نفذت بريطانيا أولى غاراتها الجوية صباح اليوم في سوريا، بعدما اعتمد مجلس العموم البريطاني بغالبيته توجيه ضربات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، هذا وقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية بعد ساعات من اعتماد القرار قيام طائرات من طراز تورنيدو التابعة لسلاح الجو الملكي بأول عملية هجومية فوق الأجواء السورية، شنت خلالها ضربات عبر قاعدة أكروتيري التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص كنقطة انطلاق لشن هجمات على أهداف لتنظيم الدولة.
أتت هذه التحركات على خلفية مشروع وخطة تقدم بهما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حظيا بتأييد 397 عضوًا في مجلس العموم البريطاني مقابل رفض 223، وذلك بعد التصويت على مذكرة مضادة وقع عليها نحو 110 برلمانيين من مختلف الأحزاب، وتم رفضها بتصويت 93 لصالحها مقابل 211 صوتًا.
حيث يرى كاميرون أن بريطانيا لا يجب أن تتأخر عن حلفائها في المنطقة الذين طالبوا بمساهمة عسكرية بريطانية في الحرب ضد تنظيم الدولة داخل سوريا، وهو ما يراه ضمانة لأمن المملكة المتحدة.
هذا وقد رفضت وزراة الدفاع البريطانية حتى الآن إعطاء أي تفاصيل عن الأهداف التي ضربتها الطائرات الأربع التي أقلعت ليلًا من من قاعدة “أكروتيري”، التي تستخدم لشن هجمات على أهداف لتنظيم الدولة في العراق منذ أكثر من عام.
هذا ويحث كاميرون البرلمانيين في بريطانيا على دعم توسيع نطاق الغارات الجوية ليشمل سوريا لاستهداف بؤر إرهابية ادعى أنها تخطط لتنفيذ هجمات على الغرب، مضيفًا أن شن غارات جوية تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا لن يزيد احتمالية تنفيذ، من وصفهم بالمتطرفين، هجمات على بريطانيا.
كما يرى كاميرون أن صواريخ بريمستون فائقة الدقة والموجهة بالليزر والمثبتة في قاذفات تورنادو جي.آر-4 ستساعد في إحداث فارق حقيقي من خلال ضرب معقل تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة السورية بالإضافة لاستهداف تجارته النفطية.
معارضة عمالية غير حاسمة في مجلس العموم
على الجانب الآخر أعلن زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن، معارضته توجيه بلاده لضربات عسكرية في سوريا، وعلى الرغم من ذلك قرر كوربن أن يترك لنوابه حرية التصويت حتى لا تتفتت جبهته الداخلية بعد بروز جبهة متمردة داخل الحزب تؤيد قرار التدخل العسكري في سوريا.
يرى جيرمي كوربن أن هذه الضربات لن تُحدث فارقًا على الأرض، لكن 60 نائبًا من حزبه كان لهم رأي آخر، بالإضافة إلى نصف حكومة الظل العمالية الذين صوتوا لصالح التدخل البريطاني العسكري في سوريا، حيث اكتفى كوربن بتوجيه رسالة لأعضاء حزبه المؤيدين لهذه الخطوات مفادها ضرورة إعادة النظر في قرارهم.
إلا أن الحزب الوطني الإسكتلندي، الذي يشغل نوابه 54 مقعدًا في البرلمان، كان بجانب كوربن في رأيه المعارض لشن هجمات عسكرية داخل سوريا، في الوقت الذي صوت فيه كل من حزبي الاتحاد الديمقراطي لإيرلندا الشمالية، والديمقراطي الليبرالي الذي يحتل كل منهما 8 مقاعد في البرلمان، لصالح القرار المُقدم من ديفيد كاميرون.
بينما لم تفلح التظاهرات التي نظمها المئات أمام مقر البرلمان، أثناء انعقاد جلسات النقاش، في منع قرار المشاركة الذي يرونه توريطًا لبريطانيا في صراع طويل الأجل، ربما يأتي بردود أفعال عكسية على الجبهة الداخلية في بريطانيا بعد التورط في حرب خارجية جديدة كسابقتها في العراق.
ترحيب أمريكي
أما واشنطن فقد رحبت بموافقة البرلمان البريطاني، حيث أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ترحيبه بقرار البرلمان البريطاني، مصرحًا في بيان أنه “منذ بدء الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كانت المملكة المتحدة واحدة من أهم الشركاء في القتال ضد التنظيم”.
مضيفًا أنه يتطلع لرؤية القوات البريطانية تحلق مع التحالف الدولي فوق سوريا، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستعمل على إشراك البريطانيين في أوامر المهام الجوية للتحالف بأسرع وقت ممكن.
بهذا تنضم بريطانيا بقرارها هذا إلى ألمانيا التي أعلنت عبر مجلس الوزراء الألماني يوم الثلاثاء الماضي عن عزمها إرسال ما يصل إلى 1200 جندي للمشاركة في العمليات، وهو الأمر الذي لاقى ترحيبًا أمريكيًا هو الآخر.
مزيد من التورط الغربي في سوريا
بهذه القرارات تدخل الدول الغربية في تورط جديد داخل سوريا ربما ينتهي بحرب برية شرسة، فقد نجحت الولايات المتحدة في إقناع شركائها بالدخول على خط النار في سوريا، وربما استخدمت في ذلك فزاعات كأحداث باريس الأخيرة، وهو ما حذر منه ديفيد كاميرون بالفعل أثناء خطابه أمام البرلمان البريطاني.
بريطانيا بالفعل كانت تقدم دعمًا مخابراتيًا وأنواعًا من الدعم اللوجيستي الأخرى للدول التى تشارك في القتال ضد داعش، وقد نفذ سلاح الجو الملكي البريطاني آلاف الغارات على أهداف للتنظيم في العراق منذ موافقة البرلمان على عمل مشابه في العام الماضي.
لكن هذا العمل لم ينتج أي تغير على أرض الواقع واستمر التنظيم في التمدد داخل العراق رغم آلاف الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضده، ومن غير المنطقي أن يتم فتح جبهة جديدة من بريطانيا في سوريا رغم عدم تحقيق أي نجاحات على الأرض في العراق.
إذ يرى خبراء أن بهذا القرار ربما يتم توريط بريطانيا فيما هو أبعد من ذلك، خاصة مع عدم ظهور أي ملامح للحل السياسي المزمع تكوينه بعد محادثات فيينا الأخيرة بين الدول المعنية بالشأن السوري، إلا أن كاميرون برر ذلك بأن الخلاف مع الروس قد تلاشى بشأن الأسد.
كذلك يبرر محللون اندفاع البريطانيين نحو هذا القرار بسبب سيطرة هجمات باريس الأخيرة على مخيلاتهم، حيث أفاد استطلاع للرأي بأن نحو 48% من البريطانيين يدعمون خطة الحكومة في توسيع ضرباتها ضد تنظيم الدولة مقابل 31% يعارضون هذا التوجه.
في الوقت الذي تبدي فيه المعارضة البريطانية تخوفًا من التورط غير المحسوب في الصراع السوري، كذلك أبدى المعارضين تخوفهم من نتائج هذه الحرب على المدنيين في سوريا، مصرحين بأنهم غير مقتنعين بتبريرات كاميرون التي تؤكد أنه سيتم استخدام صواريخ عالية الدقة تفاديًا لوقوع ضحايا مدنيين في القصف، وهو أمر لا يمكن إثباته عمليًا.