ترجمة وتحرير نون بوست
في خضم النقاش السياسي الهستيري الذي اندلع في أعقاب حوادث 13 نوفمبر الإرهابية في باريس، بزغ توافق آراء غريب حول الكيفية التي يجب فيها على المملكة المتحدة أن تتجاوب مع تصاعد تأثير ونمو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
بشكل عام، حصل الأكراد على قدر كبير من التعاطف في الغرب منذ حرب الخليج في عام 1991، ومؤخرًا، أجمع المعلقون التقدميون البارزون المعارضون للتدخل العسكري المباشر للمملكة المتحدة في سورية، على ضرورة “التسليح المنهجي” للميليشيات الكردية، وهو الأمر الذي عبّر عنه كاتب حزب العمال اليساري، أوين جونز، في الطبعة الأخيرة من صحيفة بي بي سي الصادرة يوم الأحد، وبالمثل، ناقش مقدم قناة الجزيرة مهدي حسن في إحدى مقالاته العام الماضي بأن “التقدميين يجب أن يدعموا الأكراد”، وهي ذات الفكرة التي أيديها جورج غالاوي، فضلًا عن أن حكومة المحافظين، وافقت على تدريب وتسليح القوات الكردية في العراق منذ عام 2014.
بالإضافة إلى ذلك، ذكر داعية حقوق الإنسان بيتر تاتشل، وهو مؤيد آخر لتسليح الأكراد، في مقالة له نشرت مؤخرًا بأن “الإستراتيجية الناجحة قد تتمثل بتمكين وحدات حماية الشعب الكردي (YPG) في شمال سورية والبيشمركة الكردية في العراق”، وهما الفصيلان الكرديان اللذان يحاربان تنظيم الدولة الإسلامية.
بالمقابل، أصدرت منظمة العفو الدولية في أكتوبر 2015 تقريرًا ألمحت فيه لوجود “أدلة على انتهاكات مثيرة للقلق، بما في ذلك روايات لشهود عيان وصور أقمار صناعية، تظهر التهجير المتعمد لآلاف المدنيين وهدم قرى بأكملها” في مناطق شمال سورية الواقعة تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، وهو الحزب السياسي لميليشيات وحدات حماية الشعب الكردي.
“من خلال الهدم المتعمد لمنازل المدنيين، وفي بعض الحالات هدم وحرق قرى بأكملها وتشريد سكانها بدون وجود أي أسباب عسكرية تبرر ذلك، تسيء قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في مناطق حكمها الذاتي استخدام السلطة، وتستهزأ بوقاحة بالقانون الإنساني الدولي، حيث ترقى هجماتهم إلى مستوى جرائم الحرب”، قالت لمى فقيه، كبيرة مستشاري الأزمات في منظمة العفو الدولية.
على تويتر، قمت بتحدي تاتشل وسؤاله عن سبب حثه لدعم الجماعات الكردية المتهمة بارتكاب جرائم حرب، مرفقًا نسخة من تقرير منظمة العفو الدولية، وكان رده، “هذه الأفعال كانت خاطئة، ولكنها حوادث استثنائية وغير نموذجية من وحدات حماية الشعب الكردي، فهم عمومًا يتمتعون بسجل جيد في حماية المدنيين”.
ولكن بالتأكيد وصف “الاستثنائي وغير النموذجي” لا ينطبق على ما تصفه منظمة العفو الدولية بأنه “تهجير متعمد لآلاف المدنيين” من 8 قرى على الأقل!! علمًا أنه في يوليو 2015، كتب مراسل صحيفة الإندبندنت في الشرق الأوسط، باتريك كوكبرن، من قلب مناطق سيطرة وحدات الحماية الكردية، بأن “الصراع يمتلك جوانبًا كثيرة من صور الحرب العرقية، فالأكراد يطردون العرب السنة، ويتهمونهم بأنهم من أنصار الدولة الإسلامية”.
وفي يونيو 2014 أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا يقع في 107 صفحات حول حالة حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في سورية، ووفقًا للتقرير، تم الإبلاغ عن حالات اعتقالات تعسفية للمعارضين السياسيين لحزب الاتحاد الديمقراطي، ووقوع انتهاكات أثناء الاعتقال، كما أُبلغ عن حالات تجنيد للأطفال واستعمال للقوة المفرطة لقمع الاحتجاجات السياسية.
