ترجمة وتحرير نون بوست
الرقة سجن قاسٍ، وشعبها جائع ويقترب ببطء من الموت، والمزيد من القصف الخارجي لن يؤدي إلا إلى مفاقمة بؤسهم، وفقًا لسكان الرقة السابقين الذين فروا هربًا من حكم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
في مقابلة مع صحيفة الميدل إيست آي يوم الإثنين، قال عبد الله، الذي فرّ مؤخرًا من الرقة إلى أوروبا، بأن المدينة انحدرت إلى الهاوية، وشعبها يواجه غضب داعش وموت القصف الأجنبي.
تأتي هذه التعليقات في الوقت الذي يستعد فيه السياسيون بالمملكة المتحدة للتصويت على تمديد العمل العسكري البريطاني ضد داعش إلى سورية، وتحديدًا إلى الرقة، المقر الفعلي للجماعة.
الرقة خضعت مسبقًا لهجوم من الولايات المتحدة وروسيا، ومؤخرًا فرنسا، التي صعّدت حملتها في أعقاب هجمات داعش الأخيرة على باريس.
يقول عبد الله متحدثًا إلى صحيفة الميدل إيست آي من الحدود اليونانية -المقدونية، بأن سكان الرقة يعيشون على حافة المجاعة، “الرقة اليوم كابوس أسود”، يقول عبد الله، ويتابع: “تنظيم داعش يسعى جاهدًا وبكل الطرق لتجويع السكان المدنيين، ولقد نجح فعلًا في تحقيق مبتغاه، الكهرباء بالكاد تصل إلى المدينة، والمياه لم يتم تعقيمها منذ استيلاء داعش على المدينة”.
ويضيف قائلًا “قلب المدينة يبدو كمدينة أشباح، والمنازل التي احتلها عناصر التنظيم قسرًا هي وحدها التي تحصل على الخدمات؛ الخبز وصلت أسعاره إلى مبالغ خيالية، ورغم أن التنظيم يتوعد السارق بقطع اليد، تنتشر السرقة على نطاق واسع، وفي وضح النهار، بسبب المجاعة التي يعاني منها الشعب”.
يشير عبد الله بأن المزيد من القصف الأجنبي لن يؤدي إلا إلى مفاقمة بؤس السكان، حيث يقول: “إن أي تدخل عسكري من قِبل المملكة المتحدة لن ينهي عصابة الأسد، ولن يؤدي إلا إلى تعكير المياه بشكل أكبر”، ويتابع قائلًا: “رسالتي ليست موجهة لحكومة المملكة المتحدة، بل لشعبها، أبناء بلدي ذُبحوا وشُرّدوا على خلفية تصفية الدول الأجنبية لحساباتها مع بعضها البعض”.
“أنا لا أؤيد أي نوع من التدخل لا يعيد الاستقرار ويضمن عودتنا إلى بلادنا، بالإضافة إلى التخلص من الأسد وداعش”، يقول عبد الله، ويتابع: “الطلعات الجوية الروسية والفرنسية فشلت تمامًا في استهداف داعش، فالضربات الجوية الروسية تشبه ضربات الرجل الأعمى الذي يضرب في كل مكان باستثناء المناطق التي ينتشر بها التنظيم، وهذه الغارات تمطر موتًا فوق رؤوس المدنيين، أما الغارات الجوية الفرنسية فهي انتقامية، عشوائية، وغير محسوبة، رغم أنها لم تسفر عن مقتل المدنيين واستطاعت استهداف قواعد التنظيم”.
ثقب الرقة الأسود
في حديثه لصحيفة الميدل إيست آي، يقول أحد المقيمين السابقين في الرقة والذي يقيم حاليًا في تركيا، بأن الحديث ومقابلة أي شخص بالرقة يعد أمرًا خطيرًا للغاية، “لا يوجد إنترنت في المنازل، والاتصال مقصور على مقاهي الإنترنت العامة التي يتم تشغيلها من قِبل داعش” قال الشاب، مطالبًا بعدم الكشف عن هويته، وتابع: “لذلك فإن الدخول لهذه المقاهي يعد خطرًا كبيرًا بحد ذاته، ناهيك عن عبثية انتقاد التنظيم على صفحات الإنترنت في ظل مراقبته لجميع منافذ الاتصالات”.
نظرًا لإحكام القبضة الأمنية لداعش على المدينة، يبدو من الصعب للغاية تأكيد الكثير من تفاصيل الحياة في المدينة، كما يصعب الحصول على تفاصيل القصف من منظور المدنيين.
الحياة في الرقة تحولت بشكل كبير منذ استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية عليها في يناير من عام 2014، وتزامن ذلك مع هبوط عدد سكانها من مليون نسمة إلى 400.000 نسمة.
