أواخر الأسبوع الماضي، سمحت حركة حماس لرئيس الوزراء السابق “سلام فياض” بالوصول إلى قطاع غزة، في أول زيارة له للقطاع منذ أن استولت على مقاليد الحكم في منتصف 2007، بحجة أن أبواب القطاع مفتوحة على مصارعها لكل الفلسطينيين على حد سواء، وذلك في أعقاب الدعوة الكبيرة المقدمة له من طرف القيادي في الحركة دكتور حمد يوسف، من أجل عقد لقاء مفتوح بخصوص توضيح رؤيته لإنهاء الانقسام الحاصل في الصف الفلسطيني.
فصائل وشخصيات سياسية فلسطينية، وضمنها حركتي فتح وحماس، لم تكف عن إخراج المواقف الصاخبة تجاه تلك الزيارة، وسواء المعبرة عن الرفض والمعارضة أو تلك التي اقتصرت على الاحتجاج أو الاندهاش، هذا إضافة إلى جملة الاستغرابات التي طافت في الشارع الفلسطيني ككل، برغم ما تم الإعلان عنه من أن الزيارة لا شأن لحماس بها بدليل إحجامها رسميًا عن الالتقاء به، وهناك مسؤولين كبار من داخلها طالبوا صراحة بإسقاط حصانته تمهيدًا لاعتقاله ومحاكمته، كما عصف بزيارته آخرون من حركة فتح وأحجموا عن لقائه برغم حصوله على تنسيقات مسبقة مع قادتها داخل القطاع.
تأتي تلك المواقف بناء على ما كانت تعتبره حماس من أنه واحد من مؤسسي الانقسام حتى برغم انتمائه للطريق الثالث، حيث ساهم بفاعلية في تعميقه، وأظهر اهتمامًا كبيرًا بشأن تحريك حملات أمنية قاسية ضد عناصرها وكوادرها بالضفة الغربية، وأنه هو من دأب على تنفيذ أجندة السلطة وحركة فتح بحذافيرها منذ اعتلائه سدة الوزراء في منتصف يونيو 2007، حتى بدا لدى الكثيرين وكأنه فتحاوي أكثر من الفتحاويين أنفسهم، إضافة إلى ما اعتبرته بأنه أمريكي الثقافة والمزاج، وبأنه هو من أتى بالجنرال الأمريكي كيت دايتون لتجهيز أجهزة أمنية للعمل في مواجهتها، ولتعميق مسألة التنسيق الأمني لصالح إسرائيل، ووصل بها إلى وصفه بالسياسي والاقتصادي الفاسد.
وإن كان ليس رسميًا، فإن حركة فتح، لم تكن أقل قساوةً في موقفها من تلك المواقف المنزلقة من اتجاه حماس، فقد استلم فياض – رغمًا عنه – كمية عارمة وكبيرة من انتقاداتها واتهاماتها المختلفة، وبخاصة الموبقة منها، والتي على رأسها، ارتمائه بأحضان حماس، وبرغبته في رسم اسمه من جديد على الساحة السياسية الفلسطينية بواسطتها.
موقف حركة فتح لـ”فياض” كان تراكميًا بناء على الخلافات معه، والتي كانت قد بدأت قبل عامين من الآن تقريبًا، برغم شغله رئاسة الوزراء آنذاك، باعتباره غريبًا عن الحركة وينشط ضد رغباتها، إضافة إلى اعتباره من قِبل قياديين فيها بأنه كان نذير بؤس عليهم وعلى الحركة ككل، حيث اتهموه بأنه سعى لإبعادهم عن صنع القرار وبأنه هو من ساعد في تركيز السلطة في يد حماس، الأمر الذي عجل بسقوطه، حتى في لحظة انتهاء اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالرئيس الفلسطيني أبومازن الذي نقل رغبة واشنطن الجامحة كي يظل فياض في منصبه.
أعقب ذلك السقوط، قيام السلطة بغلق مكاتبه ومؤسسة (فلسطين الغد) التي يديرها، وأوعزت إلى التحقيق معه بتهم متعددة، وعلى رأسها المحاولة في نسج تحالفات موسعة مع القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
من جانبه وفي ظل حذره من تعكير الرافدين، لم يبخل الرجل بنشر آرائه حول المصالحة الوطنية، بل كان فياضًا أمام الحاضرين من المثقفين والكتاب والمحللين والإعلاميين الفلسطينيين، حيث تمحورت حول ضرورة وحدة التمثيل الاساسي باعتبارها منطلقًا للحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال توسيعها بانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي وكل المكونات التي ترغب في دخولها، بعيدًا عن الحسابات الخاصة أو التي تنطلق من المصالح، كما وتُنبه إلى ضرورة الإعداد لصيغة تفاهمات من أجل استعادة الوحدة، وفي ضوء أن هناك تحديات كبيرة تتطلب صياغة برنامج متوافق عليه يحدد الاهداف الوطنية ويحدد اللغة التي تُمكن من مخاطبة المجتمع الدولي.
آراء “فياض” التي جاء من أجل الإدلاء بها لم تكن هي المعنية لدى حماس على الأقل، باعتبارها (مُعادة) أو تم ترميمها، وكانت وسيلة الكونفرانس كفيلة بنقلها من غير تعب ولا نصب ولا تكلفة بدل كل هذه الضجة الفائضة، لكن كان هناك مغزى واحدًا على الأقل رغبت حماس في توضيحه أمام الكل، والذي يُفيد بأنها كهينة ومُتغيرة.