنشر أفكارها والترويج لدولتها عن طريق استغلال حالة اليأس لدى الشباب؛ فداعش تستغل الخبرة والتسهيلات الجديدة التي وفرها الإنترنت في مجال التنظيم والاتصال والإعلام لاستقطاب الشباب المتمرد والناقم على الوضع العام للبلاد، مستعملة في هذا نظرية التسويق الاجتماعي وذلك بإثارة وعي الشباب عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة بها بزيادة المعلومات المرسلة، للتأثير على القطاعات المستهدَفة من الجمهور (الشباب خاصة).
من هنا نرى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد وفرت مجالًا خصبًا لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الجهادية المسلحة، وأعطت مستخدميها فرصًا كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة إلا بشكل نسبي محدود؛ الأمر الذي جعل بعض السياسيين والقادة العسكريين يعتبرون أن حملة التجنيد التي يقوم بها المنتمين إلى داعش عبر الفيسبوك وتويتر تمثل أحد أكبر التهديدات والعقبات أمام فرص التغلب على هذا التنظيم.
وأمام خطورة مواقع التواصل الاجتماعي قررت الحكومة التونسية تكثيف حجب المواقع الإلكترونية المحرضة على الإرهاب، بالإضافة إلى العمل على حجب عدد من الحسابات في موقعي “فيسبوك” و”تويتر” التي لها علاقة بهذه الظاهرة.
ويقول الباحث التونسي في المركز التونسي للدراسات الاقتصادية والاجتماعية سامي براهم في ورقة بحثية له بعنوان “مَجَاذِيبُ دَاعِش” إن خريطة المنتمين لداعش هي نفسها خريطة التهميش الاجتماعي والحرمان من التنمية وخاصة المناطق الحدودية التي يتقاطع فيها الإرهاب مع التهريب حيث تتبادل شبكات الإرهاب والتهريب الخدمات وتقاسم المنافع والأعباء (تهريب السلاح – تهريب الأشخاص – التموين – الحماية – الرقابة – الإعلام عن الأخطار).
وأرجع سامي براهم قابلية هذه الفئة من الشباب إلى الانجذاب لداعش وفكرها وسلوكها إلى الهشاشة الاجتماعية وعدم التوازن النفسي بالإضافة إلى احتقار الذات بسب الإحساس بالنقص والتفاوت الطبقي والجهوي والاجتماعي وعدم الإحساس بالانتماء لدولة ووطن لا يقدم كرامة العيش والعدالة الاجتماعية لمواطنيه، حيث تغيب الدولة في عدد من الجهات التي تفتقد للمرافق الأساسية والبنية التحتية ولا تحضر الدولة إلا من خلال وحدات الحرس والأمن.
إلى جانب التهميش الاجتماعي يتحدث الباحث عن التهميش الثقافي؛ فمناطق التهميش الاجتماعي هي نفسها مناطق التهميش الثقافي أي المناطق المحرومة من التنمية الثقافية التي تفتقد إلى مرافق الثقافة من مسرح وسينما ومكتبات ودور ثقافة ودور شباب وفضاءات للترفيه والحوار والتواصل بين الشباب والنخبة الفكرية والثقافية؛ الأمر الذي يسهل لداعش السيطرة على عقول الشباب الذين يجدون أنفسهم وجهًا لوجه مع خطاب الاستقطاب الداعشي بمضامينه الدينية والثقافية والسياسية ووسائله الإعلامية متعددة الوسائط والأشكال والمؤثرات.
يقول الباحث التونسي في الجماعات السلفية محمد الحاج سالم إن الإرهاب يستثمر المآسي الهيكلية لدولة الاستبداد والديكتاتورية خاصة في المناطق المهمشة والفقيرة بالإضافة إلى مساحات الحرية عقب الثورة لتأسيس خلاياه والتمدد من خلال توسيع دائرة المنتدبين والمرشحين للانتداب.
ويلغي الانتماء إلى هذه الجماعات المسلحة ذاتية الإنسان وعقله؛ فلا مجال للتفكير الشخصي خارج ما تفكر فيه الجماعة، كما أنه يحتم على المنتمين إليها الاستغناء عن كل مورد مالي من خارجها إن كان من الدولة أو من العائلة؛ فيتم الالتجاء إلى إقامة مشاريع اقتصادية صغيرة خارج الأطر التقليدية.
ولفهم سلوك داعش في تجنيد الشباب والسيطرة على طبيعة تصرفاتهم يقول أستاذ علم النفس أيان روبرتسون في واحد من تحليلاته والذي نشر في جريدة الإندبندنت البريطانية إن هناك خمسة أسباب علمية وراء هذا السلوك وهي “الوحشية التي تجر وحشية ومعها تتحول الضحية إلى جلاد” ومن ثم “الانغماس في الجماعة (الجماعات الإرهابية) من خلالها تختفي الأنا تمامًا تحت تأثير التنويم المغناطيسي الجماعي” و”التعامل مع الآخر على أنه شيء (حيوان أو حتى جماد) لا نفس بشرية، “بالإضافة إلى الثأر الذي يحتل قيمة كبرى في الثقافة العريبة” و”دور القادة وقدرتهم على فرض الطاعة العمياء على مريديهم”.