ربما يستغرب البعض عندما يرون صورًا لحاخامات يرفعون العلم الفلسطيني ويقفون ضد جرائم الكيان الصهيوني، ولكن لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فبعضهم يكرهون الصهيونية حتى أنهم يرفضون التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، يقاطعون الانتخابات ويمتنعون عن دفع الضرائب ويرفضون حتى أموال المساعدات من الضمان الاجتماعي، يطلق على تلك الجماعة اسم “ناطوري كارتا”.
تم تأسيس حركة ناطوري كارتا – والتي تعني “حراس المدينة” باللغة الآرامية – في مدينة القدس عام 1938 أي قبل احتلال الأراضي الفلسطينية بـ 10 أعوام، وهي حركة يهودية أرثودكسية نشأت لمناهضة الحركة الصهيونية التي استطاعت أن تنتشر بين اليهود الفلسطينيين آنذاك ولا زالت حتى الآن تعادي دولة إسرائيل المزعومة.
وعلى مدار السنين، هاجر العديد من نشطاء ناطوري كارتا إلى عدة مدن وخاصة لندن، ونيويورك لعدة أسباب تتضمن رفضهم للتعامل مع الحكومة الصهيونية غير الشرعية، أو نفيهم من قِبل الحكومة لرفضهم التعامل معها، أو بسبب المضايقات الأمنية والتعذيب الذي يتعرض له أعضاء الحركة وأسرهم من قِبل الجنود الصهاينة.
أدى ذلك إلى انتشار الحركة في مدينتي لندن ونيويورك وإنشاء المؤسسات التثقيفية ودور النشر والمنظمات التابعة للحركة ومن أشهرها منظمة “أصدقاء القدس” في نيويورك.
يقول الحاخام دوفيد فيلدمان (أحد نشطاء الحركة) في لقاء تليفزيوني له عام 2012 أن من أهم أدوار الحركة حاليًا هو تقديم المعرفة لليهود لمساعدتهم على فهم معتقداتهم وفلسفتهم بشكل صحيح، كما يري أن عدد المتأثرين بالحركة يزداد عامًا بعد عام، حتى أن بعض اليهود الذين اعتنقوا المبادئ الصهيونية بدأوا يدركون الحقيقة خصوصًا بعدما أصبح واضحًا أن وعود الحركة الصهيونية بحياة آمنة لن تتحقق.
تقوم معاداة حركة ناطوري كارتا للمبادئ الصهيونية على معتقدهم بأن استخدام القوة لاستعادة الأرض المقدسة قبل عودة المسيح مخالف لإرادة الله بناءً على التلمود البابلي، كما أنه محرم عليهم أن يثوروا على الدول غير اليهودية وأن يبقوا مواطنين أوفياء في فترة المنفى التي كتبها الله عليهم، كما يرفضون ممارسات الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين لاعتقادهم أنه محرم علي اليهود أن يسودوا أو يقتلوا أو يؤذوا أو يذلوا أقوامًا آخريين.
وبهذا الشأن تحدث الحاخام دوفيد وايس، المتحدث الرسمي باسم حركة ناطوري كارتا، في لقاء تليفيزيوني أجراه عام 2002 حينما سئل عن الحركة الصهيونية حيث قال: “إن التوراة تقول إن الجيش اليهودي أُعطي أرضًا ومن يرتكب الخطيئة يُخرج من الأرض، وكتب الأنبياء تقول بكل صراحة إننا طردنا بسبب خطيئتنا من تلك الأرض، كل يهودي يعرف ويعترف بذلك، اليهود قبلوا بهذا العقاب من الله، وقبلوا أن يعيشوا بين الأمم بسلام وباحترام القانون في كل بلد يقيمون فيه، حتى جاءت الصهيونية التي تركت الديانة اليهودية التي تتبع التوراة، فمؤسسو الحركة الصهيونية لم يكونوا متدينيين بل قاموا بتحويل اليهودية من دين روحي قدسي إلى حركة وطنية علمانية، كيان علماني، أن نقيم دولة ونحمي أنفسنا ولا يزعجنا أحد، هذه بالنسبة إلينا كفر ضد الله”.
وعليه تحرم حركة الناطوري كارتا أي نوع من أنواع التعامل مع حكومة الكيان الصهيوني، فالمقيمون في القدس من أعضاء الحركة يقاطعون الانتخابات ويرفضون جميع أنواع المساعدات والدعم، حتى أن بعضهم يرفضون التعامل بالعملة الإسرائيلية “الشيكل الإسرائيلي”، كما أنهم يصلون يوميًا لإنهاء وتفكيك دولة إسرائيل بشكل هادئ وسلمي لأن كل ما يقف في وجه التوراة يجب أن ينتهي عاجلاً أو آجلاً.
