ترجمة وتحرير نون بوست
كتب وليام ماك اسكيل وديبورا أور:
وليام ماك اسكيل: “يجب أن يتم تركيز إنفاق الموارد في المكان المناسب”
أعلن مارك زوكربيرج وزوجته، بريسيلا تشان، عن تبرعهما بـ99% من أسهم الفيسبوك، التي تقدر قيمتها حاليا بـ45 مليار دولار، لمؤسسة خيرية جديدة أطلقاها تحت اسم “مبادرة زوكربيرج- تشان”.
زوكربيرج وتشان يستحقان احتراماً كبيراً لهذا القرار، فرسالتهما حول الهدية التي قدماها للعالم، توحي بأنهما يضمران الأهداف الصحيحة تماماً، ويمكن أن تكون مضمون رسالتهما بياناً مهماً لحركة اجتماعية تدعى “الإيثار الفعّال” والتي أعمل عليها منذ عام 2009، حيث جاء فيها: “نحن نعتبر كل الحيوات متساوية بالقيمة، وهذا يشمل العديد من الأشخاص الكثر الذين سيعيشون في الأجيال القادمة أكثر ممن يعيشون اليوم، ينبغي على مجتمعنا الالتزام بالاستثمار الآن لتحسين حياة جميع القادمين إلى هذا العالم، وليس فقط أولئك الموجودين بيننا اليوم”.
السؤال الكبير التالي هو، أين يجب أن تذهب هذه الأموال؟ والإجابة على هذا السؤال تعد بذات أهمية، إن لم تكن أكثر أهمية من قرار التبرع بحد ذاته؛ فهناك نسبة كبيرة من البرامج الاجتماعية التي لم تتمتع بأي تأثير على الإطلاق، في حين يوجد برامج استطاعت تحويل حياة الملايين بفعالية لا تصدق، ويبدو أن زوكربيرج وتشان يظهران إدركاً جيداً لهذه المشكلة، حيث أشارا في رسالتهما التي وجهاهها لطفلتهما: “في الوقت الراهن، نحن لا نوجّه مواردنا الجماعية بشكل محدد نحو أكبر الفرص والمشاكل التي ستواجه جيلكم هذا”.
الأهداف الجامعة التي وضعها مارك وزوجته على قائمتهما تبدو واسعة النطاق، كـ”الرقي بالإمكانات البشرية” و”تعزيز المساواة”، وتحت كل هدف من هذه الأهداف أدرجا إمكانيات مذهلة، كـ”القضاء على الفقر والجوع” أو “علاج الأمراض بغية العيش لحياة أطول وأكثر صحة”.
هذا مؤشر جيد، فهناك الكثير من المشاكل الهامة في العالم، ومن المقلق أن يتم تأسيس مبادرة خيرية تتمتع بأفق ضيق وتركز على نواحٍ محددة في هذه المرحلة المبكرة، قبل أن يتم جمع الأدلة عن المجالات التي يمكن أن تحدث بها الأموال أعظم تأثير اجتماعي.
ولكن مع ذلك، سيكون على الجمعية أن تضيّق أفق تركيزها عاجلاً أم آجلاً، فمبلغ الـ45 مليار دولار، ورغم أنه أكبر المنح الخيرية المقدمة على مر التاريخ، إلا أنه لا يشكل سوى ثلث قيمة الانفاق السنوية على المساعدات الخارجية العالمية.
رغم أن بعض أوجه الإنفاق على المساعدات الخارجية تقدم مساعدات خيرية فعلية، كالانفاق على الخدمات الصحية الأساسية مثل اللقاحات، ولكن زوكربيرج وتشان يريدان بالتأكيد أن تلعب هبتهما المقدمة للعالم دوراً أكبر من ذلك، ويمكنهم الوصول لهذه الغاية من خلال الاستثمار في المشاريع التي تقدم فرصاً كبيرة لتحسين نوعية حياة الأشخاص بشكل ملحوظ وبتكلفة منخفضة.
ما كنت آمله حقاً هو أن يحذو زوكربيرج وتشان حذو أحد مؤسسي فيسبوك، داستن موسكوفيتز، وشريكه كاري تونا، مراسل صحيفة وول ستريت جورنال السابق، حيث أسس الأخيران معاً شركة غود فينتشرز (Good Ventures)، والتي قد تقدم أفضل نموذج لكيفية إدارة المؤسسات الخيرية.
