ترجمة وتحرير نون بوست
كافح إبراهيم طنبري للوصول إلى رحلته على الخطوط الجوية الكندية رقم 8867 المتجهة إلى وندسور، حيث صعد في يوم الإثنين إلى الطائرة مع زوجته زينب، وأربعة أطفال دون سن السابعة، لقد كان يرتجف من البرد، ولكنه قال لشبكة أخبار سي بي سي في ويندسور بأن كل ما كان يفكر به هو مستقبل أفضل لأبنائه.
قبل يومين، التقينا مع أسرة طنبري على بعد 9500 كم في قرية بشمال لبنان، حيث كانوا يتحضرون للمرحلة الأخيرة من رحلتهم الطويلة.
“لقد قالت لي شقيقتي بأن وندسور مكان جميل” قال طنبري حين التقيناه في لبنان، وهو يحدق بالوادي اللبناني الذي يبعد 11 كيلومترًا فقط عن الحدود السورية، وتابع قائلًا: “لقد قالت لي بأن الحياة جميلة هناك، وأنه مكان يُشعرك بإنسانيتك وأنك على قيد الحياة”، واستطرد مضيفًا: “لقد أخبرتني أيضًا بأن الطقس هناك بارد جدًا”.
ذهبت عائلة شقيقة إبراهيم لوندسور قبل شهر من الآن، في حين أن أسرة إبراهيم ستكون إحدى أوائل الأسر السورية اللاجئة التي تصل ضمن الموجة الجديدة من اللاجئين الـ25.000 الذين تأمل كندا أن تستقبلهم خلال العام المقبل.
مساء يوم الأحد، وفي مطار بيروت، استقل 32 سوريًا الطائرة لتورونتو وما بعدها، في تتويج مفرح لمعاناتهم التي عاشوها، بعد أن حالفهم الحظ والسلوان في قبولهم ضمن موجة اللاجئين الجديدة الواصلة إلى كندا.
عائلة طنبري، كالكثير من العائلات السورية الأخرى في لبنان، نزحت عدة مرات خلال السنوات الأربع الماضية، حيث كانت العائلة تقطن في حمص حين بدأ النظام السوري مسلسل الهجوم المميت لقمع انتفاضة المعارضة.
“لم نكن نستطيع العثور على الطعام لإسكات جوع الأطفال”، قالت زينب العمر، زوجة إبراهيم، موضحة بأن أحداث حمص أسفرت عن مقتل شقيق زوجها، واختفاء شقيقته، التي تركت ابنًا يتيمًا اسمه كنان.
إبراهيم كان حينئذ يعمل كعامل بناء مهاجر في لبنان، و في أحد الأيام قال لعائلته بأن يأتوا إلى لبنان للسكن فيها هربًا من وحشية الحرب في سورية، لقد كان ذلك قبل أكثر من أربع سنوات من اليوم.
“أنا لن أعود إلى سورية، لن أعود إليها أبدًا”، قال إبراهيم بلهجة متحدية.
الحياة في غرفة مربعة واحدة
الحياة بالنسبة للكثير من اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يبلغ عددهم 1.1 مليون لاجئ، لا تتجاوز حدود الكفاف، فبالنسبة لعائلة الطنبري، عاش 9 أشخاص من العائلة، بما في ذلك الأم والأب، في غرفة مربعة أسمنتية واحدة غير مكتملة البناء.
هذه الغرفة كانت تصلح لأن تكون مخزنًا لتخزين البضائع، وليس لعيش البشر ضمنها، فالمياه تتسرب على الأرض من سقف الغرفة، والعائلة كانت تستخدم موقدًا غازيًا صغيرًا واحدًا لطهي الطعام، ويفترشون الحصير على الأرض ليناموا ليلًا.
انتقلت العائلة ضمن لبنان أيضًا لعدة مرات، تبعًا لطلب ملاك العقارات لمبلغ 200 دولار وسطيًا كإيجار لغرف لا تصلح أساسًا للعيش ضمنها، وكلاجئين، لا يمكن للسوريين العمل في لبنان بصورة قانونية، حيث اضطرت زينب لبيع ما تبقى من حليها الذهبية للحصول على المال، ولكن ذلك لم يساعد العائلة على الخروج من محنتها المادية.
في نهاية المطاف، أثمرت سنوات الانتظار الطويلة التي قضتها العائلة بعد التقدم بطلب للجوء للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين للأمم المتحدة، حيث تم اقتراح أسمائهم للحكومة الكندية للنظر بها، واستطاعت العائلة اجتياز الفحوصات الأولية وعمليات التحقيق الأمنية بنجاح، وكذلك اجتازوا الاختبارات الطبية النهائية يوم الجمعة الماضي.