حسب المتحدث الرسمي للحركة الحاخام دوفيد وايس عدد المنضمين للحركة يعد بالآلاف، بينما يصل عدد المؤيدين لها حول العالم مئات الآلاف، وبحسب مصادر أخرى فإن عدد المنتمين للحركة داخل القدس والأراضي المحتلة يصل إلى الـ 5000 عضو.
أما عن أنشطتهم فبحسب الموقع الخاص بالحركة تتضمن تنظيم العديد من المظاهرات المناهضة للاحتلال في عدة مدن مثل: القدس، لندن، تورونتو، بروكلين، نيويورك.. إلخ، بالإضافة إلى تنظيم الندوات والمؤتمرات وإصدار الخطابات المفتوحة الموجهة للأمم المتحدة وبعض المنظمات والحكومات بجانب المؤسسات التابعة لهم كدور النشر التي تصدر كتبًا بعدة لغات عن حقيقة اليهودية والصهيونية، والمؤسسات التعليمية المختلفة والموجودة في عدة مدن.
عالميًا
فتح
بدأت علاقة الحاخام موشيه هيرش، مسؤول سابق للشؤون الخارجية لحركة ناطوري كارتا، بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في ثمانينات القرن الماضي عندما كان عرفات منفيًا في تونس، وبحسب مصادر إسرائيلية فإنه في عام 1993 عينه الرئيس عرفات مستشارًا لشؤون اليهود، ولكن لم تصرح الحركة بذلك ولكن أشارت إلى زيارة واحدة رسمية من الحاخام لمقر الرئيس ياسر عرفات في رام الله عام 2001.
إيران
شارك ممثلون عن الحركة في مؤتمر الهولوكوست الذي أقامته إيران عام 2006 والذي بالرغم من تأكيد منوشهر متكي، رئيس الخارجية الإيراني وقتها، على أن المؤتمر لا ينفي ولا يؤكد حادثة الهولوكوست بل يوفر المناخ العلمي المناسب للعلماء المشاركين ليشاركوا آرائهم بخصوص قضية تاريخية، إلا أنه قد وجه إلى المؤتمر انتقادات شديدة باعتباره مؤتمر لإنكار الهولوكوست.
ولكن أكد أعضاء الحركة مرارًا على أنهم لا ينكرون حادثة الهولوكوست ولكنهم يؤكدون أن حادثة كهذه لا يجب أن تستخدم كمبرر للممارسات الوحشية بحق الفلسطينيين، استمرت علاقة ناطوري كارتا بالرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد بعد المؤتمر من خلال اجتماعات عقدها بإيران.
حماس
شارك 4 أعضاء من حركة ناطوري كارتا في قافلة تحيا فلسطين الثانية في منتصف عام 2009، حيث قابلوا القيادي بحركة حماس إسماعيل هنية، وبعد الاجتماع صرح هنية بأن حركة حماس ليست ضد اليهود ولكن ضد الاحتلال الإسرائيلي القائم على الصهيونية، واثنى على حركة ناطوري كارتا لمعارضتهم للاحتلال.
رأي الصهاينة
يرى الصهاينة حركة ناطوري كارتا كمجموعة قليلة من اليهود المتشددين الذين لا يمثلون الشعب اليهودي، وأن معتقدهم بأنه محرم على الشعب اليهودي العودة إلى الأرض المقدسة معتقد خاطئ بدليل أن الحاخامات كانوا يشجعون اليهود على الهجرة إلى فلسطين قبل ظهور الحركة الصهيونية، كما يرون أن تمسك ناطوري كارتا بالوعود التي أخذها الشعب اليهودي على نفسه بالطاعة للأمم غير اليهودية تشدد؛ حيث إن هذا الوعد كان مشروطًا بأن لا يتم قتل وتعذيب الشعب اليهودي وقد انتهي بحادثة الهولوكوست، كما يتهم الصهاينة الحركة بعدة اتهامات مشهورة منها المشاركة في مؤتمر “إنكار الهولوكوست” في إيران، والتخابر لصالح إيران ضد إسرائيل، واستلام مبالغ كبيرة من حكومة ياسر عرفات، والتعاون مع الجماعة الإرهابية حماس.. إلخ.
ويبقي التساؤل الأهم مطروحًا، هل يمكن لحركة بهذا العدد أن تكون ذات أثر حقيقي في واقع الصراع الفلسطيني؟ وهل تستطيع أن تنشر أفكارها بالرغم من هيمنة الكيان الصهيوني على الإعلام العالمي؟