ترجمة وتحرير نون بوست
إنه اليوم الـ336 من عام 2015، وإطلاق النار الأخير في سان برناردينو يصادف كونه إطلاق النار الجماعي رقم 355 في أمريكا الشمالية.
خلافًا لمعظم حوادث إطلاق النار الجماعية، كحادثة إطلاق النار في مركز تنظيم الأسرة، كنيسة تشارلستون، ساندي هوك، مسرح لافاييت، واشنطن نيفي يارد، إطلاق النار في أورورا وغيرها، لم يكن الجناة في حادثة سان برناردينو من ذوي البشرة البيضاء هذه المرة، كما تم الإبلاغ عن كونهما مسلمين أيضًا، وهو أمر نادر إضافي في مرح حوادث إطلاق النار الأمريكية.
تركز النقاش الذي ثار إثر هجمات كاليفورنيا حول الهوية الإسلامية المفترضة لمنفذي الهجوم، وهما سيد فاروق وتاشفين مالك، وهذا قد يكون السبب أيضًا خلف إردائهما قتيلين رميًا بالرصاص في مكان وقوع الحادث، رغم أنه وفي الأسبوع الماضي فقط، تم اعتقال مطلق النار الأبيض الذين قتل ضابطًا في مركز تنظيم الأسرة بشكل سلمي، ليتم اقتياده للاستجواب.
التزام فاروق ومالك بشعائر وممارسات الدين الإسلامي لم يتم إثباتها بعد على أرض الواقع، ولكن مع ذلك احتلت هويتهما الدينية مركز الصدارة بالفعل؛ فصحيفة نيويورك بوست لم تخجل من وصف منفذي عملية كاليفورنيا بـ”القتلة المسلمين” على صفحتها الأولى، وهذا العنوان يعكس الاعتقاد الشائع بأن الدين هو الدافع الرئيسي للمجرمين “المسلمين”، وبدلًا من وصفهما بأنهما شخصان “ناقمان أو تائهان”، كما تم وصف روبرت لويس دير الابن، الرجل الذي نفذ هجمات مركز تنظيم الأسرة، تمحور الحديث حول الدوافع الدينية المفترضة لدى المهاجمين.
رغم أن الشرطة لم تتعرف بعد على الدافع وراء حادثة إطلاق النار في كاليفورنيا، ولكن التقارير الصادرة لا تستبعد كون الهجوم ناجمًا عن “عمل إرهابي”، ومن هذا المنطلق، يبدو بأن كل جريمة يرتكبها شخص يُفترض بأنه مسلم هي بلا شك عمل إرهابي، في حين أن مطلق النار الأبيض يمكن أن يُعتبر كمتوحش منعزل يعاني من مشاكل كامنة في صحته العقلية، وهذا الوصف لا يُدحض حتى لو كان المهاجم فصيحًا بما فيه الكفاية ليكتب بيانًا كاملًا يوضح فيه دوافع ارتكاب فعله الإجرامي الذي جاء انطلاقًا من منطق البغض والكراهية، تمامًا كأندرس بهرنغ بريفيك، ولكن طالما أن الجاني أبيض، فإنه سيبقى أولًا على قيد الحياة ليشرح دوافعه بنفسه، وسينبري ثانيًا أشخاص ملحدين “تقدميين” للدفاع عنه.
ودعونا لا ننسى في هذا المقام بأن أيان هيرسي علي، التي أبدى بريفيك إعجابه بها، دافعت عن الأخير بالقول: “أفعاله كانت نابعة من خوفه من طغيان المسلمين على أوروبا”.
هذه المواقف لا تقتصر على وسائل الإعلام والنقاد السياسيين اليمينيين، فبعد انتشار الأنباء عن إطلاق النار، التزم مستخدمو تويتر الصمت حول مناقشة الهجمات حتى أدركوا عرق الجناة ودينهم، وحينها كانت أكثر الأسئلة تكرارًا تتمحور حول إيمان الجناة وعرقهم، ومن الجدير بالذكر بأن أحد مستخدمي تويتر الذي كان يظن بأن الهجوم قد نُفّذ من قِبل شخص غير مسلم، ولذلك أشار إلى أن الهجوم لا يعد هجومًا إرهابيًا “بالمعنى التقليدي”.
لا مندوحة من القول بأن جميع منفذي عمليات القتل الجماعية المذكورين أعلاه هم أناس فظيعون، ولكن ما لا أستطيع فهمه هو كيف يضحي المجرم إرهابيًا لمجرد تصادف كونه مسلمًا، أو كيف يحدد انتماء المجرم لأقلية عرقية نوعًا من الدوافع، التي لا جدال فيها، والتي تعتبر صفة مميزة ملتصقة بهذا العرق؛ فمثلًا لو كان المهاجمون من السود أو من العرق الهيسباني، لتحول نقاش وسائل الإعلام حتمًا للحديث عن ثقافة العصابات.
أخيرًا، لا يمكننا أن نشرع في حوار مثمر حول القتل، الإرهاب، والعلاقات ما بين الأعراق، وجميع ما يقبع ما بين هذه المسائل، إلا من خلال إقرارنا بازدواجية المعايير التي نتبعها في الغرب، ومن ثم إعادة تقييمنا لهذه الاعتبارات؛ فلا يمكننا، نحن الغربيون، أن نستمر بزعمنا بأن بلداننا معاقل للديمقراطية والمساواة في الوقت الذي نتملك فيه تعصبًا عنيفًا ضد الأجانب في أعماقنا، ومن المعيب حقًا أن نرى انعكاسات هذا التعصب الأعمى بشكل سافر على الصحفات الأولى لإحدى أكثر وسائل الإعلام شهرة لدينا.
المصدر: الإندبندنت