“أريد أن أذهب لأجل أطفالي”، يقول إبراهيم، ويتابع: “أريدهم أن يدرسوا، وسأعمل أنا وزوجتي أيضًا، وسوف نبدأ حياتنا من الصفر”، واستطرد موضحًا: “ليس لدينا أي شيء، أريد لأبنائي أن يحصلوا على التعليم الذي حُرمت منه عندما كنت في مثل سنهم”.
أكد لنا إبراهيم بأنه لم يتردد للحظة واحدة باتخاذ قرار المغادرة إلى كندا، ولكن مع ذلك، أظهر وجهه تخوفًا من وطأة رعاية أسرته في مكان بعيد للغاية عن المكان الذي اعتاد العيش ضمنه.
واجب إبراهيم، كما يقول، هو خلق فرص أفضل أمام أولاده في المستقبل، إنه يسعى لذلك، ولكن الوصول إلى هذه النتيجة يتطلب منه اتخاذ تضحيات مريرة للغاية.
العشاء الأخير
في ليلة السبت، وضّبت زينب جميع ممتلكات الأسرة بهدوء ضمن ثلاثة حقائب، وتناولت العائلة “العشاء الأخير” المؤلف من الباذنجان المقلي والخبز مع والدي إبراهيم، حيث تشارك الجميع بالطعام من طبق واحد كبير.
“أنا أعلم بأنني لن أراهم مرة أخرى” قال الجد، محمد خالد طنبري، وهو يحدق في أحفاده، “لكنني أشعر بالسعادة نيابة عنهم” قال بشكل مقنع، وتابع: “إنهم في طريقهم إلى بلد يلبي جميع الاحتياجات”.
من جهتها، قالت عايدة عبد الكريم عمر، جدة الأطفال: “نعم، سوف أشتاق لهم، ولكنني آمل بأنهم اليوم يضعون حدًا للألم والفقر الذي كانوا يعيشون به”، ولكن مع ذلك، يمكنك أن تلمح نظرتها الحزينة والمتأملة أثناء انقضاضها بلهفة على أصغر حفيد لها، البالغ من العمر تسعة أشهر، لتغمره بعناق طويل وتطبع قبلة حارة على وجنتيه.
فرصة الذهاب إلى كندا تعد نادرة للغاية، حيث إن فرص وقوع الاختيار على عائلة معينة من بين ملايين اللاجئين السوريين تبدو ضئيلة، لذلك يبدو من السهل أن نتصور بأن الأسر السورية النازحة ستستغل أي فرصة تتاح لها للخروج من وضعها المأساوي، وهم بالغالب يستغلون تلك الفرص فعلًا، ولكن هذا لا يعني بأن مغادرة حياتهم التي اعتادوا عليها هي بالسهولة التي نتوقعها.
في يوم الأحد، تكدست عائلة ابراهيم ضمن سيارة أجرة واحدة، للذهاب في رحلة تستغرق حوالي ثلاث ساعات بالسيارة من مكان إقامتهم في شمال لبنان إلى مطار رفيق الحريري الدولي.
لم يختبر أي من أفرد العائلة شعور الصعود على متن طائرة من قبل، ناهيك عن أنهم غير معتادين على اتخاذ رحلات جوية طويلة تبلغ مدتها حوالي 28 ساعة مع أربعة أطفال،”لم أستطع النوم في الليلة الماضية”، قال زينب بوهن واضح.
في ذات السياق، تعاقدت الحكومة الكندية مع المنظمة الدولية للهجرة لتقديم الخدمات اللوجستية وتأمين خروج اللاجئين المقبولين من البلاد، حيث وصل المسؤولون من منظمة الهجرة إلى المطار وباشروا بالمناداة على أسماء الـ32 لاجئًا الذين تم قبولهم ليصعدوا على متن الطائرة في تلك الليلة.
حصل كل شخص على حقيبة زرقاء، ومصنفًا يحمل صورة المنظمة الدولية للهجرة، يضم الوثائق اللازمة، ونسخة من الإقامة الدائمة الكندية، حيث تم توزيع واحدة لكل من إبراهيم وزوجته وأطفاله الأربعة.
في المطار، كانت والدة إبراهيم موجودة، وقبل المغادرة، احتضنها نجلها بعناق حار وطويل وهمس بإذنها “صلي لأجلنا”، وحينها انفجرت الأم بالبكاء، ومن ثم اتجهت إلى أحفادها لتقبيلهم وضمهم بحرارة.
لم يكن هذا الوداع معتادًا، فالفرصة كبيرة بألا ترى والدة إبراهيم أحفادها مرة ثانية، وفي الوقت الذي تستعد فيه كندا لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين، سيتكرر هذا المشهد مرارًا وتكرارًا؛ هذا المشهد الذي يحمل مشاعرًا مختلطة من الأمل والامتنان والحزن، التي ولدت من رحم المعاناة والحرب.
المصدر: سي بي سي