تُعد الصين البلد الأول في التصدير عالميًا؛ حيث بلغت صادرات الصين 2.25 ترليون دولار في عام 2013 واستوردت بنفس العام 1.56 ترليون دولار بفائض تجاري إيجابي يُقدر بـ 690 مليار دولار، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمركية بناتج إجمالي قُدّر بـ 9.2 ترليون دولار حسب بيانات 2013 والناتج إجمالي لكل شخص بلغ 6.81 ألف دولار.
رسميًا وفي مساء يوم الإثنين 1 ديسمبر 2015 تم قبول العملة الصينية “اليوان أو رنمينبي” لدخولها في سلة عملات صندوق النقد الدولي، وفيما يلي سنخوض في تاريخ صندوق النقد الدولي وكيف أنشئت سلة العملات أو ما يُعرف بحقوق السحب الخاصة وكيف استوفت الصين شروط دخولها للسلّة؟.
نظرة تاريخية
خرجت دول العالم من الحرب العالمية الثانية إما مُدمرة من آثار الحرب مثل دول أوروبا واليابان أو ليس لها قوة اقتصادية مثل الدول العربية وتركيا، في حين حازت الولايات المتحدة الأمركية على حصة الأسد وخرجت من الحرب منتشية بطعم الانتصار دون أن يُدمر اقتصادها، فاجتمعت دول العالم في غابات بريتوون (بريتون وودز) عام 1944 بقيادة أمريكا لوضع أساسيات تضمن الاستقرار النقدي والاقتصادي للدول الأربع والأربعين المشاركة في الاجتماع الذي تمخّضَ عنه إنشاء منظمتين:
الأولى: صندوق النقد الدولي وأُسندت إليه مهمة الاستقرار النقدي في دول العالم ومراقبة نظام المدفوعات الدولية والحفاظ على علاقة معدل الصرف بين عملات تلك الدول مع الدولار الأمريكي، وإصلاح الخلل في ميزان مدفوعات الدول من خلال التسهيلات الائتمانية على شكل شرائح من حصتها في رأس مال الصندوق، والثانية هي البنك الدولي الذي أُسندت إليه في ذاك الوقت مهمة إعادة تعمير أوروبا واليابان ومن ثم تحول لمساعدة الدول النامية.
وعلى هامش الاجتماع تم مناقشة العودة لنظام الذهب المعمول به قبل الحرب العالمية الأولى إلا أن خزائن الدول أُفرغت من الذهب بسبب تكاليف الحرب ومصاريفها باستثناء أمريكا التي خرجت بأكبر رصيد من الذهب في العالم، فاتفق المجتمعون على تبني نظام قاعدة الذهب التي على أساسها تتبنى دول العالم الدولار الأمريكي كغطاء وأصل احتياطي بدلًا من الذهب لإصدار ما تحتاجه من عملاتها الوطنية، وتلتزم أمريكا بتحويل ما تقدم إليها من دولارات إلى ذهب عند سعر صرف ثابت (35 دولارًا لكل أوقية ذهب) في أي وقت.
وبعد تحديد كل دولة معدل صرف ثابت بين عملتها والدولار تلتزم بأن تحافظ على ذلك المعدل في حدود 1.25% ارتفاعًا أو انخفاضًا، ولكن في فترة الستينيات أفرطت أمريكا في إصدار الدولار ولم تعد تحتفظ برصيد كاف من الذهب وتزايد عجزها التجاري فبدأت دول العالم خصوصًا (ألمانيا وفرنسا واليابان) بتحويل ما لديها من دولار إلى ذهب وهذا ما أدى إلى ضغط هائل على الدولار نظرًا لتناقص الرصيد الذهبي في مقابله.
فخرج الرئيس الأمريكي نيكسون ليُعلن على الملأ عن وقف تحويل الدولار إلى الذهب خشية تراجع رصيد أمريكا من الذهب إلى الصفر ومنذ ذلك الوقت انفصلت النقود الورقية عن الذهب.
حقوق السحب الخاصة
كما تم ذكره أعلاه فإن الأصل الاحتياطي للدول المعتمد لدى صندوق النقد بعد الحرب العالمية الثانية كان نظام قاعدة الذهب – حسب المتفق عليه في اتفاقية بريتون وودز – وفي عام 1969 أنشأ صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاصة لكي تدعم نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة، والمقصود بها هي أصل احتياطي تكميلي تعبر عن ملكية دولة بالحصة المالية الخاصة بالبلدان الأعضاء في صندوق النقد الدولي والبالغ عددهم اليوم 188 دولة وتستخدم كوحدات حسابية لصندوق النقد الدولي.
بعد إنشاء حقوق السحب الخاصة بعدة سنوات انهارت اتفاقية بريتون لأنّ مخزون الذهب لا يكفي في العالم لتغطية التجارة الدولية المتسارعة؛ فتم فصل الذهب عن العملة الورقية بعد عام 1971، وبعد ذلك اجتمعت الدول مرة أخرى بقيادة صندوق النقد في مؤتمر جمايكا 1976 وبمقتضاه تُرك للدول الحرية في اتباع نظام الصرف الذي تراه، فتحولت العملات الرئيسية إلى نظام الصرف المُعوَّم.