عقاب أولئك الذين لا يتقيدون بالقواعد الصارمة التي يضعها داعش، أصبحت واقعًا يوميًا يعيشه المقيمون في المدينة، والنشطاء تم إعدامهم أو تمكنوا من الفرار إلى تركيا، وهي عملية لا تعد هينة نظرًا للحظر الذي يفرضه داعش على مغادرة السكان للمدينة.
انتشرت تقارير مؤخرًا تشير إلى انتقال أسر مقاتلي داعش وفرارهم من الرقة إلى الموصل في أعقاب الضربات الجوية الأخيرة، كما انخرط مقاتلو التنظيم أيضًا ضمن المناطق المدنية بهدف الاختباء بين المدنيين وبغية استخدامهم كدروع بشرية.
يشير شاشانك جوشي، الباحث الكبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، بأنه ما من شك في أن الغارات الجوية تأخذ طابعًا انتقاميًا، ولكنه يرى بأن قصف التحالف، وخاصة فرنسا، لا يساعد التنظيم على الازدهار، كما يحلو للبعض تصوير الأمر، حيث يقول: “لا أرى أي سبب للاعتقاد بأن هذه الغارات الجوية عشوائية أو غير موجهة”، مضيفًا: “أي دولة جدية، خصوصًا دولة كفرنسا تشارك بنشاط كبير في سورية، وتتمتع بحس قوي بالفخر والاستقلال، ستتخذ إجراءات للرد على الحوادث التي ضربتها”.
بذات الوقت، يعترف جوشي بأنه من الصعب الحصول على أي معلومات من الرقة، التي وصفها بأنها “ثقب أسود” يبتلع كل ما حوله، في إشارة للطريقة التي يختطف ويعدم بها عناصر داعش القوات في كثير من الأحيان.
واقع مختلف
واقع الرقة بدا مختلفًا في عام 2013، عندما طرد الجيش السوري الحر وجماعة أحرار الشام القوات الحكومية السورية من المدينة، وسيطروا عليها؛ فتحت حكم الجيش السوري الحر، كما يقول عبد الله، استمرت الحياة بشكل طبيعي.
“كانت المدارس والكليات مفتوحة، وبقيت المؤسسات الحكومية تعمل تحت تنسيق دقيق بين الجيش السوري الحر وأحرار الشام”، قال عبد الله.
ولكن مع ذلك، وفي الأشهر التي سبقت إعلان الدولة الإسلامية في سورية والعراق في صيف عام 2014، تم اختطاف العديد من النشطاء والشخصيات المعروفة في الرقة، ويصف عبد الله ذلك بقوله:” ليس هناك من شك بأنهم اُختطفوا حينئذ على يد أفراد التنظيم، هؤلاء الناس، كالناشطين في الحركات اللاعنفية والمسلحة، رئيس مجلس المدينة، أمناء مجلس المدينة، والقاضي الشرعي، كانوا القوة الدافعة لتوحيد الشارع وتنظيم الاحتجاجات في الشوارع الكبيرة”.
في العاشر من يناير من عام 2014، استولى تنظيم داعش على الرقة، وأُغلقت المدارس لمدة سنة، ومن ثم أُعيد افتتاحها في فبراير 2015، ولكن فقط حتى الصف التاسع، وتم تغيير جميع المناهج الدراسية من النصوص “الكافرة” إلى الكتب التي وافق على تدريسها التنظيم.
وفقًا لأحد النشطاء الذين فروا من الرقة في أكتوبر، معظم الآباء يخشون من التلقين وغسل الأدمغة اللذان سيخضع لهما أطفالهم في هذه المدارس، لذا اختار أغلبهم تدريس الأطفال في المنزل، وهو الأمر الذي قد تصل عقوبته، وفقًا لقوانين داعش، إلى الإعدام.
فضلًا عمّا تقدم، تعهد تنظيم داعش، كما يقول الناشط، بقتل المعلمين الذين يدرّسون بالمدارس الخاصة، سيّما في مدارس الفتيات، كما أن التجار الذين لا يغلقون محلاتهم التجارية أثناء الصلوات يتعرضون لغرامات كبيرة أو حتى لعقوبة الجلد، والنساء في المدينة يُجبرن على ارتداء الحجاب الكامل، بالإضافة إلى ارتداء ملابس سميكة تحت الحجاب.
رجال وشباب الرقة يتم إيقافهم بشكل دوري على العديد من نقاط التفتيش التي يحرسها مقاتلو داعش، وفي بعض الأحيان يُطلب منهم تسليم هواتفهم النقالة لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على الأغاني أو صور لنساء غير محجبات.
ولكن على الرغم من الأهوال اليومية التي يعيشها سكان الرقة، أولئك الذين تركوا المدينة يغمرهم الأمل في القدرة على تخطي هذه المحنة، حيث يقول عبد الله: “عائلتي لا تزال في الرقة، إنهم صامدون وينتظرون الفرج”.
المصدر: ميدل إيست آي