الصورة تبدو متماثلة أيضًا في مناطق سيطرة القوات الكردية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، حيث صدر تقرير عن هيومن رايتس وتش في فبراير 2015 يسلّط الضوء على “احتجاز القوات الكردية للآلاف من العرب ضمن مناطق أمنية” في مناطق شمال العراق التي حررتها من سيطرة الدولة الإسلامية منذ أغسطس 2014، وبالإضافة إلى ذلك تشير التقارير بأن “القوات الكردية منعت العرب الذين شردهم القتال، من العودة إلى ديارهم لأشهر طويلة، في حين أنها سمحت للأكراد بالعودة إلى تلك المناطق، أو حتى بالاستقرار ضمن بيوت السكان العرب الذين لاذوا بالفرار”.
فضلًا عما تقدم، اعترف بعض السكان الأكراد المحليين لهيومان رايتس ووتش بأن القوات الكردية دمرت عشرات المنازل التابعة للعرب، كما أوضح دبلوماسي أوروبي مطّلع على المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد بحصول حالات من “التدمير المنهجي المتعمد للممتلكات العربية السنية” من قِبل البيشمركة، مشددًا على أن هذه التصرفات ليست مجرّد عقاب جماعي لدعم العرب المفترض لتنظيم الدولة الإسلامية، بل إنها تعبّر عن حملات تطهير عرقي جماعية.
يتناول موضوع حديث آخر نُشر في صحيفة الميدل إيست آي تقريرًا وثائقيًا للتلفزيون الهولندي نشر مؤخرًا، صوّر أحد قادة قوات الدفاع الشعبية الكردية في العراق وهو ينكر اعتقال أي سجين لدى القوات الكردية، “ليس في قواتي” قال القائد، وتابع، “وليس في أي مكان آخر، دعونا نكون صادقين، لا يوجد لدينا سجناء في أي مكان، نحن لا نريد السجناء”، وبالطبع لا يبدو مفاجئًا أن تنفي السلطات الكردية في سورية والعراق ادعاءات الفيلم الوثائقي وتقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش حول ممارسات وانتهاكات القوات الكردية.
وفقًا لما تقدم، علينا أن نقر بأن تسليح الأكراد قد لا يكون الخيار الواقعي الأقل سوءًا المتاح أمام الحكومات الغربية والجماهير المهتمة بهزيمة الدولة الإسلامية؛ فعند اتخاذ قرار بشأن الإجراء الواجب اتخاذه في سورية والعراق، إذا كان ذلك الإجراء لازمًا أساسًا، من الضروري أن يكوّن عموم الشعب الغربي فهمًا دقيقًا عمّا يحدث ضمن هذه الصراعات، وصورة واقعية عن أولئك الذين يدعمهم الغرب أو يخطط لدعمهم.
التقدميون البارزون الذي ذكرناهم أعلاه، لم يحيطوا قراءهم علمًا بحقيقة القوات الكردية التي يحثون الغرب لتسليحها، وعلاوة على ذلك، لا بد من ملاحظة أن حالات التطهير العرقي الممارسة على أرض الواقع من قِبل القوات الكردية في سورية والعراق من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية، كونها ستدفع السكان العرب المحليين إلى أحضان الدولة الإسلامية أو القوى المتشددة الأخرى التي يشعرون بالأمان والحماية تحت كنفها.
“التهم الموجة للقوات الكردية تثير أيضًا مسألة معقدة ضمن البلدان التي تدرب وتجهز هذه القوات”، قالت الصحفية سارة إليزابيث وليامز في مقال لها بصحيفة فورين بوليسي، حول الانتهاكات التي تقوم بها القوات الكردية في العراق، وتابعت متساءلة “هل يمكن لتلك البلدان الاستمرار في توفير المساعدات العسكرية لهذه القوات في حالة استخدام هذه الأسلحة لارتكاب ما يصفه الخبراء على أنه ممارسات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب؟”.
المصدر: ميدل إيست آي