كنت وصديق عزيز نتحدث عن الشعب الفلسطيني الموجود في كثير من بلدان العالم ، ودوره في الإسهام في مشروع التحرير.. باعتباره قوة أساسية في هذا المشروع. صديقي قال وبلغة صادقة ..أنا ولدت في قطر ، ودرست هنا ، وأكملت دراستي في كندا ..ورغم حبي لقطر إلا أن كندا حريصة علي أكثر ، بل وترحب بي وتريديني عندها ، بصراحة لا أشعر بفلسطين ولا بأن قطر تقدرني وما أقوم به من أجلها ..شعرت بأنه يقول: من أنا؟ ومن أين أكون ؟ وإلى أي أرض أنتمي؟
قال بلهجة حزينة .. هل كندا تحبني أكثر من قطر التي عشت وتربيت وخدمتها وبإمكاني خدمتها أكثر وأكثر ؟ أم هل علي أن ارتبط بأرض وقضية لا أشعر بارتباطي الجغرافي بها ، ولولا أن الأجيال الكبيرة في عائلتي تذكرني بأنني فلسطيني ..لما كان لفلسطين أي وجود في حياتي.
في هذه اللحظة شعرت بأني مكلف بالتفكير ..فعلاقتي مع صديقي لا تحتم علي الرد بحماس فأنا لست بصدد التشكيك بولاءه لفلسطين ..حتى لو لم يكن موجودا بتلك الدرجة التي نتخيلها عادة عند كل فلسطيني في العالم.
لكنني فضلت أن أفكر في الموضوع بروية ، وأن يكون بيننا حديث في المستقبل حول هذا الأمر الهام …
ولعل الوقت قد حان لنبدأ هذا الحوار المفتوح ….
ماذا يعني الوطن؟ ماذا يعني أن أدعم أي قضية على وجه هذا الأرض؟ وماذا يعني أن أكون (أنا) أنا …لا كما يريدني الناس أن أكون عليه؟
أما الوطن يا صديقي ، فسأقول لك أن المكان والزمان هما عاملين محكوم بهما الإنسان ، ولا يعني ذلك أن لا يغيرهما لكنه محكوم بهما أينما حل وارتحل ، فأنت فلسطيني بحكم ولادتك من أبوين فلسطينيين ، كانا موجودين في تلك الأرض ، ولولا الاحتلال لكنت اليوم هناك تعيش وتخدم تلك البقعة الجغرافية التي تسمى فلسطين ..من هنا يا صديقي سيبدأ ارتباطك بالقضية …بالطبع لست مجبرا على أن تحمل الذكريات المؤلمة التي حمّلها لك الجيل السابق ، ولكنك مرتبط دوما بجغرافيا ومحكوم بوقت ..هذا الوقت يعني أن هناك احتلالا قرر أن يغير مجرى حياتك ..ككثيريين غيرك.
ستقول لي: لقد وجدت نفسي في قطر ..أشعر بالحرية والأمان والاطمئنان ، وهذا هو جوهر معنى الوطن..
سأقول لك: من مبدأ أن قطر عندي كفلسطين وهي محررة ..لا يهمني أين تشعر أكثر بحريتك .. ولا يهمني تباعا أين تعيش ..أتعلم.. أريد أن أحرر فلسطين ..ولن أحزن بعدها إن لم أعش فيها.
إن كان يا صديقي معنى الوطن هو أن أنعم بحريتي وآمني وكرامتي وأشعر بأن حضن البلد مفتوح لأحلامي ومشاريعي ..فسأقول لك: ماذا عن من حرم من هذا كله ؟ أليس من حقه أن يستعيد ما سرق منه ، وتنعم به الآن؟ أليس من حقنا أن نستعيد الأوطان المسروقة ..أليس من حقنا يا صديقي وفاءً لقطر إن أصابها مكروه أن ندافع عنها …إننا ندافع عن أوطاننا التي تحافظ علينا، والتي سرقت منا كذلك.
ستقول لي: إنك تشعر بالضيم من كل من لا يقدرك ..وأنك عازم على الهجرة من جديد لكندا ..فأحضانها مفتوحة لأمثالي الحالمين …
وهنا دعني أصارحك ..هذه فرصة ثمينة عليك أن تتمسك بها ، تمسك أكثر بحريتك وبتحقيق أحلامك ، واسعى لمن يقدر فيك أخلاصك وعملك من أجله …ولا أرى ذلك سوا فرصة ذهبية لتكون أكثر فلسطينية من الكثيريين في داخل فلسطين!
لا يهمني يا صديقي إلى أي أرض ستستقر بك الأمور ..ما يهمني أن تشعر بالرضا من نفسك، وهذا ما سيجعلك تفكر دائما ..لماذا أبحث دوما عن الأفضل؟ ..دع هذا السؤال يلح عليك كثيرا ..فلن تكون نهايته ..إلا وصولا لذات الحقيقة المرّة التي نتهرب منها جميعا..وهي أننا أصحاب وطن محتل..ينتظر منا التحرير.
ولا تنسى يا صديقي أن التخلص الفردي من المشكلة العامة قد يكون سهلا ، فإن كانت المشكلة لا تؤثر فينا بشكلها المباشر كحالنا الآن في قطر ..فما الذي سيدفعنا لجنون المقاومة والبحث عن حل للتحرير؟
كل ما عليك هنا إن كنت طبعا تعبئ بغيرك ..أن تنظر لأحوال المخيمات في لبنان والأردن والعراق وسوريا ..وفلسطين ..انظر لفلسطين اليوم وانظر الى حجم الهروب الذي نسعى إليه ..ألا يستفزك هذا الهروب المستمر منذ قرن ؟
ألا يستفزك ذاك الظلم الذي يتنافى مع معنى الوطن الحالم الذي نهرب إليه باستمرار؟
أننا يا صديقي نؤمن بأن من حق الفلسطيني الذي لا يعاني من آثار الاحتلال المباشر أن ينعم بحياة جميلة ..ليس لشيء سوا لأن الإنسان يحب الحرية ، ويحب الكرامة ويحب ما يسعده ..هذا هو الإنسان .
لذلك لن نسعى لأن نحمّل الهم لفلسطينيي الخارج المطمئنون ..بل سنحملهم دورهم الطبيعي في مشروع التحرير.
سنحملهم أن يبنوا الحلم الذي يعيشونه خارج فلسطين.. لداخلها ..أليس هذا ما نعيشه يا صديقي ؟ ألسنا مستمتعين ونحن نرتشف الشاي على شاطئ البحر لا نخشى إلا الله والتأخر على زوجاتنا
أحلم ببلد أجمل تعيش فيه ، واحلم بوطن نستعيده غدا بما ننجزه في تلك البلدان التي ننتقل إليها هربا من حلم التحرير.
احلم ففي الحلم يعود السؤال سيرته الأولى ..ونعود معه للبحث عن ذواتنا أكثر فأكثر…
باحث في القضية الفلسطينية