خلافاً للعديد من المؤسسات الأخرى، شركة غود فينتشرز تتمتع بشفافية عالية للغاية، حيث تعمد إلى نشر الأدلة والتحاليل للمنح التي يتم التقدم بها إليها، بحيث يمكن للمانحين التدقيق في اختياراتهم والتعلم من خبراتهم، وعلاوة على ذلك، فإن الأبحاث التي تعتمدها الشركة مفصلة ومتطورة، كما تعاقدت غود فينتشرز سابقاً مع مؤسسة غيف ويل (GiveWell) الخيرية للتقييم، والتي تتمتع بأعوام طويلة من الخبرة في تحديد الاحتماليات المتوقعة للمنح مع تحديد أقوى الأدلة التي تقف وراء تقديمها.
الأهم من ذلك، وعلى غير العادة، فإن غود فينتشرز تشارك في اختيار الأسباب الإستراتيجية لتقديم المنح، فمعظم المحسنين يختارون المجال الذين ينوون تمويله بناء على ما يستثير عطفهم أو حماسهم، ولكن ماذا لو لم تتطابق عواطف المحسنين مع ما يحتاجه العالم حقاً؟ حينها سيتم إهدار منحهم لحل مشاكل غير ملحة نسبياً، أو يصعب حلها بشكل خاص، أو تتلقى الكثير من الاهتمام بالفعل.
لهذه الغاية، استأجرت مؤسسة غيف ويل فريقاً كبيراً من المحللين ليعملوا على تحليل المجالات التي يمكن فيها للأموال المقدمة لغود فينتشرز أن تحدث أكبر فارق ممكن، وفي خضم هذا التحليل، يبحث المحللون عن ثلاث خصائص رئيسية تتمثل بالنطاق، الإهمال، وقابلية الحل.
بناء على أبحاث المحللين، قررت الشركة التركيز على الفقر في العالم النامي بدلاً من الفقر في الولايات المتحدة، ولكن لماذا؟
أولاً، لأن نطاق المشكلة أكبر، فالأشخاص الأشد فقراً في أفريقيا يعيشون بشق الأنفس على أقل من عشر ما يعيش عليه أفقر الأشخاص في الولايات المتحدة اليوم.
ثانيًا، لأن المشكلة أكثر إهمالاً، فالموارد التي أنفقت لمساعدة الفقراء في أمريكا تنوف بشدة عن المبالغ التي أنفقت لمساعدة فقراء العالم في الخارج، وإذا جمعنا كامل المبالغ التي يتم إنفاقها على المساعدات الخارجية للأشخاص الفقراء سنوياً، سيتبين لنا بأن هذا المبالغ تساهم بمبلغ 65 دولاراً للشخص الواحد في السنة، مقسومة على 2 مليار شخصاً يعيشون في فقر مدقع، هذا إن وصلت هذه المعونات إلى أيديهم أساساً.
ثالثاً، لأن حل المشكلة يعد أكثر سهولة، فهناك أدلة قوية تشير إلى إمكانية تحقيق تقدم في حل المشكلة وبتكاليف منخفضة، فمئات ملايين الفقراء في العالم النامي يفتقرون لمعظم العلاجات الصحية الأساسية التي من شأنها أن تحول دون موت أطفالهم من أمراض الملاريا أو الإسهال.
إذن، عندما يتمحور موقفك من تقديم المنحة بعبارة “جميع الحيوات لها قيمة متساوية”، يجب أن تدرك المجال الذي ينبغي عليك أن تستثمر ضمنه بشكل واضح.
بشكل عام، يمكن الوصول لتحقيق هذه النتائج بشكل سهل نسبياً، ولكن غود فينتشرز لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت في محاولة إيجاد مجالات أخرى يمكن أن توسع من أفق تأثير الأموال الممنوحة لها، حيث قامت الشركة بالبحث على نطاق واسع، وكتابة تقارير حول احتمالات إصلاح العدالة الجنائية، سياسات الاقتصاد الكلي، والعلم مفتوح، وفي بعض الحالات قدمت المنح للأشخاص الذين يعملون في هذه المجالات.
إذا أرادت مبادرة زوكربيرج- تشان أن تستثمر أموالها لأقصى درجة ممكنة، ينبغي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار التعاون مع مؤسسة غيف ويل، أو تعمد لبناء فريقها الخاص من المحللين متعددي التخصصات لمساعدة المؤسسة لمعرفة المشاكل الأكثر إلحاحاً التي يجب عليهم العمل عليها.