وبقيت حقوق السحب الخاصة كأداة في الصندوق كأصل احتياطي للدول إلا أنه لا يمكن لأي دولة أن تشتري أي كمية من هذه الحقوق بسبب وجود سقف معين موضوع من قِبل صندوق النقد الدولي، فلكل دولة عدد معين من حقوق السحب الخاصة حسب حجم اقتصادها ومستوى مساهمتها في التجارة الدولية، وتتحدد قيمة كل وحدة من حقوق السحب الخاصة يوميًا باستعمال سلة من العملات هي ( الدولار والين واليورو والجنيه الإسترليني) وتراجع هذه السلة كل خمس سنوات للتأكد أنّ سلة العملات هذه هي المستعملة في سوق المبادلات الدولية وأنّ قيمها تعكس صورة أنظمتها المالية والتجارية لكل منها، وفي كل خمس سنوات يتم إعادة تقييم لمعايير اختيار العملات وأوزانها الداخلة في السلّة.
وعليه فإنه حتى تستطيع أي عملة أن تدخل في هذه السلّة عليها أن تكون عملة ذات قبول عالمي لها قيمتها وتقوم بوظائفها وتعكس حجم اقتصاد إنتاجي وتصديري للسلع والخدمات المتنوعة بالدرجة الأولى وله إسهاماته في التجارة الدولية.
وتبعاّ لما ذُكر فإن صندوق النقد الدولي يتأكد أن العملة المستخدمة أو التي سيتم إدخالها في السلّة يجب أن تستعمل بكل حرية وبدون قيود على استعمالها في المبادلات التجارية الدولية والمدفوعات بين الدول وأنها تسوق في أسواق البورصات المالية الدولية، وكانت آخر مرة يتم فيها تقويم حقوق السحب الخاصة هي في عام 2010 حيث تعديل أوزان العملات استنادًا إلى قيمة صادرات السلع والخدمات ومقدار الاحتياطيات المقوّمة بالعملات التي توجد في حيازة أعضاء آخرين في الصندوق.
كما ترتكز النسبة المئوية (الوزن) لكل عملة في السلّة على قيم الصادرات من السلع والخدمات ومبالغ الاحتياطيات من العملات المختلفة التي يحتفظ بها الأعضاء الآخرون في صندوق النقد بالإضافة لأهمية كل عملة ودورها في التجارة الدولية وفي المعاملات المالية.
اليوان في سلة عملات صندوق النقد الدولي
مساء الأول من ديسمبر 2015 انضم اليوان الصيني إلى سلة العملات الرئيسية للاحتياطي الدولي أو ما يُعرف مجموعة حقوق السحب الخاصة، وحالًا اعتبرت بكين أن دخول عملتها في سلة العملات يعد نجاحًا سياسيًا وانتزاعًا باعتراف دولي باقتصادها الضخم على ما أكدته لاغارد المديرة العامة لصندوق النقد بأن اندماج اليوان في الوحدة الحسابية لصندوق النقد هو “اعتراف بانفتاح الاقتصاد الصيني”، وحسب لاغارد أيضًا فإن “التقدم الذي أحرزته السلطات الصينية في الأعوام الأخيرة في مجال إصلاح نظامها النقدي والمالي واستمرار هذه الجهود وتعزيزها سيؤديان إلى نظام نقدي ومالي أكثر متانة سيدعم بدوره نمو واستقرار الصين والاقتصاد العالمي”.
قرار صندوق النقد سيكون ساريًا قبل أكتوبر عام 2016 لضمان اتخاذ كافة التدابير الضرورية لإنجاح هذه العملية لذلك ستصبح تركيبة سلة العملات مؤلفة من 41.73% للدولار الأمريكي و30.93% لليورو و 10.92% لليوان و 8.33% للين الياباني و 8.09% للجنيه الإسترليني، يستند هذا التوازن إلى قيمة صادرات السلع والخدمات للبلد أو المنطقة النقدية التي تصدرها كل عملة من مكونات السلة خلال السنوات الخمس السابقة لعملية المراجعة.
الشرطين الأساسين الذي تم على إثرهما دخول اليوان إلى سلة العملات هما: أن يُستخدم بشكل أكبر في المعاملات الدولية وأن يستخدم بحرية مطلقة.
كما يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن قيام الصين بهذه الخطوة يحفزّها أكثر على إجراء إصلاحات اقتصادية وإجبارها على تحرير الاقتصاد أكثر، حيث سمحت بكين أخيرًا بدخول البنوك الأجنبية إلى سوق الصرف الصينية وأصبح بإمكان المؤسسات الأجنبية شراء سندات خزينة صينية.
وعلى الرغم من المناوشات بين الصين وأمريكا بخصوص سعر صرف اليوان؛ حيث تدعي الأخيرة أن السلطات الصينية تتبنى سياسة سعر صرف منخفضة جدًا لتشجيع صارداتها إلا أنها أي أمريكا التي تعد الممول الأول لصندوق النقد أيدت انضمام العملة الصينية إلى سلة العملات وقالت على لسان متحدثة باسم الخزانة الأمريكية إن “خبراء صندوق النقد الدولي أوصوا بضم اليوان إلى حقوق السحب الخاصة وقد دعمنا اليوم هذه التوصية”.