ستون سنة مرت بالتمام والكمال على إلغاء معاهدة الحماية الفرنسية الإسبانية وحصول المغرب على استقلاله، إلا أن البلد لازال محافظًا على إرثه الاستعماري، وقد سعى المقيم العام الفرنسي “الجنرال ليوطي” مباشرة بعد فرض الحماية سنة 2012، إلى تقسيم البلد إلى مغرب “نافع” وآخر “غير نافع”؛ حيث شمل الأول المنطقة الغربية التي تحظى بسهول وأراضٍ خصبة وأنهار وسواحل، في حين أن المغرب غير النافع هو عبارة عن أراضي جليلة وصحراوية، ولازالت هذه المناطق لا تحظى باهتمام تنموي ولم تسارع الحكومات المتعاقبة إلى تجهيز هذه المناطق ببنية تحتية ملائمة وتوفير ما يحتاجه سكان البوادي النائية من أجل عيش كريم.
لا زالت الكثير من القرى لم تعرف حتى الساعة طريقًا معبدًا، ومع تساقط الأمطار والثلوج خصوصًا في المناطق الجبلية (الريف والأطلسين الصغير والكبير) تنقطع الطريق؛ مما يفرض على الأهالي عزلة تامة، ويكون الوصول إلى القرى المجاورة أمرًا مستحيلاً، فكيف يصلون إلى المدن من أجل التطبيب أو قضاء الأغراض الإدارية وما إلى ذلك من ضروريات لا يمكن قضاؤها في القرية؟
وخلال العام الماضي، في خطاب العرش بعد 15 سنة على اعتلائه سدة الحكم، تساءل العاهل المغربي محمد السادس عن مدى استفادة جميع المغاربة من ثروة بلادهم، مشيرًا إلى أن الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين على قدم المساواة، وأوضح العاهل أنه لاحظ خلال جولاته التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة.
وحسب مجلة “فوربيس” الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد، فإن قيمة ما يملك الملك محمد السادس بلغت 5.7 مليار دولار مطلع 2015، ليكون العاهل المغربي هو خامس أغنى أغنياء القارة السمراء، وأغنى ملك في أفريقيا، ويلقبه الناس بـ “ملك الفقراء”.
وفي خضم سياسة التقشف التي أعلنتها الحكومة المغربية، سجل القانون المالي الجديد لسنة 2015 ارتفاعًا في ميزانية القصر الملكي والجيش ورئاسة الحكومة، وارتفعت ميزانية القصر برسم مشروع القانون المالي المقبل، بنسبة 0.60% مقارنة مع السنة الماضية، إذ حظي تمويل “القوائم المدنية للملك وتدبير مخصصات السيادة” بميزانية تبلغ مليارين و597 مليون درهم، مقابل مليارين و585 مليون درهم خلال مالية 2014.
ويستهدف قانون المالية المبرمج لسنة 2016 بالدرجة الأولى مشاريع فك العزلة عن مناطق المغرب العميق، حيث من المتوقع أن يتم تخصيص 50 مليار درهم خلال الفترة 2016- 2022 ستوجه لتمويل حوالي 20 ألفًا و800 مشروع، تستهدف أزيد من 12 مليون مواطن يقطنون بأكثر من 24 ألف قرية.
يبدو هذا القرار مبشرًا بالفعل ولكن على مستوى التنفيذ فإن ذلك صعب التحقق وبعيد المنال بالنسبة لسكان القرى النائية، ويعزى هذا إلى الفساد والاختلالات التي تعرفها الإدارة المغربية، أي أن مشاريع من هذا القبيل هي بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لكثير من المسؤولين “المعدومي الضمير والأخلاق” الذين يلتجؤون إلى الغش في المواد الأولية وتعويضها بمواد ذات جودة أقل حتى يبقى لهم نصيب لا يستهان به من الميزانية، وهو أمر معمول به في هذا البلد بسبب غياب مراقبة الجودة والمحاسبة في حالة ثبوت أي اختلال في تدبير المال العام.
هناك الآلاف من القرى النائية في المغرب تعيش أوضاعًا صعبة ومؤلمة، وحياة بدائية – في القرن الواحد والعشرين – خالية من شتى شروط العيش الكريم، أما عن حظوظ هؤلاء المغاربة في التعلم والصحة والخدمات الاجتماعية فهي شبه منعدمة، والأطفال هم أكثر فئة تعاني قسوة الحياة التي يخرجون إليها فى سن مبكرة جدًا، لأن شروط الدراسة والتعلم غير متوفرة بالشكل المطلوب والملائم؛ فهم مضطرون يوميًا إلى السير مسافات طويلة على طريق وعرة ليصلوا إلى المدرسة وينهلوا من بعض العلم.
مازال يعيش في المغرب أناس يسكنون الكهوف وآخرون ألفوا حياة الترحال، يكافحون فقط من أجل العيش والبقاء، وأحيانًا يفرحون بقدوم إعانات إليهم من جمعيات معظمها تتاجر بمعاناتهم، في حين أن هناك عائلات استفردت بثروة البلاد ولازالت تبحث لنفسها عن رغد عيش ونعيم أكثر مما هم فيه الآن.
تهدد الثلوج سكان القرى النائية بالجوع والبرد وأحيانًا بالموت
هكذا حال تلاميذ القرى عندما تغمر مياه الفياضانات مدرستهم
فصل دراسي في قرية نائية
كفاح البنات في قرى الأطلس الكبير