هكذا كان العنوان الرئيسي في صدر صحيفة المصري اليوم: “الرئاسة تبدأ احتواء شباب يناير”، بعنوان فرعي “اتجاه لتعيين ممثلين للثورة في البرلمان لوضعهم في اختبار المسؤولية”، حيث تحدثت الصحيفة عن اتصالات جرت بين الرئاسة المصرية ومجموعة من شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير دون أن تحدد عمن تتحدث بالتحديد، لعقد لقاء مع رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، ولكن بشروط معدة مسبقًا.
من ضمن هذه الشروط استبعاد تعديل قانون التظاهر من جانب مؤسسة الرئاسة، وترك القانون لرؤية مجلس النواب، وكذلك عدم مناقشة الاعتقال والاختفاء القسرى، خاصة في ظل تأكيد أجهزة الأمن خلو السجون من أي معتقل، وأن سجناء الرأي والقضايا السياسية محبوسون بقرارات وأحكام قضائية بحسب ما أوردت الجريدة.
لا أحد يعرف لماذا إذن يذهب شاب نزل في ثورة يناير وحمل مطالبها لمثل هذا اللقاء بهذه الشروط، الذي ربما يليق بسدنة الجيش من المجموعات الطفيلية الانتفاعية الذين يطلق عليه الإعلام المصري “شباب ثورة الثلاثين من يوليو”، حيث الفرصة المتاحة لاقتناص قطعة من الكعكة عبر عروض تجميلية من نظام السيسي لتولي عدة مناصب قيادية في المحافظات والوزارات ومجلس النواب القادم.
لكن لا تناقش ولا تُجادل عن أكثر من 40 ألف معتقل، ولا تتحدث عن جريمة يسمونها “قانون” للتظاهر يسمح بتصفية المتظاهرين، ويحاكم على خلفيته المئات حتى الآن من كافة التيارات السياسية وعلى رأسها التيار الإسلامي الذي لم تسكن تظاهراته يومًا اعتراضًا على الانقلاب الذي قاده الرئيس الحالي منذ أكثر من عامين.
والجائزة ستكون احتواء على طريقة السيسي الخاصة بعدة مناصب سينعم بها الجنرال على كل من يقبل الترويض، أما من يأخذ سبيل التمرد الحقيقي – لا التمرد المخابراتي بطبيعة الحال – سيكون مصيره كشباب يناير الملقى به في غياهب السجون المصرية.
هؤلاء الشباب الذين يأمل السيسي في احتوائهم وقفوا في ثورة يناير وما تلاها من أحداث ضد السطوة والديكتاتورية التي يمثلها نظامه يومًا بعد يوم، والآن هم بين شهيد أو معتقل أو مطارد، إما على يد نظامه الحالي أو على يد مخابراته الحربية إبان الثورة والفترة الانتقالية التي تلتها بشهادة تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي أعد في عهد الرئيس السابق محمد مرسي واختفى لأسباب مجهولة حتى اللحظة.
بعد أن تعمد نظام السيسي استهداف كافة رموز ثورة يناير، وبعد أن أطلق عليهم أذرعه الإعلامية لتصف يناير بالمؤامرة والنكسة، يتطلع الآن هذا النظام لتجميل صورته بلقاء مع بعض الوجوه المنتفعة ليطلق عليهم إعلامه “شباب ثورة يناير”، والثورة منهم براء.
تصفية حسابات نظام السيسي مع ثورة يناير كانت آخر تجلياتها تأييد محكمة النقض المصرية، حكمًا بسجن رموز لثورة 25 يناير، من بينهم الدكتور محمد البلتاجي والمستشار محمود الخضيري، في الوقت الذي أمرت نفس المحكمة بإلغاء حكم سجن رئيس وزراء مصري إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في قضية فساد، مع إعادة محاكمته من جديد.
شباب التيارات الإسلامية الذين تصدوا لبلطجية مبارك في هذه الثورة تعج بهم سجون السيسي ونظامه، وكذلك شباب التيارات المختلفة الأخرى التي كانت في طليعة يناير لم يسلموا من اعتقالات نظام السيسي العشوائية.
يظهر ذلك جليًا في حالة المصورة الشابة إسراء الطويل التي اعتقلت من الشارع عشوائيًا، ولفقت لها قضايا إرهاب – موضة هذا النظام – رغم إصاباتها التي تعيق حركتها، إلا أن النظام ما زال يرى أنها خطر على أمنه، لذا تستحق أن تقبع في السجن حتى هذه اللحظات التي تكتب فيها هذه السطور.
لم يتوقف السيسي ونظامه عن تكميم أفواه شباب يناير في كل وقت حين، فبعد احتجاز الصحفي حسام بهجت في المخابرات الحربية لعدة أيام، واعتقال الباحث هشام جعفر، وغيرهم من عشرات الصحفيين والباحثين، مؤخرًا أوقف الأمن أحد شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير وهو الصحفي إسماعيل الإسكندراني في مطار الغردقة بعد عودته من رحلة عمل خارجية لزيارة والدته المريضة، وكالعادة التهمة الفزاعة حاضرة “الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين والترويج لأفكارها”، رغم اختلاف الإسكندراني مع فكر الإخوان أيما اختلاف، لكن ضباط أمن الدولة ربما تناسوا مراقبة الإسكندراني جيدًا ليعرفوا تحولاته الفكرية.
وبعد كل ذلك يتحدث النظام عن احتواء شباب يناير، نعم لا بد وأنه احتواء على طريقة السيسي الخاصة؛ قتل وتشريد واعتقالات بالجملة لشباب يناير الثابتين على مطالبهم منذ قرابة خمسة سنوات، أما من روضتهم الأجهزة الأمنية والمخابراتية، فقد منحوا هبات كمصانع البسكوت وامتلأت خزائنهم فجأة في البنوك.
دعوة السيسي الأخيرة ما هي إلا دعوة لأبنائه المهللين للفاشية والمتشوقين لمزيد من القمع والدماء تحت راية زائفة كمحاربة الإرهاب، هي دعوة لكل من قبل بإغلاق المجال العام أمام الجميع باستثناء “صبيان المؤسسة العسكرية”، بالتأكيد لا مكان لشباب يناير بها، فهي تليق أكثر بأرامل الثورة الثانية المزعومة.
وهنا لا يمكن أن ننسى التذكير بأن أي ذريعة لحضور مثل هذه اللقاءات من قِبل بعض المحسوبين على يناير هي ذرائع خيانة ليس إلا، وتطلع إلى مكاسب معلنة سلفًا قبل الاجتماع، فشروط اللقاء تقطع على من يسمون أنفسهم بالجناح الديمقراطي أو رواد الإصلاح من الداخل أي محاولة لتضليل الرأي العام بتبرير حضورهم مثل هذا اللقاء، فلا مناقشة لقانون التظاهر أو المعتقلين، إنما حفل لتوزيع المناصب على دماء شباب يناير.
بالتأكيد يجب أن يدرك شركاء يناير الفرقاء حاليًا أنه لا سبيل إلا لفظ هذا النظام الذي أسس شرعيته على الدماء، وأدخل الرصاص كرقم ثابت في المعادلة السياسية المصرية، وبالتأكيد لن يسمح أحد لأي متطلع لما في يد السلطة أن يُدخل يناير في مثل هذه التراهات الديكتاتورية الديكورية تحت دعاوى الاحتواء على طريقة السيسي.