منذ انطلاق فعاليات الحراك الجنوبي ككتلة موحدة رفعت شعارات مطلبية تتعلق بحقوق العسكريين المسرحين منذ عام 1994 لازال هذا المكون الكبير والمهم بين القوى اليمنية خارج دائرة الفعل والتأثير في المشهد اليمني بمناخه المضطرب.
يمثل الحراك كمكون جغرافي جنوب اليمن ويملك زخمًا جماهيريًا كبيرًا وقضية عادلة وحصل على فرص كثيرة ليكون رقمًا مهمًا غير أن هذه الفرق تتلاشى تباعًا ويبقى الحراك جسدًا بعشرات الرؤوس؛ مما يعيق تحركه أو حتى تفكيره بشكل منطقي بخيارات مقبولة محليًا وإقليميًا ودوليًا.
دشن العميد ناصر النوبة أحد القادة العسكريين المحنكين تحركات العسكريين في الجنوب عام 2007 من مدينة الضالع التي كانت عاصمة ثورة الجنوب كأول ثورة في سجل ثورات الربيع العربي وتمددت ثورة النوبة ورفاقه المسرحين من جيش اليمن الموحد لتصل لكل مناطق الجنوب من حدود تعز إلى حدود سلطنة عمان.
حملت التحركات الجنوبية مطالب بحقوق العسكريين وبعدها حقوق أبناء الجنوب في السلطة والثروة، ووصلت المطالب إلى تقرير المصير والاستقلال والانفصال وفك الارتباط وهي مصطلحات مثلت بداية الخلاف والتشرذم للحراك الجنوبي الذي تقسمت مكوناته إلى فصائل عديدة كل فصيل له رؤية مختلفة لاستعادة دولة الجنوب.
ذهب النوبة وباعوم كل واحد في فصيل وخرج علي سالم البيض وشكل تكتلاً ضم قيادات بارزة، لكن باعوم اختلف مع البيض وانتهى التكتل إلى فصيلين وظهر الجفري ومعه فصيل وسبقه محمد علي أحمد بتكتل انتهى بانقلاب عليه من قِبل مكاوي لتستمر حكاية تقسم وتشرذم مكون الحراك الجنوبي وتوزع مكامن قوته إلى مجموعة قوى تزداد ضعفًا مع كل ظهور لفصيل جديد.
وحصل الحراك الجنوبي على فرصة ذهبية ليعيد إنتاج نفسه بصورة متماسكة وتكتل موحد تمثلت هذه الفرصة بدخول المليشيات الحوثية مناطق الجنوب وعاصمته عدن حين تحول الحراك إلى تيار مقاوم حمل السلاح للدفاع عن الجنوب وتحريره من وجود المليشيات القادمة من شمال الشمال.
خرج الجنوبيون كقبائل في شبوة وعسكريين في الضالع وشباب وعسكريين في عدن ولجان شعبية في أبين، ومثّل هذا الخروج تحت راية واحدة وهدف واحد فرصة لتشكيل جبهة جنوبية موحدة تمثل الجنوب أو على أقل تقدير تكون الأقوى في الجنوب غير أن المؤشرات حتى اليوم كشفت عن تشرذم أكثر من السابق وهذه المرة تشرذم مسلح يعد أكثر خطورة على الجنوب ذاته.
فتح التحالف العربي بقيادة السعودية أبواب الدعم بشكل غير محدود لكل القوى التي تحارب المليشيات ومن هذه القوى الحراك الجنوبي الذي لم يسبق أن فتحت له أبواب الخليج وظلت كل نشاطاته محرومة حتى من تغطية إعلامية من قِبل وسائل إعلام الخليج العربي بدوله الست.
وصل السلاح والمال وهو ما كان ينقص الجنوبيون للتحرك، وفتح الإعلام قنواته لكل أصوات الجنوب بل فضلها على ما هو قادم من الشمال وانتهت العزلة بمجرد أن وطأت أقدام المليشيات أطراف محافظة لحج من جهة تعز.
تشكلت جبهات المقاومة في عدن من عدة قوى وكان الحراك حاضرًا بقوة في هذه الجبهات وفي الضالع احتكر الحراك المقاومة واستفاد من طبيعة المحافظة كمخزن بشري للمقاتلين في الجنوب لتشكيل جبهة متماسكة وقوية قادها ضباط من قدامى المحاربين في جيش الجنوب الذي تم تسريحه بعد عام 1994.
