أشعلت الأزمة السياسية التي نشبت بين طرفي الصراع (الكردي – الشيعي) على خلفية المعارك الدائرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مدن عراقية عدة، ولاسيما بعد تحرير البيشمركة لقضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى شمالي العراق من قبضة التنظيم، ورفع علم الإقليم رسميًا، حرب تصريحات إعلامية بين القيادات السياسية للطرفين استخدمت فيها عبارات حادة وصلت إلى حد التهديد المتبادل بعدم السماح بالدخول إلى مناطق معينة تخضع لسيطرة أحد الطرفين، فيما أقدمت تشكيلات الحشد الشعبي على خطوة عمقت الصراع بدخولها إلى قضاء طوزخرماتو والاشتباك مع قوات البيشمركة الكردية ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع.
سنجار تفجر الأزمة
أثار تصريح رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الذي أطلقه بعد تحرير قضاء سنجار شمالي العراق بـ”ضم سنجار إلى إقليم كردستان”، موجة غضب لدى القوى السياسية الشيعية وتشكيلات الحشد الشعبي، الذين عدَّوا التصريح بأنه خطوة تصعيدية ستسعّر حدة الخلافات بين أربيل وبغداد، وقال البارزاني خلال مؤتمر صحافي عقد في سنجار، إن “سنجار تحررت بدماء البيشمركة وأصبحت جزءًا من كردستان”، مضيفًا “سنعمل مع الحكومة العراقية لجعلها محافظة”.
تصريح رئيس الإقليم هذا دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى سرعة رفض قرار البارزاني برفع علم كردستان على قضاء سنجار المحرر من تنظيم “داعش”، داعيًا إلى رفع العلم العراقي بديلاً.
وتعقيبًا على إعلان بارزاني اقتطاع قضاء سنجار من محافظة نينوى وإلحاقه بإقليم كردستان؛ فقد اعتبر الأمين العام لمليشيا عصائب أهل الحق الشيعية قيس الخزعلي أن هذا القضاء قد تحرر من سيطرة تنظيم داعش ودخل في احتلال أكثر تعقيدًا في إشارة إلى إعلان بارزاني، حيث قال خلال مؤتمر عشائري في النجف إن “سنجار مدينة عراقية خرجت من احتلال داعش والآن دخلت في احتلال أكثر تعقيدًا”.
ومن جهته قال ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على لسان النائبة عنه إبتسام الهلالي، إن القوات الأمنية ستستعيد قضاء سنجار في محافظة نينوى من سيطرة قوات البيشمركة خلال الأيام القليلة المقبلة، وأضافت أن تحرير قوات البيشمركة لقضاء سنجار من داعش لا يفرق عن تحرير قوات الجيش للقضاء وذلك كون سنجار منطقة عراقية ومهمة تحريرها من الإرهاب من واجبات الجميع.
إقحام طوزخرماتو بالأزمة
اقتحمت قوات الحشد الشعبي بشكل مفاجئ عقب أحداث سنجار، قضاء طوزخرماتو بمحافظة صلاح الدين الذي يقطنه عرب وتركمان وأكراد، الأمر الذي أدى إلى نشوب صدامات مسلحة بينها وبين قوات البيشمركة أدت خلال المدة الماضية إلى مقتل أكثر من 10 أشخاص وحرق وهدم العديد من الدور والبنايات ودور العبادة.
مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان حذر من دخول الحشد الشعبي لمناطق الإقليم، قائلًا إن أرض الإقليم ليست مكانًا للحشد الشعبي، تصريح البارزاني جاء بعد غمرة الخلاف الحادّ بين سلطات الإقليم الذي يمثّله، وقيادات سياسية شيعية، بشأن حدود الإقليم والمناطق المتنازع عليها، والذي تطور إلى صدام مسلح في قضاء طوزخرماتو
رئيس الوزراء حيدر العبادي صرح بأن الاشتباكات المسلحة بين تشكيلات الحشد الشعبي الشيعية وقوات البيشمركة الكردية في طوزخرماتو، هي فتنة بين هذه المكونات الثلاثة، لافتًا إلى أن أي جهة تحرض على القتال تحاول إحداث فتنة لأنها ستهدد بعدها بقية المحافظات.
احتواء الأزمة جاء بعدما توصلت أطراف أمنية شكلت بين بغداد وأربيل إلى اتفاق لإنهاء الأزمة، بحسب ما أدلى به ضابط رفيع بقوات البيشمركة في طوزخورماتو لوسائل الإعلام حيث قال إن “اجتماع عُقد بين وفد عسكري عراقي ضم وكيل وزير الدفاع وعدد من القادة العسكريين العراقيين مع قائمقام طوزخورماتو شلال عبدول وقادة البيشمركة؛ أثمر عن اتفاق بين الجانبين بوضع نقاط تفتيش مشتركة في مداخل ومخارج القضاء ونقل جميع مقار الحشد الشعبي إلى خارج طوزخورماتو”، وأضاف أن الطرفين اتفقا كذلك على “تعويض أصحاب المنازل والمحال المتضررة ووقف الاعتقالات في نقاط التفتيش الخارجية الرابطة بين بغداد وإقليم كردستان وإطلاق سراح المعتقلين لدى الجانبين وتشكيل لجنة مشتركة خاصة بمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق”.
حرب الأعلام
حرب جديدة ظهرت على الساحة بين طرفي النزاع واخذت حيزًا كبيرًا من مواقع التواصل الاجتماعي وهي إهانة وحرق الأعلام، إذ قامت عناصر يعتقد بانتمائها إلى مليشيات الحشد الشعبي برسم علم إقليم كردستان العراق في أحد الشوارع الرئيسة بمحافظة كربلاء ذات الأغلبية الشيعية، لتطأه أقدام المارة في خطوة استفزت الشارع الكردي، ودفعت العديد من المواطنين الكرد إلى حرق العلم العراقي بعد رفع عبارة “الله أكبر” عنه وإهانته بشتى الطرق؛ ما دفع شخصيات سياسية للمطالبة بالتهدئة وعدم المساس بالأعلام وما تشكلها من رمزية لكلا الشعبين، إذ اعتبرت رئاسة الجمهورية العراقية في بيان حادثة إحراق العلمين العراقي وإقليم كردستان من بعض “المتطرفين”، عملًا يتنافى مع القيم الوطنية ومبادئ الدستور، محذرة من محاولات “زرع الفتنة والاحتراب” بين أبناء الشعب الواحد.
وينذر تفاقم أزمة حرق الأعلام التي أوقد نارها مواطن شيعي متطرف من طوزخرماتو، بحسب النائب الكردستاني، عرفات أكرم، واختار كربلاء لإحداث فتنة بين الشيعة والكرد، بتصعيد خطير داخل التحالف (الشيعي – الكردي) قد يؤدي إلى انفصاله وإنهاء العلاقة التاريخية التي ربطت بين الطرفين منذ التقائهما على هدف مواجهة النظام السابق وحتى سقوطه في عام 2003، بل ربما يتطور ليصل إلى اقتتال بين الطرفين والتي كانت بوادره من طوزخرماتو.