خلافاً لذلك، فإن كرم زوكربيرج- تشان الهائل سيحقق نتائجاً أضعف وأقل بكثير مما كان يمكن له أن يحققه.
شاهد فيديو نون بوست عن أثريا العالم الذين تبرعوا بثرواتهم
ديبورا أور: “التبرعات السخية بالمال هي من كماليات الأسر الثرية”
إنه خطأ المبتدئين، فأن ترزق بطفلك الأول هو أمر مثير ورائع للغاية، ولكن بدلاً من الحصول على وقت هادئ للتخطيط للكيفية التي ستبدو عليها الحياة مع أول طفل لك، تقوم بصخب هائل بإخبار جميع من حولك بأنك حصلت على طفلك الأول، وبأن هذا الطفل سيكون مبدعاً للغاية، وهذا ما يستثير موجة نشطة ولا منتهية من التغطية الأخبارية، لدرجة لا يمكنك معها إيجاد خمس دقائق هادئة لتتشاطرها مع طفلك الحديث بدون إزعاجات وتدخلات إخبارية، وقبل أن تدرك ذلك، ستكون قد استهلكت كامل إجازة الشهرين الأبوية بدون أي إنجاز يذكر.
بريسيلا تشان ومارك زوكربيرج رزقا بطفلة، ويمكننا أن نعترف بكل صراحة بأن هذه الطفلة لا يراها أبواها كإبنة صالحة لتلقي المواعظ والعبر، ومع ذلك، كتب الأب رسالة إلى الطفلة، موجهة للعالم بأسره باستثناء الطفلة بحد ذاتها، وبالتالي فإن الطفلة، في معرض هذا الخطاب، ليست طفلة على الإطلاق، بل إنها وسيلة تم استخدامها بشكل حرفي لتزيين إعلان عن أعمال خيرية.
في نقطة ما من حياتها، يُفترض أن تستطيع هذه الطفلة قراءة رسالتها الخاصة، لتدرك بأن ولادتها عجلّت من طرح لفتة هامة من الأعمال الخيرية التي تهدف إلى جعل العالم مكاناً أفضل، والاستجابة الطبيعية التي قد تبدر عن أي طفل عاقل ستتمثل بعدم الراحة.
إطلاق المبادرة كان فجاً بشكل رهيب، خاصة ضمن قالبها الذي استبطن سخرية من الناس في خضم تقديم أحد مبادرات السخاء المالية الهائلة، ولكن التبرعات السخية بالمال هي إحدى الكماليات العديدة التي لا يستطيع تحملها سوى الأثرياء، وبالنظر إلى العقود الطويلة التي أمضتها البشرية بغية صياغة نوع من النظام الديمقراطي الذي يتمتع الجميع ضمنه بحق المشاركة، أعتقد بأن البشر يتمتعون بكامل الحق في إطلاق صفة التسلية على ظن أحد الأشخاص المتخمين بالأموال بأنه قادر على تغيير العالم ليصبح مكاناً أفضل، من خلال مبادرة أسسها حرفياً من لدنه.
بجميع الأحوال، وكون زوكربيرج سيقوم شخصياً بإدارة مبادرة زوكربيرج- تشان، فإن ما فعله على أرض الواقع هو تكريس وظيفة جديدة ومثيرة للاهتمام لنفسه، وهي وظيفة يبدو من الواضح بأنه ليس مؤهلاً لشغرها.
مهمة زوكربيرج الجديدة ستكون مختلفة للغاية عن الأعمال التي يضطلع بها غيره من الأشخاص، فبينما يعمل الناس لجمع الأموال واكتنازها، وظيفة زوكربيرج الجديدة تتركز بشكل خاص على التبرع بالأموال، وفي الوقت عينه، يلقي زوكربيرج محاضرات للآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم حول أهمية ترك أعمالهم جانباً لقضاء بعض الوقت مع أطفالهم.
أخيراً، من المضحك أن ندرك بأن مهمة زوكربيرج الجديدة تتضمن إلى حد كبير السعي لتعزيز المساواة، ويبقى علينا أن نخمن من هو أول هؤلاء المتساوين ومن في المرتبة الثانية ومن الثالث!
المصدر: الغارديان