في لحج وأبين وشبوة أيضًا مثّل الحراك حضورًا في صفوف المقاتلين كقادة وأفراد وأصبح السلاح في متناول كل من يريد القتال طيلة شهور من القتال ضد المليشيات.
بعد تحرير الجنوب بتدخل عسكري بري وجوي وبحري خاطف شاركت فيه فصائل المقاومة الجنوبية بفاعلية حتى تم دحر المليشيات إلى خارج حدود مدن الجنوب قبل الوحدة مع الإبقاء على 3 مدن صغيرة في شبوة ولحج وأبين تحت سيطرة المليشيات لأهداف تتعلق بخارطة دولة الوحدة.
تحرير الجنوب مكن الحراك الجنوبي والقوى الجنوبية من الحصول على أسلحة نوعية ومهمة دخلت مع قوات التحالف العربي ومثلت إضافة إلى ترسانة الحراك الجنوبي والقوى الجنوبية بجانب غنائم الحرب وسلاح الجيش الموالي للرئيس هادي والذي كان يملك عدد من الدبابات والمدافع والسلاح الثقيل.
في محافظة الضالع درب فصيل الحراك هناك بقيادة شلال شايع عدد كبير من الشباب على حمل واستخدام السلاح الخفيف والثقيل ضمن دورات تخرج منها عدد كبير من الشباب إضافة إلى العسكريين المتواجدين في جبهة المقاومة في الضالع.
في محافظة شبوة هناك نموذج مختلف وجيد مثّله العميد ناصر النوبة الذي تم تعيينه قائدًا لمحور شبوه؛ حيث جند ودرب عدد من شباب المحافظة ولكن في إطار رسمي وليس خارج سلطة الشرعية كما فعل حراك الضالع بل أن النوبة يتعرض لمضايقات من قِبل قادة نافذين في الجيش الوطني تحت مبرر أن من دربهم هم من أبناء شبوة فقط وهي نظرة قاصرة من قِبل قادة الجيش الوطني يجب عليهم مراجعتها.
في عدن تقاسمت عدة فصائل السلاح والأفراد المقاتلين وتحولت المقاومة إلى عبء على الشرعية بل أن قيادات المقاومة تمارس ترهيبًا وابتزازًا لمؤسسات الدولة في عدن باسم المقاومة وبذلك يسجل الحراك فشلاً ذريعًا في التعاطي مع الانفتاح الذي حظي به مع دول الخليج التي بحثت عن خيارات أخرى لإدارة عدن أمنيًا بعد أن كان على الحراك أن يقوم بالدور الأمني تحت سلطة الرئيس هادي والحكومة الشرعية.
في الضالع رفض شلال شايع الانخراط في تحالف الشرعية وحلفائها الخليجيين من خلال القبول بمناصب قيادية له ولرفاقه ضمن سلطة الشرعية وظل متمسكًا بشعار الانفصال وحق تقرير المصير للجنوب حتى وهو في الرياض.
كانت الفرصة ذهبية للحراك الجنوبي ليشكل جبهة موحدة ويقوم بدور أمني حافظ لاستقرار المدن المحررة بالتعاون مع القوى المقاومة والتحالف العربي ويقدم صورة مختلفة عن الصورة المرسومة عن الحراك لدى المجتمع الدولي بعدم قدرة الحراكيين على تجاوز خلافاتهم والتطلع لدور مستقبلي في إطار الدولة الفيدرالية بدلاً من الجري وراء مطالب غير مقبولة داخليًا وخارجيًا تتجاوز معطيات الواقع الحالي ومنطق المستجدات على الأرض.
الحراك لن يحصل على دعم دولي لتقرير مصير الجنوب وهو لم يتمكن من إدارة الشأن الأمني في محافظة عدن ولن يخاطر الإقليم بفسخ عقد الوحدة اليمنية في ظل وجود مئات القادة الذين يتنازعون زعامة تيار أو تكتل جنوبي ويتركون القاعدة والتنظيمات المتطرفة تتحرك بكل حرية داخل رقعة الجنوب.
المنطق يقول إن من فشل في حماية جامعة عدن من عجرفة تنظيم القاعدة لن يقوى على تأمين سواحل عدن من مهددات الملاحة الدولية، وإن من يرفض قتال المليشيات الحوثية في بعض مناطق الضالع بحجة أنها شمالية كيف له أن ينصاع لمتطلبات الشراكة والمصالح مع الإقليم والجيران.